بدد الفيتو الروسي مشروع قرار أميركي أمام مجلس الأمن بشأن إدانة الهجوم على أوكرانيا، وهو ما يزيد من الضغوط على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في غياب بدائل عسكرية لمواجهة التقدم الروسي، في وقت تستمر فيه المساعي لتحريك قناة الوساطة الإماراتية وهذه المرة من بريطانيا بعد الولايات المتحدة.
وأكدت دولة الإمارات خلال اجتماع عقده مجلس الأمن مساء الجمعة على أن التطورات الخطيرة في أوكرانيا تقوض الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، داعيةً إلى خفض التصعيد بشكل فوري وإنهاء الأعمال العدائية.
وأعربت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان صحافي السبت أوردته وكالة أنباء الإمارات (وام)، عن قلقها تجاه التداعيات المترتبة على المدنيين المتواجدين في أوكرانيا، وعلى المنطقة والمجتمع الدولي بأسره.
كما أكدت الوزارة على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، داعيةً كافة الأطراف إلى احترام القانون الإنساني الدولي، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وشددت السفيرة لانا نسيبة المندوبة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة، خلال اجتماع مجلس الأمن، على استعداد بلادها للعمل مع أعضاء مجلس الأمن لخفض التصعيد ووقف الأعمال العدائية.
وقالت “إن نتيجة التصويت اليوم (الجمعة) هي مجرد تحصيل حاصل، ولكن يجب أن تبقى قنوات الحوار مفتوحة أكثر من أيّ وقت مضى، ويتعين علينا جميعاً السعي لتحقيق ذلك”.
وكان الموقف الإماراتي مثار متابعة من الدول المعنية بالتصعيد في أوكرانيا لمعرفة إن كانت ستصوّت لصالح القرار وتقف بذلك إلى جانب الولايات المتحدة، وهو ما سعت له واشنطن من خلال اتصال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن صباح الجمعة بنظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد.
لكن الإمارات تحفظت على القرار، وهو ما يعطيها وفق مراقبين ودبلوماسيين فرصة لتلعب دور الوسيط بين الطرفين لامتلاكها قنوات تواصل متينة مع كل من روسيا والولايات المتحدة، مشيرين إلى أن تحفظ أبوظبي عن التصويت جعلها في منطقة وسطى بين الفرقاء.
وما يدعم هذه الفرضية هو الاتصال الذي جرى السبت بين الشيخ عبدالله بن زايد ووزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، ووفق ما أوردته وكالة أنباء الإمارات فقد تبادل الوزيران وجهات النظر تجاه مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية وبحثا القضايا محل الاهتمام المشترك.
ويعتقد المراقبون أن فشل الدول الغربية في تقديم دعم عسكري لأوكرانيا يوازي القوة الروسية، واكتفاءها ببيانات الدعم، والتلويح بالعقوبات، كل هذا هزّ من صورتها وصورة حلف الأطلسي، ولأجل هذا فإن هذه الدول ستبحث عن تحرك دبلوماسي سريع يوقف المعارك ويقلّص من خسائر أوكرانيا وخاصة الخسائر المعنوية للدول الغربية، وما خلفته من صدمة في العالم.
لانا نسيبة: يجب أن تبقى قنوات الحوار مفتوحة أكثر من أي وقت مضى
ويرى هؤلاء المراقبون أن العضو الوحيد في مجلس الأمن الذي ينطبق عليه عنصر الحياد هو الإمارات، فروسيا لن تقبل بمن صوتوا لفائدة القرار، كما أن الولايات المتحدة لن تقبل بدورها وساطة دول مثل الصين أو الهند التي تبدو همومها الداخلية أبعد ما يكون عن الوساطات، وهو وضع ينقل الأنظار إلى الجانب الإماراتي خاصة مع موقفه المتمسك بضرورة الحوار والحل السلمي للخلاف.
ولعل أهمية الموقف الإماراتي تكمن خاصة في قبول روسيا بأن تلعب أبوظبي دور الوسيط، فروسيا حاليا هي الطرف القوي على الأرض، فيما خصومها في وضع صعب يمكنها من أن تختار توقيت الوساطة والطرف الذي ترتاح إليه.
وتمتلك موسكو والإمارات علاقات مميزة اقتصاديا وعسكريا ومقاربات قريبة لقضايا الشرق الأوسط. ويقول محللون سياسيون إن روسيا بدت أقرب إلى الإمارات والسعودية في ظل الاستراتيجية الخليجية الجديدة التي تقوم على تنويع الشركاء بعيدا عن دور الحليف الواحد الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة في العقود الماضية.
واستخدمت روسيا في مجلس الأمن الدولي الجمعة، كما كان متوقعاً، حقّ النقض (الفيتو) ضدّ مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة وألبانيا يستنكر “بأشدّ العبارات عدوانها على أوكرانيا” ويدعوها إلى سحب قواتها من هذا البلد “فورا”.
وصوّت 11 عضواً من أعضاء المجلس الـ15 لصالح النص، بينما امتنعت عن التصويت الدول الثلاث الباقية وهي الصين والهند والإمارات العربية المتّحدة.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن استخدام روسيا حق النقض هو “بقعة دم” في مجلس الأمن. واعتبر في المقابل أن دعم مشروع القرار يظهر “أن العالم يقف مع أوكرانيا”، مضيفا “الحقيقة معنا، النصر سيكون لنا”.
وأوضح دبلوماسي أنّه تمّ التخفيف من لهجة مشروع القرار قبل ساعات من التصويت وذلك من أجل “ضمان” أن تمتنع تلك الدول الثلاث عن التصويت بدلاً من أن تصوّت ضدّ النصّ. وبذلك خفّفت في مشروع القرار الذي تمّ التصويت عليه كلمة “يدين” إلى “يستنكر” وحذفت منه أيضاً الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة.
وقصفت القوات الروسية المدن الأوكرانية بالمدفعية وصواريخ كروز السبت لليوم الثالث على التوالي.
ومع فرار مئات الآلاف من الأوكرانيين غربا باتجاه الاتحاد الأوروبي، قال المسؤول الأمني الروسي الكبير والرئيس السابق دميتري ميدفيديف إن العمليات العسكرية لموسكو ستستمر بلا هوادة حتى تحقق أهدافها.
وفي تصعيد كبير للهجة الروسية، قال ميدفيديف إن العقوبات الغربية الجديدة دليل على عجز الغرب عن خوض المواجهة، ولمّح إلى قطع العلاقات الدبلوماسية قائلا إن الوقت حان “لإغلاق السفارات”.