بعث عدم تصويت المغرب على قرار يدين تدخل روسيا في أوكرانيا برسائل مفادها أن الرباط اختارت نهج الحياد الإيجابي في موقفها من قرار الجمعية العامة بخصوص الحرب الدائرة بين موسكو وكييف، حيث أنها تدعم الوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مع تشبثها بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات بين الدول، وتشجيعها لجميع المبادرات والإجراءات التي تسهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات.
وحفاظا على مسافة واحدة مع كل من روسيا وأوكرانيا لم يصوت المغرب على قرار أممي يدين حرب موسكو ضد كييف، متخذا موقفا يتماشى مع مبادئ الشرعية الدولية هو نتيجة لسياسة تنويع الشركاء التي ينتهجها المغرب والتي تضعه في موقع جيوسياسي حساس حفاظا على المصالح السياسية والدبلوماسية والاقتصادية المكتسبة دون التفريط في عقيدة السياسة الخارجية المبنية على قاعدتي احترام السيادة وعدم استعمال العنف لتسوية النزاعات.
وقال نبيل الأندلوسي الباحث في العلاقات الدولية إن “المملكة المغربية عبرت بكل وضوح عن تشبثها القوي باحترام الوحدة الترابية والسيادة والوحدة الوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مع تأكيد مقاربة تسوية الخلافات بالوسائل السلمية، واحترام مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي للحفاظ على الأمن والسلم العالميين، وحرصها على تشجيع عدم اللجوء إلى القوة لتسوية الخلافات بين الدول”.
نبيل الأندلوسي: المغرب يتريث في التموقع في هذه الظرفية الحساسة
وأضاف الأندلوسي في تصريح له أن “هذا التصويت دليل على وضوح الموقف الدبلوماسي والسيادي للمملكة المغربية مما يقع اليوم في أوكرانيا، وهو توجه راسخ ومبدئي للخارجية المغربية التي تسعى دائما للانتصار للمبادئ المؤسسة للقانون الدولي واحترام مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة ورفض أي مساس بالوحدة الترابية للدول”.
ووضعت الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا عدة دول تحت وطأة ضغط حاد، إذا أنها باتت مدعوة إلى الاختيار بين موسكو والعواصم الغربية، لكن المغرب يسعى لموازنة مواقفه للحفاظ على مصالحه مع التشبث بالحلول السلمية للأزمات.
وفسرت وزارة الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج عدم مشاركة المملكة المغربية في التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص الوضع بين أوكرانيا وروسيا الذي جرى الأربعاء الماضي، بأنه لا يمكن أن يكون موضوع أي تأويل بشأن موقفها المبدئي المتعلق بالوضع بين روسيا الفيدرالية وأوكرانيا.
وعبرت وزارة الخارجية المغربية عن دعمها للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعدم استخدام القوة لتسوية الخلافات بين الدول، أي أن المغرب يتخذ موقفه انطلاقا من الشرعية الدولية وأيضا بناء على حماية مصالحه السيادية.
وأشار الأندلوسي إلى تريث المغرب في التموقع في هذه الظرفية الحساسة التي تمر بها الساحة الدولية، خاصة وأن طرفي النزاع في حقيقة الأمر هما روسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، مما يجعل أي قرار يتخذ في هذا الشأن بالغ الحساسية والتعقيد وستكون له تبعات، خاصة وأن إرهاصات نظام عالمي جديد بدأت تتضح، وأن المغرب يحاول منذ فترة أن يثبت أنه دولة مستقلة في علاقاتها الدولية، ويسعى لتنويع شركائه.
ويزن المغرب علاقاته مع روسيا جيدا نظرا إلى مواقفها من ملف الصحراء والتي تعبر عنها في الغالب بالامتناع عن التصويت بوصفها عضوا دائما ومؤثرا في الأمم المتحدة، إلى جانب النقلة النوعية التي شهدتها علاقات موسكو والرباط بعد التوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية في العام 2002 في إطار تنويع الشركاء على المستوى الاقتصادي والتجاري.
ورجح مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد في تقرير حديث له أن يتأثر المغرب وهو أكبر اقتصاد أفريقي بالأزمة، موضحا أن التأثير المشترك لارتفاع أسعار النفط والحبوب إذا استمر قد يكلف المغرب ما بين 1 و2 في المئة من الدخل الوطني هذا العام.
ومع ذلك سيكون المغرب، حسب ذات المركز، قادرا على تخفيف صدمات هذه الحرب، موضحا أنه اعتمادا على مدى ومدة العقوبات المفروضة على روسيا واستجابتها، يمكن أن تشهد دول أفريقيا ومنها المغرب فرصًا جديدة للتصدير إلى أوروبا (أهم أسواقها) وروسيا، مع إعادة توجيه الصادرات بين الدول الأوروبية وروسيا.
المملكة المغربية تعبرت بكل وضوح عن تشبثها القوي باحترام الوحدة الترابية والسيادة والوحدة الوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة
ويعد المغرب شريكا تجاريا كبيرا لروسيا في أفريقيا والعالم العربي حيث تبلغ المبادلات التجارية بينهما قرابة 2.5 مليار دولار سنويا، كما أن موسكو لا تخفي أهمية المغرب وموقعه الجيوستراتيجي كبوابة أفريقية ومعبر رئيسي للواردات الأوروبية، والعكس صحيح بالنسبة إلى المغرب.
وفي هذا الصدد أكد البرلماني السابق نبيل الأندلوسي أن مصالح المغرب اليوم وبشكل عام مرتبطة بالجانب الغربي (الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي) ولكن هذا لا يمنع من أخذ مسافة معقولة والحرص على حماية المصالح الاستراتيجية للمملكة المغربية، مشددا على أن الموقف المغربي بعدم المشاركة في التصويت فيه نوع من الحذر المتفهم والتوجه إلى عدم التخندق والتموقع مع الحرص على إعلان الموقف الواضح والمبدئي.
ومواكبة للتحولات الجيوسياسية التي تعرفها العلاقات الدولية في الفترة الاخيرة، أكد خبراء في العلاقات الدولية أن المغرب يسير في طريق تحقيق مكاسب دبلوماسية وسياسية دون التخلي عنها بالاصطفافات الظرفية، اعتمادا على موقعه الجيوستراتيجي في علاقاته بدول أوروبا والولايات المتحدة وروسيا الذي يعزز موقفه السيادي من أزمة روسيا وأوكرانيا.
ويعتبر إجلاء الآلاف من الطلبة المغاربة الذين استقروا في أوكرانيا للدراسة جانبا من التعاطي الموضوعي للدولة المغربية مع هذه الأزمة، حيث انعكست المواقف السياسية والدبلوماسية المتوازنة للمغرب إيجابا على طريقة تواصل الهيئات الدبلوماسية المغربية مع السلطات الأوكرانية والروسية، ما سهل مغادرة المواطنين المغاربة من منطقة الحرب، حيث أكد وزير الخارجية ناصر بوريطة أن المغرب يعد من البلدان السبّاقة التي اتخذت إجراءات عملية لصالح مواطنيها بأوكرانيا، وبرمجة رحلات خاصة في مدة وجيزة.