أحزاب جزائرية تستعد لكسر جدار الصمت السياسي المطبق على البلاد

بليدي

تعمل قوى حزبية جزائرية على كسر جدار الصمت الذي يخيم على البلاد في الآونة الأخيرة من خلال التحضير لعقد مؤتمرات تأمل من خلالها تحريك المياه الراكدة، بعد أن استعادت السلطة زمام المبادرة بواسطة إنهاء احتجاجات الحراك الشعبي وطي صفحة الاستحقاقات الانتخابية، مما أدخل الطبقة السياسية في حالة من العزلة والجمود أعطت الانطباع للشارع الجزائري بأنها تمر باستقالة غير معلنة.

ويتهيأ حزب العمال اليساري كما جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لعقد مؤتمرات تستهدف انتخاب قيادات جديدة أو التجديد للحالية، لكن القاسم المشترك بينها هو الظروف السياسية السائدة في البلاد، فالمؤتمرات المذكورة هي أبرز المحطات التي تعقب الحراك الشعبي وأربعة استحقاقات انتخابية نظمتها البلاد.

وسيلقي الوضع القائم بظلاله على مجريات ومخرجات المؤتمرات الحزبية، خاصة في ظل هيمنة السلطة على المشهد العام، وتصاعد الأصوات المنددة بما تصفه بـ”تراجع منسوب الحريات السياسية والإعلامية، وتوسع دائرة القمع والتضييق”، الأمر الذي بات يضرب المكسب الديمقراطي والتعددي في الصميم، ويطرح مسألة جدوى الأحزاب السياسية في ظل هذه التطورات.

حزب العمال يستعد كما جبهة القوى الاشتراكية وغيرهما لعقد مؤتمرات القاسم المشترك بينها هو الظروف السياسية للجزائر

وإذ تفاوتت مواقف وتوجهات الأحزاب المعنية بالمؤتمرات المنتظرة خلال الأسابيع القادمة، فإن معارضة السلطة تبقى القاسم المشترك بينها، وهو ما يطرح استفهامات جوهرية حول مصير فلسفتها السياسية في المستقبل، في ظل المكاسب التي حققتها السلطة منذ نهاية احتجاجات الحراك الشعبي وتنظيم أربعة مواعيد انتخابية، فهي أمام خيارين صعبين لا ثالث لهما، فإما الوفاء لمبادئها وانتظار المزيد من العزلة والتضييق، أو تقديم تنازلات ستكلفها آخر ما تبقى لها من شعبية لدى الشارع الجزائري.

وباستثناء التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي انخرط في مسار راديكالي معارض للسلطة حيث قاطع جميع الاستحقاقات الانتخابية التي نظمتها منذ نهاية العام 2019، فإن حزبي العمال وجبهة القوى الاشتراكية جاءت نتائجهما محدودة جدا ولا يمكن أن تكون مصدر إزعاج للسلطة، وهو ما يضع قياداتهما أمام ضرورة تقديم إجابات جريئة ومقنعة لقواعدهما حول خيارات المشاركة في تلك الاستحقاقات، بينما يكون التجمع أمام منعطف حساس كونه يتوجه إلى انتخاب قيادة جديدة للحزب بعد قرار الأمين العام محسن بلعباس عدم الترشح مجددا للمنصب، ولا يستبعد ظهور تيار داخل الحزب يدعو إلى تليين الخطاب والمواقف تجاه السلطة بقيادة جديدة أقل معارضة.

وسينظم حزب العمال اليساري الذي تقوده لويزة حنون مؤتمره الثامن يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين مارس الجاري بالعاصمة، وقدم الحزب طلبا لوزارة الداخلية والجماعات المحلية في انتظار الرد والموافقة على الطلب، كما بدأ الحزب التحضير لعقد مؤتمره الثامن خلال السداسي الأول من السنة الجارية، حسب ما قررته اللجنة المركزية للحزب، وذلك بعقد جمعيات عامة للمكاتب في الولايات التي سبقت موعد المؤتمر الذي سيكون بحضور 400 مندوب.

وأفادت تقارير محلية بأن “المؤتمر سيشهد تغييرا كبيرا في أعضاء اللجنة المركزية لحزب العمال، مع وجود توجه لتزكية الأمينة العامة لويزة حنون من أجل الاستمرار في قيادة الحزب وإحداث تغييرات في المكتب السياسي”، لتكون بذلك أعرق زعيمة سياسية في البلاد تقود الحزب منذ تأسيسه إلى غاية السنوات الخمس القادمة.

وفي يونيو المقبل يرتقب أن يعقد التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مؤتمره السادس بحضور أزيد من 800 مندوب يجري انتخابهم في جلسات للهيئات المحلية للحزب، وسيكون انتخاب قيادة جديدة خلفا للأمين العام محسن بلعباس في صدارة جدول الأعمال.

ويتواجد الأمين العام المذكور في وضع سياسي مقلق بعد وضعه تحت الرقابة القضائية مؤخرا بسبب “تشغيل مواطن مغربي دون ترخيص قضى في حادث عمل، وفتح مقار الحزب أمام أنشطة لا تتوافق مع التشريعات المنظمة للنشاط السياسي”.

قوى حزبية جزائرية تعمل على كسر جدار الصمت بعد أن استعادت السلطة زمام المبادرة وأنهت احتجاجات الحراك الشعبي

واعتبر الحزب أن ما يتعرض له أمينه العام من “مضايقات” ينطوي على نية لمعاقبته على مواقفه السياسية المناوئة للسلطة، واستدل على ذلك بكون “التضييق” طال حتى اللقاءات التي ينظمها مع ناشطين وسياسيين ومستقلين لدراسة الوضع السياسي في البلاد، في إشارة إلى الاجتماعات التي يكون تكتل البديل الديمقراطي قد عقدها في مقر الحزب بالعاصمة.

وطرحت مصادر محلية أسماء أربعة شخصيات للتنافس على خلافة محسن بلعباس وهم من كوادر الحزب في الظرف الراهن على غرار مراد بياتور، عثمان معزوز، فاطمة السادات ونسيم ياسع، وهي وجوه ألفها منتسبو الحزب والشارع الجزائري في مختلف المحطات والأنشطة، وتجتمع كلها في الطابع الراديكالي ودعم الحراك الشعبي.

ومن جهتها تتوجه جبهة القوى الاشتراكية إلى عقد مؤتمرها السادس شهر سبتمبر القادم على أمل وضع حد للهزات التي يعيشها الحزب وعدم الاستقرار في الهيئات القيادية، الأمر الذي أثر على مواقفه العريقة تجاه السلطة، وأبان عن عدة توجهات داخلية تعمل على تقريب المسافة بين الحزب والسلطة.

وتعتبر جبهة القوى الاشتراكية أعرق حزب سياسي في البلاد، حيث تأسس في مطلع الاستقلال من طرف عدة مناضلين تاريخيين على رأسهم الراحل حسين آيت أحمد، وظل يمارس نشاطه في السرية إلى غاية إقرار التعددية السياسية في البلاد العام 1989، لكن منذ رحيل مؤسسه دخل الحزب في حالة من عدم الاستقرار والتذبذب مما أدى إلى تراجع وعائه الشعبي وحضوره في المؤسسات المنتخبة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: