وجدت جبهة بوليساريو الانفصالية والمدعومة من الجزائر نفسها مجددا في مرمى انتقادات وتنديد دوليين، بسبب استمرارها في تجنيد الأطفال قسريا في مخيمات تندوف، خاصة بعد ما عمدت إلى استعراض ذلك في تحد واضح للقانون والاتفاقيات الدولية، وذلك خلال استقبال المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية ستيفان دي ميستورا.
نددت منظمات دولية الخميس بتجنيد جبهة بوليساريو الانفصالية المدعومة من الجزائر للأطفال في مخيمات تندوف في أحدث انتقاد للجبهة في هذا الشأن، بعد أن استقبلت في يونيو الماضي المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية باستعراض عسكري للأطفال، ما أثار وقتها جدلا.
وقالت المنظمات في بيان، عقب ندوة دولية عن بعد تحت عنوان “لننقذ أطفالنا في تندوف”، إن “بوليساريو لا تتوانى عن تجنيد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و13 عاما كجنود، والتباهي بهم في عروض عسكرية كجزء من حملة أفكارها، وذلك حسب ما نتلقاه من أخبار من المخيمات ومن شهادات لمجموعة من الأمهات، رغم أن ذلك يخالف النصوص والقوانين الدولية”.
وأضافت المنظمات التي شاركت في أشغال الدورة الـ49 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن “استغلال بوليساريو للأطفال وإجبارهم على حمل السلاح وتعريضهم للعقاب، في حالة عدم المثول والامتثال للأوامر العسكرية، يتنافى مع جميع القوانين الدولية الإنسانية ويعتبر جريمة ضد الإنسانية، وذلك لما يخلفه من ضرر نفسي وجسدي مباشر وغير مباشر على الأطفال وأسرهم”.
والانتقادات لجبهة بوليساريو الانفصالية حول تجنيدها للقسر ليست وليدة اللحظة، حيث سبق لمنظمات دولية على غرار التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات، وهو منظمة فرنسية، أن ندد بذلك مطالبا بمحاسبة بوليساريو.
وقال التحالف في بيان في وقت سابق إن “الأمر يتعلق بجريمة تستدعي ملاحقات ومتابعات دولية في حق جميع الأشخاص المتورطين”. ورغم هذه الانتقادات والإدانات العلنية لتجاوزات بوليساريو، إلا أنها لا تجد حرجا في تحدي القوانين الدولية، في استخفاف بدور المجتمع الدولي إزاءها.
الانتقادات لبوليساريو حول تجنيدها للأطفال تتزايد حيث سبق للتحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات أن ندد بذلك
وخلال استقبال دي ميستورا في جولته في المنطقة مؤخرا، دفعت بوليساريو بأطفال في مقدمة الصفوف العسكرية التي قامت باستعراض ما لإظهار قوتها بوجوده، متحدية جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحظر التجنيد الإجباري للأطفال وإلزامهم بحمل الأسلحة، بدل تعليمهم وتمكينهم من فرص حياة مريحة تتماشى مع أعمارهم.
وروّجت بوليساريو أشرطة توثّق تجنيد الأطفال وهم بالزيّ العسكري ويحملون السلاح والمشاركة في “الاستعراضات العسكرية”، وهو ما يُعتبر جريمة دولية، طبقا لاختصاصات المحكمة الجنائية الدولية وللمواثيق الأممية التي تحثّ على حماية الأطفال في النزاعات العالمية.
وتقول تقارير دولية مختلفة إنه يتم تجنيد الأطفال دون موافقة الوالدين، وإنهم مجبرون على المشاركة في جميع الاحتفالات العسكرية والسياسية، وإلا فإن مصيرهم سيكون السجن أو القتل، ما يعكس انهيار مشروع الجبهة الانفصالية التي تستمر في القتال بالرغم من افتقادها للدعم الشعبي، وخاصة بعد الخسائر التي تكبّدتها في السنوات الماضية.
وقال بيان المنظمات الدولية إنها تندد “بأشد العبارات ونعرب عن قلقنا المتزايد بخصوص الانتهاكات المرتكبة في حق الأطفال بمخيمات تندوف، وتجنيدهم القسري في صفوف بوليساريو”.
ودعا إلى “الإفراج الفوري عن كافة الأطفال المجندين من طرف بوليساريو، ومحاسبة أي دولة أو تنظيم إرهابي يزود جماعة بوليساريو بالأسلحة، والتي تجبر قيادة بوليساريو الأطفال على حملها”.
ولم تستثن المنظمات الجزائر التي تستضيف وتدعم بوليساريو، حيث دعتها إلى تحمل مسؤولياتها الدولية “من أجل وقف استخدام الأطفال في الأعمال العسكرية، وتجنيدهم على أراضيها من طرف ميليشيات بوليساريو”.
ويرى خبراء في القانون الدولي أن هذه الجريمة في حق الأطفال يجب أن تدفع بمنظمات حماية حقوق الطفل إلى رفع قضايا أمام المؤسسات الدولية المعنية، إلى جانب آليات الأمم المتحدة، سواء اللجنة الأممية لحقوق الطفل أو لجان اتفاقيات حقوق الطفل، مشددين على أن الجزائر بدورها مسؤولة أمام القانون الدولي باعتبار الجريمة تقع فوق أراضيها وتحت سلطتها.
ودعت المنظمات الموقّعة على البيان “المنتظم الأممي الدولي وكافة الآليات التعاقدية وتلك المنشأة بموجب الميثاق، إلى التنديد علنا باستغلال الأطفال وإجبارهم على حمل السلاح من طرف بوليساريو، وضمان حماية خاصة للأطفال المجندين وغير المجندين الذين يعيشون بمخيمات تندوف على الأراضي الجزائرية”.
وكان عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى منظمة الأمم المتحدة، قد قال في وقت سابق إن “الجزائر ستتحمل مسؤوليتها أمام التاريخ وأمام المجتمع الدولي. وتجب مساءلتها في ما يتعلق بالتجنيد العسكري للأطفال في مخيمات تندوف”.
وأعرب عن إدانته لـ”الاستغلال والتدريب العسكري للأطفال من قبل بوليساريو فوق التراب الجزائري”، مضيفا أن “ما تقوم به الجزائر وبوليساريو بالغ الخطورة”.
ويصنف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد عام 1998 تجنيد الأطفال ضمن الأفعال اللا إنسانية، ويعتبره أيضا “جريمة حرب”، سواء كان التجنيد طوعيا أم إلزاميا.