يركز اليمين المتطرف في إسبانيا الذي يشارك في الائتلاف الحكومي على إثارة قضية مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، في حين أن الأزمة بين البلدين سببها موقف مدريد من الصحراء المغربية.
تمر العلاقات المغربية الإسبانية بفتور بعد أزمة انطلقت مع استضافة مدريد بين الحادي والعشرين من أبريل ومطلع يونيو 2021، إبراهيم غالي زعيم جبهة بوليساريو الانفصالية.
وتعالت أصوات داخل إسبانيا لتشريع قرارات إدخال سبتة ومليلية المحتلتين ضمن معاهدة إسبانيا مع حلف الشمال الأطلسي “الناتو”، حيث تشكل المدينتين ورقة سياسية تتنافس عليها أحزاب إسبانية كثيرة منها “فوكس” اليميني المتطرف.
وجاء ذلك بالتزامن مع تصريحات لوزير الخارجية الإسبانية خوسيه مانويل ألباريس، لصحيفة “لا فانجوارديا” الإسبانية أكد فيها أن الناتو بحاجة إلى التوحد.
وأضاف “مع الأحداث الراهنة الناتو أصبح في حاجة ملحة إلى التوحد، كون التهديدات القادمة اليوم من الجناح الشرقي قد تأتي غدا من الجناح الجنوبي” ما اعتبر تلميحا للمغرب.
واعتبر محمد الطيار الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، أن المغرب لم يطرح بعد هذه القضية بالشكل الذي يمكن أن يزعج إسبانيا، فهو حريص على توفير الأمن والحدّ من محاولات استعمال الثغرين للهجرة غير النظامية إلى الضفة الأخرى، مشيرا إلى أن ما يعقد علاقة المغرب مع إسبانيا هو موقفها من قضية الصحراء المغربية الذي يعاكس ويعرقل مساعي المغرب في إنهاء النزاع المفتعل.
التقدم بمقترح ضم المدينتين المحتلتين، يفسره البعض بالتوجس التاريخي الذي طبع العلاقة بين المغرب وإسبانيا
وأضاف الطيار ، أن دعوات إدخال سبتة ومليلية ضمن المعاهدة المبرمة مع إسبانيا وتغيير المادة 6 منها، ظهرت بشكل خاص إبان ارتفاع منسوب الأزمة الدبلوماسية مع المغرب بسبب استقبال إبراهيم غالي بالتنسيق مع الجزائر، وقد قوبل المقترح الذي تقدم به الحزب اليميني المتطرف الإسباني فوكس، خلال السنة الماضية بالرفض من طرف البرلمان الإسباني.
ورغم رفض لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الإسباني الخميس الماضي، مقترحا من حزب فوكس اليميني المتطرف طالب فيه بدمج مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين تحت حماية الناتو، إلا أن أعضاء مجلس الشيوخ في الحزب الشعبي أكدوا أن “إسبانيا يمكنها بالفعل الاعتماد على الناتو لضمان أمن الثغرين المحتلين”.
وسبق لزعيم الحزب الشعبي بابلو كاسادو، خلال زيارة إلى مليلية المحتلة في يوليو الماضي، وأكد أنه “يجب وضع الثغرين السليبين تحت رعاية حلف الناتو حتى تتمكن إسبانيا وحلفاؤها من الدفاع عن المدينتين المحتلتين”.
وباستثناء تصريحات سابقة لرئيس الوزراء السابق سعدالدين العثماني قبل نحو سنتين لم يثر المغرب رسميا القضية بالمطلق. وقال العثماني حينئذ “سيأتي الوقت الذي سيفتح فيه المغرب هذا الملف باعتبار سبتة ومليلية أراضي مغربية محتلة من طرف إسبانيا”.
وذهبت شخصيات وأحزاب إسبانية بعيدا في توجساتها من المغرب، عندما اعتبرت أن مخطط إنشاء قاعدة عسكرية قريبة من الحدود المغربية الجزائرية ومتاخمة لمدينة الناظور القريبة لمليلية المحتلة، إلى جانب الاتفاقيات العسكرية التي أقامها المغرب مع تل أبيب، أبرزها اقتناء المغرب نظام “باراك م إكس” الصاروخي الدفاعي، بمثابة تهديد لإسبانيا.
وتقدمت مجموعة من البرلمانيين عن حزب فوكس، بسؤال برلماني كتابي بشأن إمكانية أن يشن المغرب أعمالا عسكرية في سبتة ومليلية، ورد عليه بيدرو سانشيز بـ”إسبانيا ستتدخل بصرامة ضد أي مس بوحدتها الترابية”، على الرغم من أن المستفسرين تحدثوا عن “سيناريو ممكن” دون التطرق إلى أي حقيقة ميدانية.
واعتبر محمد الطيار الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، أن الحكومة الإسبانية تعي جيدا أن حلف الناتو لن يقبل إدراج سبتة ومليلية تحت لوائه، حيث سبق وأكد بعد انضمام إسبانيا إلى صفوفه ببقاء المدينتين خارج دائرة الأراضي المشمولة بحمايته، وأنه ليست لديه أي خطة عسكرية للدفاع عن المدينتين في حالة مواجهة مع المغرب.
ولفت محمد الطيار أن التقدم بمقترح ضم المدينتين المحتلتين، يمكن تفسيره بالخوف والتوجس التاريخي الذي طبع العلاقة بين المغرب وإسبانيا، والذي ازدادت حدته مع ارتفاع العديد من الأصوات داخل إسبانيا، خاصة داخل أوساط حزب فوكس المتطرف، التي تحذر من تطور المنظومة العسكرية المغربية، ومن مكانة المغرب الدولية والدبلوماسية التي تعززت بإبرامه اتفاقا ثلاثيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
ورفضت الحكومة الإسبانية مطالب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يتبنون موقفا عدائيا تجاه المغرب، بأن تعيد النظر في اتفاقيات بيع الأسلحة للرباط أو وقفها، عقب بناء قاعدة عسكرية بقرب من مدينة مليلية المحتلة، مشددة على أنها تسعى إلى الحفاظ على التعاون مع “الجار الاستراتيجي” وفي الوقت ذاته الدفاع عن مصالح إسبانيا وذلك لتخفيف الضغط عليها.
وأكدت الحكومة الإسبانية أنها تريد الحفاظ على “أفضل علاقة جوار ممكنة مع المغرب”، الذي وصفته بـ”الجار الاستراتيجي”، مشددة في ردّها على عضو مجلس الشيوخ كارليس موليت غارسيا عن التحالف السياسي لمجتمع بلنسية (يسار وسط)، على أنها “تعمل وستواصل العمل في مجالات التعاون” التي تقوم عليها العلاقات، وتسعى إلى “المنفعة المتبادلة” و”الدفاع دائما عن مصالح إسبانيا”.
وفي الوقت ذاته يعمل حزب فوكس، للضغط سياسيا على الحكومة الإسبانية بقيادة بيدرو سانشيز، واتهامها بأنها “تتعامل مع المغرب في العديد من القضايا ذات الطابع المتوتر بنوع من الضعف، مما يُشجع المغرب، على مواصلة ضغطه و’تحرشه’ ضد إسبانيا عبر سبتة ومليلية”.