بوتين ليس في أوروبا فقط: الناتو قلق من التواجد الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا
اردان ماجدة
يولي القادة الأميركيون والأوروبيون اهتماما متزايدا بالتحركات الروسية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتحالفها المتنامي مع الصين، لذلك يتحرك هؤلاء لوضع خطط تتصدى لطموحات موسكو في المنطقتين.
بيروت – يهيمن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا على اهتمام العالم. ولكن الكثيرين لا يدركون أنه يعمل كذلك على تعزيز الوجود الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو توسع يعتبره القادة العسكريون والمدنيون تهديدا آخر (وإن كان أقل خطورة) للأمن في الغرب.
وكانت استراتيجية بوتين في الشرق الأوسط وأفريقيا بسيطة وناجحة، حيث يسعى إلى إقامة تحالفات أمنية مع من أهملتهم الولايات المتحدة وأوروبا أو استبعدتهم، إما بسبب انتهاكاتهم الإنسانية أو بسبب مصالح الغرب الاستراتيجية الأهم.
وفي سوريا، عرض وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الشهر الماضي قاذفات نووية وصواريخ تفوق سرعة الصوت فوق البحر المتوسط، وهي جزء من شراكة أمنية، بينما يهدد الكرملين الآن بإرسال مقاتلين سوريين إلى أوكرانيا.
أما في السودان، فقد أجرى زعيم المجلس العسكري الذي استولى على السلطة تحالفا اقتصاديا جديدا مع الكرملين، مما أعاد إحياء أحلام روسيا بإنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر.
وفي مالي، تعد الحكومة الأحدث من بين أكثر من اثنتي عشرة دولة أفريقية غنية بالموارد أقامت تحالفات أمنية مع المرتزقة العاملين بأوامر الكرملين، وفقا لمسؤولين أميركيين.
ميناء البحر الأحمر يمكن أن يمنح موسكو دورا أكبر في البحر المتوسط والبحر الأسود، ويعزز وصولها إلى قناة السويس
وقال الجنرال الأميركي المتقاعد فيليب إم بريدلوف لوكالة أسوشيتد برس، إن ما رآه في السنوات الخمس أو الست الماضية هو أن روسيا أصبحت أكثر استكشافية، وتلقي بقوتها العسكرية على نطاق أوسع.
وقال بريدلوف، وهو القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي من 2013 حتى 2016، والذي يشغل الآن كرسيا متميزا في معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن، “تحاول روسيا إظهار نفسها كقوة عظمى، كما أنها تحتل موقعا بارزا في الشؤون العالمية بصفتها قوة دافعة للأوضاع الدولية”.
لكن مع مواجهة بوتين بالفعل مقاومة شرسة من جيش أوكراني أضعف بكثير، ينظر الخبراء إلى أهدافه التوسعية في الشرق الأوسط وأفريقيا على أنها تهديد محتمل بعيد المدى، وليس خطرا مباشرا على أوروبا أو حلف الناتو.
وقالت كريستينا كوش، الخبيرة الأمنية الأوروبية في مركز أبحاث صندوق مارشال الألماني، عن النفوذ الذي تكتسبه روسيا “إنه يهدد الناتو من أسفل. لقد شعر الروس بأن الناتو يحاصرهم وهم يريدون الآن تطويقه“.
وتوفر روسيا عسكريين تقليديين أو مرتزقة متحالفين مع الكرملين لحماية أنظمة القادة المنبوذين في الكثير من الأحيان، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وفي المقابل، يدفع هؤلاء القادة لروسيا بعدة طرق: مالا أو موارد طبيعية، والقدرة على التأثير في شؤونهم، وأرض انطلاق للمقاتلين الروس. وتساعد هذه التحالفات في دفع طموحات بوتين لإعادة نفوذ روسيا إلى حدود الحرب الباردة القديمة.
كما أن شراكات روسيا الأمنية الجديدة تساعدها دبلوماسيا. فعندما أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة غزو بوتين لأوكرانيا هذا الشهر، وقفت سوريا إلى جانب روسيا في التصويت وامتنعت العديد من الحكومات الأفريقية التي وقعت اتفاقيات أمنية مع المرتزقة الروس عن التصويت.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن روسيا ستجلب مجندين من سوريا للقتال في أوكرانيا. وكان يُنظر إلى التهديد في المقام الأول على أنه أسلوب ترهيب، ويقول المسؤولون الأميركيون إنه لا توجد علامة على وجود مجندين سوريين في أوكرانيا. كما يقول بعض الخبراء الأمنيين إن المرتزقة الروس ينطلقون من قاعدة في مالي للانتشار في أوكرانيا، لكن المسؤولين الأميركيين لم يؤكدوا صحّة هذه التقارير.
وبغض النظر عن المدى الذي يفصل الغرب عن التهديد، يولي القادة الأميركيون والأوروبيون اهتماما متزايدا بتحركات بوتين في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتحالف روسيا المتنامي مع الصين، وذلك بوضع خطط استباقية للعدوان في المستقبل.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك في منتصف فبراير إن الغرب لم يعد بإمكانه تجاهل المنافسة على النفوذ عبر أفريقيا، حيث تنفق الصين المليارات على مشاريع البنية التحتية لتأمين حقوق الموارد الطبيعية، وتوفر روسيا الأمن من خلال المرتزقة المتحالفين مع الكرملين.
وأضافت بربوك، بينما اجتمع الدبلوماسيون الغربيون حول الأزمة الأوكرانية في الأيام الأخيرة قبل الغزو الروسي، “إننا نرى وندرك أننا إذا انسحبنا من هذه المنافسة كديمقراطيات ليبرالية، فسيسد آخرون هذه الفجوات”.
ولعل أجرأ مثال على استعراض روسيا لنفوذها العالمي هو ذاك الذي تجسّد في إرسال وزير الدفاع سيرغي شويغو الشهر الماضي إلى دمشق، للإشراف على أكبر مناورات عسكرية روسية في البحر المتوسط منذ الحرب الباردة، بينما واصل الجيش الروسي الاستعدادات النهائية لهجومه على أوكرانيا.
وبدا أن التدريبات، التي شملت 15 سفينة حربية وحوالي 30 طائرة، مصممة على إظهار قدرة الجيش الروسي على تهديد مجموعة حاملة الطائرات الأميركية في البحر المتوسط.
كانت استراتيجية بوتين في الشرق الأوسط وأفريقيا بسيطة وناجحة، حيث يسعى إلى إقامة تحالفات أمنية مع من أهملتهم الولايات المتحدة وأوروبا أو استبعدتهم
وكانت قاعدة حميميم الجوية الروسية على ساحل البحر المتوسط بسوريا موقعها الرئيسي، لشن هجمات في البلاد العربية منذ سبتمبر 2015. وقد سمحت الهجمات الروسية في سوريا، التي دمرت مدنا قديمة وأرسلت الملايين من اللاجئين إلى أوروبا، لحكومة الرئيس بشار الأسد باستعادة السيطرة على معظم البلاد بعد حرب أهلية مدمرة.
وقال إبراهيم حميدي، الصحافي السوري والمحرر الدبلوماسي البارز في الشؤون السورية بصحيفة الشرق الأوسط ومقرها لندن، إن “قاعدة حميميم أصبحت جزءا لا يتجزأ من استراتيجية الدفاع الروسية، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في العالم ككل أيضا”.
كما كانت روسيا منفتحة على العمل مع القادة المعروفين بنهجهم المناهض للديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان في أفريقيا أيضا، حيث التقى مسؤولو الكرملين في موسكو بضابط في المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في السودان قُبيل الغزو الروسي لأوكرانيا. وردّ الجنرال محمد حمدان دقلو بحرارة على مبادرة روسيا لتحالف جديد يركز على الاقتصاد.
وأعلن الجنرال أن السودان سيكون منفتحا على السماح لروسيا ببناء قاعدتها البحرية، التي طال انتظارها في بورتسودان المطلة على البحر الأحمر.
وليس من المؤكد أن روسيا ستكون قادرة على الاستفادة من هذه الخطوة في أي وقت قريب، حيث يجهد غزو أوكرانيا مواردها العسكرية والمالية ويظهر نقاط ضعفها العسكرية، كما فرض عليها العقوبات الدولية الهادفة إلى شل اقتصادها.
ولكن ميناء البحر الأحمر يمكن أن يساعد على المدى الطويل في منح موسكو دورا أكبر في البحر المتوسط والبحر الأسود، ويعزز وصولها إلى قناة السويس وغيرها من ممرات الشحن عالية الحركة، ويسمح لها بإطلاق قوتها في بحر العرب والمحيط الهندي. وقال بريدلوف “من المؤكد أنهم يمكن أن يتسببوا في فوضى كافية لإحداث مشاكل”.
لكن تحالفات روسيا الموسعة لا تتعلق بجيشها التقليدي فقط، حيث زادت الأجهزة الأمنية للمرتزقة الروس من وجودها في جميع أنحاء العالم بمقدار سبعة أضعاف من 2015 إلى 2021، وشملت عملياتها 27 دولة اعتبارا من العام الماضي، وفقا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. كما برزت مجموعة فاغنر، التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مرتبطة بالجيش الروسي، لكن الكرملين ينفي وجودها.
وتمنح العقود الأمنية الممنوحة لمجموعة المرتزقة وغيرها لروسيا إمكانية الوصول إلى الموارد المعدنية، وأسس انطلاق لعمليات الانتشار ومواطئ قدم كبيرة تتحدى نفوذ الدول الغربية هناك.
وفي ما يخصّ مالي، أعربت الولايات المتحدة وأوروبا عن انزعاجهما في ديسمبر من التقارير التي تفيد بأن مجموعة فاغنر وقّعت عقدا أمنيا بقيمة 10 ملايين دولار شهريا مع تلك الحكومة. ويقول الخبراء إن مجموعة فاغنر استفادت من الاستياء المحلي من إخفاقات القوات الفرنسية التي استمرت لسنوات في جنوب الصحراء الكبرى أمام الفصائل المتطرفة.
ونفت مالي أي انتشار من هذا القبيل، لكن البعض في البلاد اعتبروا وصول الروس بمثابة انتقاد لفرنسا المستعمرة، والتي لم تنجح في حمايتهم من المتطرفين المسلحين. ويأملون في رؤية نتائج أفضل من وصول أي مقاتلين روس إلى منطقة جنوب الصحراء الكبرى. وصرخ رجل من وسط حشد يهتف على مرأى من وفد روسي في العاصمة في يناير “تعيش روسيا! يعيش شعب مالي!”.