القاهرة.. خطوة للأمام نحو موسكو وأخرى للخلف مع واشنطن

حنان الفاتحي

قطع الاتصال الذي قام به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حالة المراوحة التي انتابت الموقف المصري بين معسكري الغرب بقيادة واشنطن وموسكو وأخرجت القاهرة من دائرة الحياد.

خطت القاهرة خطوة سياسية مهمة نحو موسكو بموجب الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وعادت مصر خطوة إلى الوراء مع الولايات المتحدة التي تحاول توفير حشد دولي كبير لدعمها سياسيا في مواجهة الأزمة المتشابكة مع روسيا.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الخميس “هناك دول عظيمة رفضت تطبيق نظام العقوبات الأحادية ضد بلادنا بينها الصين ومصر والهند”، وهو تأكيد جديد على أن القاهرة لا تريد التفريط في علاقتها بموسكو وحريصة على القرب منها.

وأوضح لافرورف في مؤتمر صحافي في مدينة أنطاليا التركية عقب لقائه نظيره الأوكراني دميترو كوليبا الخميس أن الغرب يتعاطى مع القضايا بازدواجية في المعايير، وموسكو لا تستخدم الغاز والنفط كسلاح بينما يحاول الغرب استخدام كييف لتقويض موسكو، وقال “لدينا الأسواق لتوزيع منتجاتنا في مجال الطاقة”.

وقطع اتصال السيسي مع بوتين الأربعاء حالة المراوحة التي انتابت الموقف المصري بين معسكري الغرب -بقيادة واشنطن- وموسكو، بعد أن عمدت القاهرة إلى تبني رؤية أقرب إلى الحياد.

الأجواء الدولية الملتبسة تسمح بدرجة من المرونة في التوجهات السياسية دون أن تتحول إلى انحيازات سافرة

وفي الوقت الذي لم تدن فيه مصر التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا أيدت قرار الأمم المتحدة الخاص بذلك، ثم ألحقت وزارة الخارجية ذلك ببيان رفضت فيه القاهرة فرض عقوبات اقتصادية على روسيا دون سند من القوانين الدولية، في تلميح ينطوي على معارضة للخطوات التي تنتهجها الولايات المتحدة وعدد من حلفائها.

ولا تعني إشادة لافروف واتصال السيسي أن مصر قررت التضحية تماما بالمعسكر الغربي، حيث تربطها بالعديد من دوله مصالح حيوية وتتلقى مساعدات جيدة من الولايات المتحدة منذ زمن يصعب عليها التفريط فيها، لكن قد تربح من تقاربها الظاهر مع موسكو في وقت تمر فيه أزمتها مع الغرب بلحظات عصيبة.

ويجيد المنهج المصري فنون التعامل بدبلوماسية مع اللحظات الحرجة حتى لو جرى استشفاف معالم انحياز حقيقي إلى موسكو من قبل القاهرة، فالأجواء الدولية الملتبسة تسمح بدرجة من المرونة في التوجهات السياسية دون أن تتحول إلى انحيازات سافرة.

وأكد السيسي في اتصاله مع بوتين ضرورة تغليب لغة الحوار ودعم بلاده لكافة المساعي الدبلوماسية التي من شأنها أن تسرّع تسوية الأزمة سياسياً للحد من تدهور الموقف والحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وأعرب عن استعداد القاهرة لتعزيز هذا التوجه عبر تحركاتها الحثيثة سواء ثنائياً أو بشكل متعدد الأطراف.

وينطوي الاتصال الهاتفي على معان تشي بأن موسكو متفهمة للتصويت المصري لصالح أوكرانيا في الأمم المتحدة أخيرا، وأن الضغوط التي مارستها الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبي من خلال بيان سفرائهما في القاهرة الأسبوع الماضي ليست لها أصداء في التصورات المصرية والشراكات وعلاقات التعاون مع روسيا.

وشهدت العلاقات بين القاهرة وموسكو تطورات كبيرة في السنوات الماضية على المستويين العسكري والاقتصادي وحدثت تفاهمات في ملفات عدة أزالت جوانب من الشوائب التي تراكمت عقب تفجير طائرة روسية فوق صحراء سيناء منذ سبعة أعوام.

وأوضح المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي في بيان له أن الاتصال بين السيسي وبوتين بحث سبل تعزيز مختلف أطر التعاون الاستراتيجية بين البلدين الصديقين من خلال المشاريع التنموية المشتركة بينهما.

وتتضمن المفردات التي صيغ بها البيان المصري بعناية الكثير من المعاني التي تؤكد عدم التفريط في العلاقات مع موسكو والحرص على تطويرها على الرغم من كل الملامح الغامضة التي تخيم على الموقف الغربي تجاه روسيا والدول القريبة منها.

وأشار البيان إلى متانة علاقات التعاون التاريخية والراسخة بين مصر وروسيا في مختلف المجالات، إلى جانب علاقات الصداقة بينهما على المستويين الرسمي والشعبي.

ويمكن أن تحول مصر الأزمة الأوكرانية إلى فرصة لتحقيق أعلى استفادة مع روسيا وتحريك ملفات عالقة شهدت تباينا في أوقات سابقة، وتوصيل رسائل إلى الولايات المتحدة تفيد بأن الآلية السياسية التي تتعامل بها والضغوط التي تمارسها في ملف حقوق الإنسان والتساهل مع قوى معارضة سوف يؤثر على علاقتها بالكثير من حلفائها في المنطقة.

واستشعر الرئيس المصري أن الارتباك الذي يخيم على الموقف الأميركي من الأزمة وعدم استبعاد اتساع الهوة مع عواصم أوروبية قد يجعلان كسب واشنطن للمعركة استراتيجيا محل شكوك، وأن الاصطفاف في جبهة أقرب إلى موسكو أكثر فائدة.

ويجد النظام المصري ارتياحا في التعامل مع القيادة الروسية ويتقاسم معها معطيات سياسية واقتصادية وعسكرية عديدة ومن مصلحته ألا يتم كسرها على أعتاب أوكرانيا.

وتراقب القاهرة تداعيات الأزمة على خارطة المنطقة التي باتت مفككة منذ ثورات الربيع العربي، وهو ما أدى إلى حصول بعض القوى الإقليمية على عناصر تفوّق جاءت على حساب الأمن القومي المصري وضاعفت تحدياته.

ويقول متابعون إن مصر تراهن على ضبط الكثير من موازين دورها الذي تقلص في المنطقة، وذلك بموجب النتائج الإيجابية التي ستتمخض عنها الأزمة في أوكرانيا، وإن تجاربها المتعددة مع الولايات المتحدة تدعو إلى التشكك في نواياها.

ويضيف المراقبون أن التجارب التاريخية مع موسكو التي ألمح إليها البيان الرئاسي أكثر صدقا من واشنطن، وهو ما يجعل هناك أفضلية في الانحياز إليها إذا وصل الموقف إلى فرز في الخيارات ورسم للمواقف على خرائط سياسية عملية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: