محمد صديقي تكنوقراطي مغربي يدوّر الملفات ببراعة السياسيين

ماموني

لم يكن محمد صديقي بعيدا عن كواليس صناعة القرارات ذات الطابع الاستراتيجي في المجال الزراعي بالمغرب لعقد من الزمن تقريبا، حينما تقلّد منصب الكاتب العام لوزارة الزراعة في العام 2013، قبل أن يحمل حقيبة الزراعة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وهي مهمة ثقيلة أمام التحديات التي يواجهها المغرب من جفاف دوري ومتغيّرات دولية، وتقاطع مسؤوليات وزارته مع قطاعات أخرى لتحقيق السيادة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي، فصديقي الذي كان يرتب قراراته وأفكاره في الكواليس أصبح الآن في الواجهة.

سيرتبط اسم صديقي بكونه وزير الزراعة المغربي الذي كتب له أن يساهم من موقعه في مواجهة الجفاف وتحقيق الأمن الغذائي والمائي من تحت عباءة عزيز أخنوش الذي كان رئيسه في وزارة الفلاحة سابقا والآن كرئيس للحكومة، وسط استنفاد الفرشاة المائية حتى في المناطق التي يجب المحافظة عليها بمواجهة اختيارات أصحاب المزارع الكبرى في نوع ونطاق الزراعات. فهل سيتسمر على نهج سلفه أم ستكون له بصمته في تدبير قطاع يعتبر حيويا عند المغاربة ويدخل في نطاقات الأمن القومي؟

صديقي ذو الرابعة والستين عاما يميل إلى التكنوقراطي أكثر منه رجل سياسة، فهو الأكاديمي الحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الزراعية من جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة. ترقّى في عدد من المهام الأكاديمية كأستاذ باحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، ثم مديرا للبحث العلمي ودراسات الدكتوراه مكلفا بمديرية الشؤون الإدارية، ما يجعل منه إداريا بامتياز حتى بعد أن تم صبغ اختياره باللون الأزرق لحزب التجمع الوطني للأحرار.

المنظومة الغذائية تحتل مكانة بارزة في استراتيجية “الجيل الأخضر” التي ستشمل السنوات العشر المقبلة، بعد أن حظيت بعناية كبيرة في مخطط “المغرب الأخضر” للفترة السابقة

انسجام أخنوش وصديقي واضح وجلي، فالأخير يناضل في سبيل إعادة انتخاب رئيسه في الحزب والحكومة مرة أخرى على رأس تنظيمه السياسي التجمع الوطني للأحرار، ويدافع عن منجزاته داخل الوزارة والحكومة ويرّوج لتلك المنجزات بمباركة أخنوش نفسه. ولهذا يعلن أن إنجاح المؤتمر الوطني لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي ينعقد في مارس الجاري، نجاحٌ للكل مع ضمان التعبئة الشاملة لجميع المناضلين التجمعيين. ومن موقعه الحالي عضوا في المكتب السياسي لحزب الأحرار، ووزيرا للفلاحة يشرف صديقي على العديد من المشاريع التي أطلقتها الوزارة عندما كان يتقلد منصب الكاتب العام فيها، وعينه على تحقيق الأولوية للاقتصاد الزراعي ورفع مردوديته داخل الأسواق المحلية والدولية، وتمكين المزارعين والرعاة والصيادين من المساهمة في إنتاج الغذاء على أساس الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

نظرا لتداخل الأكاديمي والسياسي في شخصية صديقي، فقد تم تنصيبه رئيسا لشبكة الأساتذة الجامعيين لحزبه، والتي تضم الأساتذة الجامعيين المنخرطين في الحزب بالجامعات المغربية والمؤسسات العليا بغرض تكوين الأطر، ومراكز ومعاهد البحث، علاوة على المتواجدين في جامعات الدول الأجنبية، لمواكبة الحزب شتى المجالات من خلال الدراسات والأبحاث التي يتم إنجازها بالتنسيق والشراكة مع هياكله.

وتنصيب صديقي على رأس هذه الشبكة حدث سياسي بالدرجة الأولى، وذلك للاستفادة من فئة الأساتذة الجامعيين لتبوء الحزب مكانة ودور جوهري داخل المجتمع وإعطائه نفسا وقدرة على المساهمة في النهوض بمختلف القطاعات والمجالات وتقوية تواجده في المشهد السياسي، كما كان عليه الحال بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي الذي كان للجامعة والمعاهد دور في تطعيمه بالكفاءات العلمية والفكرية.

تحديات الأمن الغذائي

● تركيز صديقي ينصب على تحقيق الأولوية للاقتصاد الزراعي ورفع مردوديته داخل الأسواق المحلية والدولية

تأمين المخزون الغذائي والطاقي باتا اليوم أولوية قصوى لدى الحكومة المغربية ومن مسؤوليات وزارة الزراعة والصيد البحري، بالمطالبة بتسريع إنجاز مشاريع فلاحية حتى تتمكن من تأمين الطلب الداخلي، إلى جانب جلب استثمارات ودعم للنهوض بالقطاع بشكل يتلاءم مع التحديات المتناسلة بالاستفادة من علاقاته داخل مجلس محافظي الصندوق الدولي للتنمية الفلاحية، العضو فيه.

إذا كانت السيادة الغذائية حق الشعوب والمجتمعات المحلية والبلدان في تحديد سياساتها الخاصة بالزراعة والعمالة الزراعية وصيد الأسماك والغذاء والأراضي بطريقة ملائمة بيئيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا لظروفها، فإن موضوع المنظومة الغذائية يظل في قلب الاستراتيجية التنموية الزراعية المغربية المدعومة بمخطط المغرب الأخضر (2008-2021)، ثم حاليا استراتيجية “الجيل الأخضر”، التي ستشمل السنوات العشر المقبلة. ومن خلفيته كمنفذ ومشارك في هذه الاستراتيجية، يرى صديقي أن الهدف مركزي ويشمل الأمن والسيادة الغذائية، وكذلك مسألة المخزونات الاستراتيجية كرافعة تتيح تحقيق الأمن الغذائي ضمن منظومة شاملة للأمن الغذائي.

الجفاف هذه السنة يشكل تحدّيا كبيرا أمام صديقي، فالسدود تعاني من نقص حاد في حمولتها إلى جانب نقص كبير في المياه الجوفية، وشح الأمطار أثّر بشكل متباين على النشاط الزراعي

باتخاذ السيادة الغذائية كبديل ممكن لمواجهة عطب النظام الغذائي المهيمن حاليا والقائم على سياسات الأمن الغذائي وتحكُم الشركات والإنتاج الزراعي الرأسمالي، ينهج المغرب في عهد هذا الوزير الجديد، الذي يشغل رئيس المركز الدولي للدراسات الزراعية المتوسطية المتقدمة، استراتيجية “الجيل الأخضر” لمواصلة تشكيل هذه السيادة، نظرا إلى تناغم الإنتاج الوطني مع الإمكانيات التي توفرها الجهات والمناطق المغربية.

وفي سياق دولي يتسم بالتزام الجميع من أجل تغير مناخي يتميز بالكفاءة والجودة في النظم الغذائية بهدف تحقيق الأمن الغذائي، يستدعي صديقي خبرته في مجال التعاون والتنمية والشراكات على الصعيدين الوطني والدولي، ليجيب مهنيي هذا القطاع الحيوي بأن المغرب في ما يتعلق بالإنتاج، عمل على تحسين الوضع وسيتركز العمل والجهد من الآن فصاعدا على أساس القطاعات من حيث التثمين والتحويل الصناعي، قصد التمكن من تنظيم التخزين وإعداد المخزونات الاستراتيجية.

وترتبط السيادة الغذائية بمخزون الأسماك التي يعتمد عليها المغرب في إنتاج الثروة وتحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير، ولهذا فالوزير مطالب بالتعامل مع هذا الأمر من هذا المنطلق، وهو الذي يعرف خلفيات الاتفاقيات المبرمة مع دول الاتحاد الأوروبي وبشكل خاص الإسبانية منها، فأسطول هذه الأخيرة يتهم بتدمير المخزون السمكي من خلال استعماله وسائل صيد ممنوعة دوليا تهدد الأحياء المائية والثروات البحرية التي تعتبر أساس السيادة والأمن الغذائي الوطني.

سياسة الاطمئنان

 اسم صديقي يرتبط باسم أخنوش الذي كان رئيسه في وزارة الفلاحة سابقاً ويلعب الدور ذاته الآن كرئيس للحكومة

وتفاعلا مع تخوفات العديد من الفعاليات المجتمعية والسياسية والحقوقية والمهنية، من الإساءة إلى الاحتياطات السمكية في المغرب، هناك سياسة اطمئنان يحاول صديقي ترسيخها، باستخدام التقنيات الحديثة لتحديد المواقع الجغرافية لمراقبة استغلال الثروات البحرية من طرف قوارب وسفن الصيد البحري  الساحلي، وأسطول الصيد في أعالي البحار أصبح مجهزا بتقنيات متطورة، فضلا عن استعمال برنامج معلوماتي للتعرف على طبيعة الصيد الذي تجمعه كل من هذه السفن، وذلك لمحاربة الصيد العشوائي وغير القانوني.

ويشكل موضوع الجفاف بسبب غياب الأمطار هذه السنة تحديا كبيرا لصديقي، فالسدود تعاني من نقص حاد في حمولتها إلى جانب نقص كبير في المياه الجوفية، وشح الأمطار أثّر بشكل متباين على النشاط الزراعي، حيث تعاني السدود الموجهة لسقي الأراضي من تناقص كبير في مخزونها المائي، لهذا دشن الوزير مع بداية شهر مارس الجاري، تفعيل بنود البرنامج الاستثنائي للتخفيف من آثار نقص التساقطات المطرية على الصعيد الوطني يبدأ من الجهات المتضررة، الذي وضعته الحكومة تنفيذا للتعليمات الملكية للتخفيف من آثار نقص التساقطات المطرية على النشاط الزراعي وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين.

هناك الكثير من الآراء المهتمة بالزراعة تحمّل لهذا الوزير نصيبه من استراتيجيات زراعية لم تول اهتماما كبيرا بسلبيات بعض الزراعات التي تستهلك الكثير من المياه الجوفية أثرت في الفرشاة المائية بشكل سلبي، وهي انتقادات طالت اختيارات وزارة الزراعة التي ركزت على الزراعات التصديرية وأهملت بشكل ملموس العناية بالقمح والقطاني، باعتبارهما مواد أساسية ضمن السلة الغذائية للمغاربة، ما اضطر الدولة إلى الاستيراد لتحقيق الأمن الغذائي.

ما هي الاستراتيجية التي سيتبعها صديقي بعد تحذير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب من أن أربعة أخماس موارد البلاد من المياه قد تختفي على مدار 25 عاما مقبلة، بما تمثله من مخاطر على السلم الاجتماعي بسبب شح المياه؟، فسياسة الأشجار المثمرة والزراعات الاستوائية التي تتطلب مياها جوفية كثيرة، أزّمت الوضع المائي في المغرب، واعتماد تلك الزراعات على السقي اليومي، بطريقة “قطرة قطرة”، والضخ المائي من مياه البحيرات الصناعية داخل المزارع الفلاحية، ونضبت الآبار الجوفية، كما حوّلت بعض مسارات الوديان نحو مزارع تستهلك المياه بشكل كبير دون ترشيد أو عقلانية، بعدما اختارت المزارع المتطورة ذات الغطاء البلاستيكي للخضر والفواكه، نشاط التصدير، سواء على مستوى الخضر من طماطم أو الفواكه من الأفوكادو والتوت الأرضي ونحو ذلك بغرض التصدير، وتم إغفال المادة الأساسية التي تكوّن العصب الرئيسي للأمن الغذائي في المغرب ألا وهي الحبوب والقطن.

مهمة صديقي تبدو ثقيلة وحساسة في ظل التحديات التي يواجهها المغرب من جفاف دوري ومتغيرات عالمية، إضافة إلى تقاطع مسؤوليات وزارته مع قطاعات أخرى

استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030 يقول عنها صديقي إنها ستحقق ما عجز عنه المشروع الأول السابق عليها، وستعتمد على العلم والابتكار من أجل زراعة فعالة ومستدامة، مما سيمكن من رفع الإنتاجية مع الحفاظ على الموارد، ولاسيما من خلال ترشيد استعمال المياه والمدخلات ودعم المزارع الكبرى دون تناسي الفلاح الصغير.

وإذا كان صديقي يرى أن تشجيع وجذب الشباب للاستثمار في الأنشطة الزراعية والمجال القروي ليس مجرد وسيلة للإدماج المهني في سوق العمل، بل هو محور جوهري في صلب استراتيجية الجيل الأخضر كمخطط جديد ومتين ومندمج ومتكامل لتنفيذ السياسية الزراعية للمغرب، فإنه يعي جيدا تحديات وصعوبة الدخول في مسألة العقار الفلاحي، وصعوبة الحصول على التمويل البنكي، وضعف المواكبة على مستوى الإرشاد والتوجيه قبل إنشاء المقاولات وبعدها، وبطء الإجراءات الإدارية مما يطيل فترة إنجاز المشاريع، ناهيك عن النقص الحاصل في مهارات التسيير لدى حاملي المشاريع بسبب ضعف التكوين.

ويردّ مهنيون بأن المواكبة هي الأساس والأهم، فمتابعة الدولة موجودة والأموال موجودة والإرادة موجودة، لكن يبقى المطلوب هو نجاح الشاب المقاول، وذلك يتحقق من خلال العمل بشكل جماعي، وجعل نجاح المقاول في العالم القروي واستدامة مقاولته من أولى الأولويات.

وإلى جانب الزراعة، يشرف صديقي على قطاع الصيد البحري الذي يعتمد عليه الاقتصاد الوطني لإنتاج الثروة وتشغيل نسبة مهمة من اليد العاملة، والقطاعان معا يواجهان تحديات مرتبطة أساسا بالاستغلال المكثف والمفرط للموارد البحرية، وهو أمر يعود أساسا إلى السياسات المتبعة في تدبير هذه الموارد، والتي لم تنجح في التوفيق بين القدرات الذاتية وإمكانيات توفير المخزون.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: