تضاربت الروايات بشأن ضابط الصف الجزائري الفار محمد بن حليمة بين من يقولون إن الجزائر استلمته وتم تقديمه للقضاء للنظر في التهم المتابع بها، وبين من يؤكدون أن الرجل لا يزال قيد الاحتجاز في إسبانيا، وفي كلا الحالتين تكون السلطات الجزائرية قد حققت مكسبا جديدا، على اعتبار أن حتى الرواية الثانية ستفضي إلى تسليمه، ليكون بذلك ثالث عسكري تتم استعادته من الخارج، بعد الفرار من المؤسسة العسكرية والالتحاق بصفوف المعارضة السياسية.
ويعد العريف محمد بن حليمة واحدا من ضباط الصف الذين انشقوا عن المؤسسة العسكرية، وطلبوا اللجوء في دول أوروبية، حيث التحق في بداية الأمر بإسبانيا العام 2019، وظل هناك يشن حملة سياسية معارضة للسلطة على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم التحق بفرنسا، ثم البرتغال التي ألقت عليه القبض وأعادته إلى مدريد على اعتبار أنها أول بلد أوروبي يسافر إليه، وقد كان محل بحث من طرف السلطات الأمنية هناك.
وتداولت دوائر مقربة من السلطة صورا ومعلومات عن ترحيل العريف الفار، وتحدثت عن تقديمه للقضاء بالعاصمة للنظر في التهم الموجهة إليه، لكن محسوبين عن المعارضة جزموا ليل الثلاثاء على أن الرجل لا يزال رهن الاعتقال لدى السلطات الإسبانية.
محمد بن حليمة يعد ثالث عسكري يتم استلامه من طرف الجزائر في إطار حملة مفتوحة تجاه المعارضين في الخارج
ودأب منتسبون للمؤسسات الرسمية وعلى رأسها الجيش، على إماطة اللثام عما أسموه، بـ”ممارسات فساد لكبار ضباط وجنرالات الجيش”، وكشفوا عبر حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي عن “ملفات ووثائق تصنف في خانة السرية”، وعبّروا عن انخراطهم ودعمهم لمطالب الحراك الشعبي، الأمر الذي زاد من انزعاج السلطة تجاههم.
وكان العريف، الذي شغل منصب سائق لضابط سام في مقر وزارة الدفاع الجزائرية، قد هاجر إلى إسبانيا العام 2019، لكن تسليم مدريد لرفيقه الدركي محمد عبدالله للجزائر خلال الصائفة الماضية، اضطره إلى الفرار إلى فرنسا، وهناك ألقي عليه القبض ووضع تحت الرقابة القضائية، ليفر مجددا إلى البرتغال خلال الأسابيع الماضية، وهناك تم توقيفه ومن ثمة تسليمه للسلطات الإسبانية حيث كان محل بحث أمني، وتنتهي المغامرة بعد ثلاث سنوات من الانتقاد المتواصل للسلطة ولكبار مسؤولي المؤسسة العسكرية، ومن التشرد في المدن والعواصم الأوروبية.
ويعد محمد بن حليمة، ثالث عسكري يتم استلامه من طرف الجزائر، في إطار حملة مفتوحة تجاه المعارضين السياسيين في الخارج، من مختلف الفئات الاجتماعية، حيث أصدر القضاء المحلي مذكرات دولية لجلب العشرات من هؤلاء، كما تم استحداث قطب قضائي لمعالجة قضايا الإرهاب المتصل بإفرازات الحراك الشعبي.
وقد سبق لها استلام الدركي الفار محمد عبدالله خلال الصائفة الماضية من طرف السلطات الإسبانية، حيث كان يقيم هناك منذ عدة سنوات، وقد قدم طلبا للجوء السياسي إليها، كما استلمت المساعد قرميط بونويرة، الذي كان يوصف بـ”العلبة السوداء” لقائد الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، من السلطات التركية.
ويتابع هؤلاء بتهم ثقيلة تندرج في خانة الجنايات المتعلقة بالانخراط في الجماعات الإرهابية، والتخطيط لتفجير العنف والمساس بالوحدة والسلامة الوطنية، كما يتابعون لدى القضاء المدني والقضاء العسكري كونهم عسكريين سابقين كانوا يشغلون مناصب في المؤسسة، لما اختاروا الفرار إلى الخارج والانضمام إلى صفوف المعارضة السياسية.
وكانت الجزائر قد أصدرت خلال الأسابيع الماضية في جريدتها الرسمية، لائحة بأسماء التنظيمات والأشخاص الذين صنفوا في خانة الإرهاب، ويتعلق الأمر بعدد من الناشطين السياسيين والعسكريين الفارين، وحركتي “رشاد” و”استقلال القبائل”، الأمر الذي يترجم إصرار السلطة الجزائرية على محاصرة بؤر المعارضة بكل تصنيفاتها، خاصة تلك الناشطة في الخارج.
الحكومة الجزائرية تواجه العديد من المعوقات الدبلوماسية والقضائية في سبيل استعادة الضالعين في الفساد أو المعارضة
وتخوض الجزائر حملة دبلوماسية من أجل إبرام اتفاقيات تعاون قضائي ودبلوماسي مع بعض الحكومات الغربية والعربية، تستهدف جلب المطلوبين لديها سواء كانوا ضمن لائحة الفساد المالي والسياسي، أو ضمن الدوائر المعارضة لها، وكانت آخرها الاتفاقية المتوصل إليها مع كل من حكومتي لبنان والمملكة العربية السعودية، حيث يرجح أن يكون وزير الصناعة السابق عبدالسلام بوشوارب، المطلوب للقضاء المحلي، يتردد كثيرا على بيروت أو يقيم فيها.
ولا يزال عدد من الضباط السامين في حالة فرار، على غرار القائد السابق لجهاز الدرك الجنرال الغالي بلقصير، الذي يكون قد حصل على جنسية لإحدى الجزر التابعة للمملكة المتحدة، الأمر الذي يجعل مسألة استلام ضباط صغار غير مقنع للرأي العام، ولو أنه يحقق قدرة السلطة على ملاحقة معارضيها والمتمردين على مؤسساتها.
وتعترض جهود الحكومة الجزائرية العديد من المعوقات الدبلوماسية والقضائية، في سبيل استعادة الضالعين في الفساد أو المعارضة، بسبب التشريعات الناظمة في الدول التي يقيمون فيها، وباستثناء تركيا وإسبانيا اللتين أبدتا تجاوبا معها في هذا المجال، فإن حكومات أخرى لا تزال متحفظة على طلباتها، رغم العلاقات التي تربطها معها، كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا التي لم تسلم إلى حد الآن أي واحد من المطلوبين للجزائر.