قام رئيس الوزراء الموريتاني محمد ولد بلال مسعود بزيارة إلى المغرب في سياق الجهود الرامية إلى إعطاء نفس جديد للعلاقات بين الرباط ونواكشوط، حيث تم توقيع عدة اتفاقيات بشأن التجارة والاستثمار والصناعة والسياحة ما يبعث برسائل مفادها أن الاقتصاد والتجارة سيكونان مدخلا لتعزيز العلاقات المغربية – الموريتانية.
تعكس الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الموريتاني محمد ولد بلال مسعود إلى المغرب وتوقيع عدة اتفاقيات سعي نواكشوط والرباط لتعزيز العلاقات بينهما لمواكبة تغيّرات المعادلة الجيوسياسية في المنطقة.
ويُعد الاقتصاد والتجارة مدخلا أساسيا ترتكز عليه محاولات إعطاء العلاقات المغربية – الموريتانية نفسا جديدا بعد أن ترأس ولد بلال مسعود ورئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة بين الرباط ونواكشوط.
ويرى مراقبون أن هذه الزيارة تعكس سعي قيادتي البلدين لتطوير التنسيق الثنائي، حيث أكد محمد لكريني أستاذ العلاقات والقانون الدولي أن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الموريتاني إلى المغرب لتفعيل وإحياء اللجنة العليا المشتركة التي توقفت لتسع سنوات، هي فرصة لتجديد اللقاء مع الجانب الموريتاني الذي تجمعه بالمغرب عدة عوامل مشتركة إيجابية في المجالين الاقتصادي والتجاري والتي تغطي على نقاط الخلاف.
ووقع المغرب وموريتانيا عددا من الاتفاقيات الجمعة بمقر وزارة الخارجية تهم التجارة والاستثمار والصناعة والسياحة والإسكان والبيئة والتنمية المستدامة، وكذلك الأمن والصحة والثقافة والزراعة والصيد البحري إلى جانب مجال الإيداع والتدبير والتكوين المهني.
محمد لكريني: اجتماع اللجنة المغربية – الموريتانية مدخل لدعم المغرب
ونوه رئيس الحكومة المغربية بالدينامية الإيجابية التي أضحت تعرفها هذه العلاقات وما يكتنفها من رغبة متزايدة في تعزيز مساراتها وتطويرها لما فيه مصلحة البلدين، مع بلورة الأساليب الكفيلة بإرساء شراكات فاعلة لتحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانيات الاقتصادية بالبلدين.
ويأتي انعقاد اللجنة العليا المشتركة تعبيرا عن الإرادة التي تطبع العلاقات السياسية بين البلدين، والتي يؤكدها التنسيق وتشابه المواقف، حسبما يردد مسؤولو نواكشوط بأن الإرادة الاقتصادية ليست على مستوى الطموح السياسي الذي يوجد عليه البلدان اليوم.
وربط أخنوش بين المتغيرات الإقليمية والتحولات الدولية، بالاضافة إلى تحديات أمنية باتت تفرض نفسها على دول المنطقة، وهو ما يستوجب حسب المسؤول المغربي تكثيف التنسيق الأمني بين البلدين والتعاون في كافة المجالات المرتبطة بالتنمية من أجل مواجهة المخاطر التي تحدق بأمن المنطقة والمرتبطة بالهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر والمخدرات والإرهاب، باعتماد مقاربة شمولية تجمع بين البعدين الأمني والاجتماعي.
وفتح المغرب أبوابه للفاعلين الاقتصاديين والقطاع الخاص بالبلدين لتنشيط التعاون الاقتصادي عموما وتنمية التبادل التجاري بين البلدين للوصول إلى مشاريع استثمارية مشتركة تعود بالنفع على الجانبين، وإقامة مشاريع إنتاجية مربحة وشراكات ذات بعد استراتيجي تكون نموذجا للتعاون بين دول الجنوب.
وأكد مراقبون أن الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء الموريتاني إلى المغرب في ظل التحولات المتسارعة إقليميا ودوليا، تهدف إلى تحصين المكتسبات من أي تدخلات سلبية تضر بتطوير التعاون والتنسيق في مجال القضايا الاستراتيجية الثنائية على أعلى مستوى.
واعتبر هؤلاء أن المغرب وموريتانيا مطالبان بتشكيل حزام استراتيجي للتصدي لكل المخاطر الأمنية التي قد تعيق استقرار وأمن المنطقة، ولمنع كل مسببات قطيعة تامة في العلاقات الثنائية.
وتمر رغبة نواكشوط في توطيد علاقاتها مع الرباط من خلال إعطاء تلك الاتفاقيات حيزا أكبر لتنفيذها في أقرب وقت ممكن، وستكون تلك الاتفاقيات حسب رئيس الوزراء الموريتاني كفيلة بأن تدفع إلى الأمام الديناميكية التي يريدها لتعزيز التعاون الثنائي وتدعيم أسس السلم والأمن والاستقرار بالمنطقة.
وتعتبر قضية الصحراء المغربية تحدّيا واقعيا لمواقف نواكشوط رغم أن الأخيرة تقول إنها تحاول الحفاظ على علاقات متوازنة مع أطراف النزاع المغرب والجزائر وجبهة بوليساريو، ومع ذلك فإن المغرب لم يعد يقبل بالمواقف الضبابية في هذه القضية بالذات.
ولم تقبل الرباط محاولة نواكشوط سابقا عرض وساطتها بين المغرب وجبهة بوليساريو، كما لم تستسغ استقبال الرئيس الموريتاني لوفد عن الجبهة الانفصالية بالقصر الجمهوري، وهو ما اعتبره المغرب في حينه ضبابية في موقف جارته الجنوبية.
وبعدها قام وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد بزيارة إلى المغرب لتبديد أسباب الخلاف، مشددا على “صلابة” العلاقة بين البلدين، مع رغبة في تعزيز الطموح المتبادل لديهما لتعزيزها في مجال المبادلات التجارية والثقافية.
وأكد لكريني أنه “بعد اعترافات عديدة من دول تنتمي إلى قارات مختلفة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية منها الولايات المتحدة، يمكن اعتبار اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية – الموريتانية مدخلا مهما لدعم المغرب دبلوماسيا وسياسيا، ويمكن أن يخرج موريتانيا من حيادها تجاه ملف الصحراء المغربية، ومن جهة ثانية سيتناول هذا الاجتماع التحديات المشتركة بين البلدين أمنيا واجتماعيا خصوصا وأن العديد من القطاعات كانت حاضرة في هذا الاجتماع الذي يسعى لتوطيد العلاقات الثنائية بين هذين البلدين”.
وسجل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في وقت سابق أن هناك نقاشا بشكل يومي وتواصلا مستمرا بين الرباط ونواكشوط في سبيل التشاور السياسي والتنسيق في جميع القضايا الإقليمية والثنائية.
ويقول متابعون للشأن المغاربي إنه على المستوى الإقليمي يولي المغرب أهمية لموريتانيا في ما يتعلق بسياسته الخارجية، ويناسبه أن تتبنى نواكشوط موقف الحياد الإيجابي، والأهم بالنسبة إليه هو تضييق الخناق على جبهة بوليساريو إقليميا ودوليا وقاريا، لهذا فهو يتعاطى مع موقف نواكشوط بنوع من البراغماتية وتعميق أسس الشراكة والتعاون.