العاملات في القطاع الزراعي بالمغرب: دور مهم لا يحسّن وضعهن الاجتماعي الهش

ماموني

يشكل قطاع الزراعة بالمغرب حاضنا مهما للعنصر النسائي، حيث أن مشاركة النساء العاملات في هذا القطاع ومساهمتهن في التنمية الزراعية وأهميتهن في الأمن الغذائي أصبحت بارزة عكس ما كان عليه الوضع في ثمانينات القرن الماضي. لكن هذا الدور لا ينعكس على وضعهن الاجتماعي والمالي إلى جانب ظروف العمل غير الآمنة، منها وسائل النقل الرديئة، فضلاً عن عدم المساواة في الأجور إذ يتقاضين أجرا أقل من الحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، كما تعمل الكثيرات منهن دون عقود أو ضمان اجتماعي ما يؤثر سلبا على استقرارهن الأسري.

وفي إطار إنجاح مخطط الجيل الأخضر ورهانات التنمية القروية والعدالة المجالية، قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان المغربي إن الحكومة عازمة من خلال سياسات مندمجة على تعزيز الإدماج الفعال للمرأة القروية في النسيج الاجتماعي والاقتصادي، مع محاربة الأمية في صفوف النساء في العالم القروي بغض النظر عن سنهن، وهو سيرفع من أدائهن في التنمية الزراعية.

وشدد رئيس الحكومة على تعزيز آليات إدماج المرأة القروية في السياسات العمومية لاسيما فيما يتعلق بتطبيق الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي وتطوير برنامج “مغرب التمكين” من أجل المزيد من تعزيز الإدماج الاجتماعي والاستدامة للنساء القرويات.

الكثير من العاملات في القطاع الزراعي يعملن دون عقود أو ضمان اجتماعي ما يؤثر سلبا على استقرارهن الأسري

وأكدت وفاء كيرات، عضو الجمعية الجهوية للمرأة الفَلّاحة بالجهة الشرقية، أن معظم النساء العاملات في القطاع الزراعي أميات وفئة قليلة  منهن زاولت تعليمها الابتدائي، ومعظمهن في وضعية هشة قبل الزواج وحتى بعده، فهن يحاولن كسب قوت عائلاتهن باعتبارهن مداومات في الضيعات لجلب المال ومساعدة أزواجهن على مواجهة قسوة الحياة، “ومن خلال تجربتي فإن أغلب النساء لديهن ظروف خاصة، فإما مطلقات أو يتعرضن للضرب لأن أزواجهن يطمعون في أجورهن”.

وأوضحت وفاء كيرات، أن “كل هذه الظروف البائسة تساهم في تكوين شخصية هشة وحالات نفسية متدهورة، بالإضافة إلى الدخل الضئيل وظروف العمل القاسية التي يعملن فيها، ناهيك عن وسائل النقل الرديئة التي لا تراعي أدنى معايير السلامة الصحية مما يعرضهن لحوادث الشغل. كما أن المرأة القروية تعاني كل يوم من أجل جلب الماء والحطب وأكبر دليل على ذلك معاناة نساء الأطلس من قسوة الطقس وقلة الموارد المائية”.

وكتفاعل مع وضعية المرأة المشتغلة في القطاع الزراعي، أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش أنه لم يعد مسموحا به أن ترتبط صورة المرأة القروية بالأمية وزواج القاصرات والحرمان من حقوقها في التعليم والصحة والعيش وسط التهميش والإقصاء والعمل الشاق في السهول والجبال وبين الحقول والبيت وتربية الأبناء، مشددا على أن هذا الوضع يجب أن ينتهي من خلال انتهاج سياسات عمومية قادرة على إدماج المرأة القروية في النسيج الاقتصادي والاجتماعي وتجعلها عنصرا فاعلا في صناعة القرار الترابي.

وفي آخر دراسة نشرتها المجلة العلمية “بدائل قروية” أكدت أن مشاركة المرأة في العمل الزراعي المأجور أصبحت مهمة عكس ما كان عليه الوضع في ثمانينات القرن الماضي، وتمثل اليد العاملة المهيمنة في القطاع الزراعي في المغرب، لكنها تعيش وضعا مهنيا هشا.

وأوردت الدراسة، التي أعدتها الباحثة ليزا بوسنبرويك من جامعة كوبلنز لانداو بألمانيا وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، أن الوضع المهني لهؤلاء النساء غالبا ما يكون هشا، حيث تعمل الكثيرات منهن دون عقود أو ضمان اجتماعي.

ويستقطب قطاع الزراعة عددا مهما من العاملات في سن مبكرة بأجر زهيد ولمدة زمنية تفوق الساعات المحددة قانونيا، كما يتم نقلهن إلى مواقع العمل في ظروف تحط من كرامتهن، علاوة على تشغيلهن أحيانا بشكل سري.

وأشارت الدراسة إلى أن “العاملات يساهمن في التنمية الزراعية، ومع ذلك فهن غير مرئيات في السياسات العمومية وفي النقاش حول الدينامية الزراعية. كما أنهن يترددن في التعريف بأنفسهن كعاملات زراعيات، ويفضلن عدم الكشف عن هويتهن، مع ما يواجهنه بشكل يومي من مشاكل مثل انعدام الأمن في النقل، مع وجود تمييز بين النساء والرجال في الأجور”.

وسجلت دراسة قانونية لمنتدى الزهراء للمرأة المغربية عن “حقوق المرأة العاملة بين المقتضى القانوني الوطني ومعايير العمل الدولي” وقوع أخطر الانتهاكات لحقوق المرأة العاملة في مجال الزراعة، موضحة أن الحماية القانونية المخولة للمرأة الأجيرة في القطاعات غير الزراعية تفوق بكثير ما هو مخول لقرينتها التي تشتغل في الزراعة من حيث الأجر.

ولاحظت الدراسة أن القطاع الزراعي لا يحترم الحد الأدنى القانوني للأجر كما جاء في تصريحات بعض الأجيرات في هذا القطاع، موضحة أن النساء العاملات في هذا المجال يتقاضين أجرا أقل من الحد الأدنى للأجر بالرغم من قيامهن بأعمال شاقة.

مشاركة النساء

وتساءلت وفاء كيرات “مع تهميش المرأة القروية أو المشتغلة في المزارع، فهي محرومة من أبسط ظروف الحياة الكريمة، هل ستجد وقتا كافيا لتربية أولادها ومنحهم الحنان الذي حرمت منه؟”، موردة أن المرأة القروية التي أعطيت لها حقوقها كاملة هي من ركائز البيت الأسري الصحي والقوي، ومحاربة الأمية نوعا ما ستقوي شخصيتهن ومن ثمة يعرفن كيف يدافعن عن حقوقهن المسلوبة.

وتؤكد معطيات الدراسة التي نشرتها المجلة العلمية “بدائل قروية” أن “العمل يساهم في تغيير الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة في العالم القروي، حيث يضمن لها القطع مع التبعية الاقتصادية تجاه أقاربها الذكور؛ وذلك على الرغم من القيود والمعايير الاجتماعية والثقافية التي لا تنظر بشكل جيد إلى عمل المرأة خارج البيت”.

ولاحظت صاحبة الدراسة ليزا بوسنبرويك أن “الآراء متباينة حول الوضع المهني للنساء الزراعيات؛ فهناك نساء يرغبن في الاشتغال في ضيعات زراعية كبيرة بعقود طويلة الأجل وضمان اجتماعي. وهناك فئة أخرى تفضل العمل من خلال ‘الموقف’؛ لأن ذلك يتيح في أوقات الذروة المفاوضة حول الأجر اليومي ليصل إلى 250 درهما في اليوم، إضافة إلى تلقي الأجر في اليوم مباشرة بعد انتهاء العمل”.

وأكدت دراسة للبنك الدولي، صادرة في ديسمبر الماضي، أن المغرب لم ينتفع بعد من مشاركة الإناث في القوى العاملة، وتشير الفجوة المستمرة بين الرجال والنساء إلى الافتقار إلى فرص شغل جديدة كافية في المدن لتعويض أثر فقدان تلك الفرص في الريف.

وأوصت المجلة العلمية “بدائل قروية” بضمان تطبيق الحد الأدنى للأجر في القطاع الزراعي، خاصة أن هذا التمييز يؤثر على الفئات الأكثر ضعفا؛ مثل المسنات والأرامل. واقترحت إحداث جمعيات أو حتى نقابات داخل “الموقف” لتوفير الحماية للمرأة؛ وذلك من خلال الاستماع إليها وتقديم الدعم لها في حالات الخلافات أو النزاعات في العمل.

وفي هذا الإطار أكدت كيرات أن جهة بركان تعرف غيابا للتعاونيات الزراعية وخاصة على مستوى ممثلي المزارعين للدفاع عن مطالبهم، فالجمعية الجهوية للمرأة الفلّاحة بالجهة الشرقية تعد الوحيدة وقد تم إنشاؤها سنة 2014 من أجل الدفاع عن حقوق المرأة القروية المتضررة، خاصة التي تعمل في إنتاج الحوامض، وأن “التهميش الذي تعاني منه المرأة القروية بالجهة دفعنا إلى خلق هذه الجمعية من أجل دعم هذه الفئة وتشجيعها”.

وقد أوصى منتدى الزهراء للمرأة المغربية بإنصاف هذه الفئة إلى جانب فئات أخرى، داعيا إلى التنصيص الصريح على منع التشغيل الليلي للنساء الحوامل والمرضعات، مع رفع التمييز بين العاملات المرضعات بتمكينهن من حقهن في توفير قاعة للرضاعة داخل المقاولة بغض النظر عن عدد الأجيرات، مع زيادة المدة المخصصة للاستفادة من رخصة الرضاعة من سنة إلى سنتين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: