يراهن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على الكويت كوسيط مؤثر لإقناع بعض الدول المتحفظة وغير المتحمسة، ومنها المملكة العربية السعودية، بموعد وأجندة القمة العربية المقبلة والتي تعمل الجزائر جاهدة لعقدها على أراضيها العام الجاري. فيما يشكك مراقبون في الدور الذي يمكن أن تلعبه الكويت لعوامل مختلفة من بينها انشغال الإمارة بترتيب بيتها الداخلي.
يزور الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الثلاثاء الكويت قادما من قطر، حيث من المنتظر أن يلتقي الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح، وتتزامن هذه الزيارة مع زيارة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الإمارة الخليجية بمناسبة مرور ستين عاما على العلاقات الثنائية.
وترجح أوساط سياسية كويتية أن تشهد زيارة الرئيسين الجزائري والمصري إلى الكويت عقد قمة ثلاثية لبحث المستجدات الإقليمية، ولاسيما جهود عقد القمة العربية التي تأمل الجزائر في احتضانها في الثلث الأخير من العام الجاري، بعد أن تم تأجيل موعدها المقرر في مارس المقبل، لدوافع قالت الجزائر إن لها علاقة بالوضع الوبائي، لكن مراقبين ربطوا التأجيل بغياب حماسة عربية، ولاسيما خليجية، للحضور.
وتراهن الجزائر على دور كويتي لإنجاح جهود عقد القمة العربية على أراضيها، والمنتظر أن يجري حسم موعدها وأجندتها خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول العربية في مارس المقبل بالعاصمة المصرية القاهرة.
وكثفت الدبلوماسية الجزائرية من تحركاتها في الفترة الأخيرة على أمل بناء تصور عام، يضمن مشاركة وازنة في القمة التي تأمل عقدها بالتزامن مع الذكرى الستين لاندلاع ثورتها التحريرية، وقام الرئيس الجزائري الشهر الماضي بزيارة إلى القاهرة، ليعقبها بزيارة أخرى السبت إلى قطر بمناسبة منتدى الدول المصدرة للغاز.
ويشكل احتضان الجزائر للقمة العربية تحديا كبيرا في حد ذاته، وترجح الأوساط الكويتية أن يطرح الرئيس تبون على الكويت لعب دور الوساطة، لاسيما مع المملكة العربية السعودية لضمان مشاركتها، بعد أن أبدت الرياض بعض التحفظات في ارتباط بعدد من الملفات منها الحرص الجزائري على مشاركة سوريا.
وتشير الأوساط إلى أن الموقف السعودي من قمة الجزائر له علاقة أيضا بالخلافات الجزائرية – المغربية، وتحرص الرياض على ألا تظهر أي موقف قد يبدو داعما للجزائر بما يؤثر على علاقتها مع الحليف الاستراتيجي الرباط.
موعد القمة العربية وأجندتها سيجري حسمهما خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول العربية في مارس المقبل بالقاهرة
وتقول الأوساط إن الجزائر تبدو مستعدة لتجاوز تمسكها بالمشاركة السورية، في مقابل ضمان مشاركة وازنة للقادة في القمة، حيث ترى في ذلك إنجازا في حد ذاته، خصوصا مع تراجع حضورها بشكل كبير في السنوات الأخيرة متأثرة في ذلك بجملة من العوامل، منها الأزمة الداخلية وانشغالها بمناكفة الجارة المغرب.
وشهدت العلاقات المغربية – الجزائرية توترا غير مسبوق في الأشهر الماضية، حيث قامت الجزائر في أغسطس بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، إلى جانب منعها الطائرات العسكرية والمدنية المغربية من استخدام مجالها الجوي.
ولم تقف إجراءات الجزائر ضد المغرب عند ذلك الحد، بل عمدت إلى عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مرورا بالمغرب.
ويرى مراقبون أن تصعيد الجزائر ضد المغرب، والذي يتناقض والشعارات التي يرفعها النظام الجزائري عن الوحدة العربية وضرورة تذليل الخلافات بين الأشقاء، سيجعل من الصعب على الرباط المشاركة في قمة تحتضنها الجزائر.
وسبق وأن حضر العاهل المغربي الملك محمد السادس القمة العربية التي عقدت في الجزائر في العام 2005، على أمل تحقيق اختراق مع الدولة الجارة، والعمل من أجل حل مشكل الصحراء المغربية، التي لم تعد تشكل فقط حجر عثرة أمام العمل المغاربي بل وأيضا العربي، لكن الجزائر قابلت خطوة الملك محمد السادس بالمزيد من التعنت والتصلب.
ويشير المراقبون إلى أن المغرب لن يبادر إلى تكرار خطوة العام 2005، بل ومن المرجح أن يذهب إلى المقاطعة التامة في حال احتضنت الجزائر القمة.
وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة صرّح في وقت سابق بأن ميثاق جامعة الدول العربية ينصّ على أن شهر مارس من كل سنة، هو الشهر المحدد لعقد مؤتمرات القمة العربية العادية، وأن عدم عقد المؤتمر في هذا الشهر، يعني أن المؤتمر الذي يراد عقده، لن يكون عاديا، وإنما هو استثنائي.
ويلفت المراقبون إلى أنه من المرجح على نحو بعيد أن تأخذ دول مجلس التعاون الخليجي بعين الاعتبار الموقف المغربي، وأن تطرح في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب إما تأجيلا جديدا للقمة، وإما تغيير مكان انعقادها.
ويعتبر المراقبون أن ذلك سيشكل ضربة قوية للدبلوماسية الجزائرية على مستوى الفعل العربي، وهذا ما يفسر تحركات رئيسها الحثيثة لضمان انعقاد القمة على أراضيها العام الجاري.
وترى الجزائر في الكويت طرفا يمكن الاتكال عليه في إقناع السعودية، بأهمية احتضانها للقمة المقبلة، خصوصا وأن الكويت سبق وأن حققت نجاحات مهمة على صعيد الوساطة العربية – العربية.
وتشكل الكويت المحطة العربية الخامسة للرئيس عبدالمجيد تبون منذ تسلمه مقاليد الحكم نهاية 2019، وهي أول زيارة لرئيس جزائري إلى الكويت منذ العام 2008.
وتم التمهيد لزيارة تبون إلى الكويت خلال زيارة لوزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة إلى الكويت نهاية يناير الماضي. وأكد وزير الخارجية الكويتي أحمد الناصر خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الجزائري، أن هناك توجيهات سامية بأن تكون الكويت أول المشاركين في القمة العربية وآخر المغادرين.
ويقول المراقبون إن المسألة الوحيدة التي يمكن للرئيس الجزائري أن يحصل عليها خلال هذه الزيارة هي تطمينات بمشاركة الكويت في حال انعقدت القمة على أراضي بلاده، خلاف ذلك فإن الكويت ليس لديها ما يمكن أن تقدمه في ظل وضعها الداخلي المأزوم، وصحة أميرها الشيخ نواف الذي اضطر إلى تسليم جزء كبير من صلاحياته لولي العهد الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح، في ظل صعوبة أدائه لمهامه.
ويرى المراقبون إن مصير القمة العربية المقبلة سينعكس مما لا شك فيه على العلاقات العربية – العربية، وعلى مستقبل جامعة الدول العربية، ذلك أن انعقاد هذه القمة في الجزائر قد يقود إلى مقاطعة مغربية مع تمثيل شكلي لدول مجلس التعاون الخليجي، في المقابل فإن اختيار دولة أخرى لاحتضان القمة سيقابل برفض جزائري وربما انضمام دول إليها، وفي كلتا الحالتين فإن حالة من الشلل ستصيب العمل المؤسساتي العربي المترهل بطبعه.
ولطالما تساءلت النخب العربية عن مستقبل الجامعة العربية، في ظل الخلافات بين الدول الأعضاء التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، دون أن تنجح الجامعة في تفكيك وحل عقد أي منها على غرار النزاع المغربي – الجزائري، ويذهب البعض من هذه النخب إلى القول بأن الأحداث تجاوزت هذا الهيكل.
وعقدت القمة السنوية الأخيرة لجامعة الدول العربية على مستوى القادة في مارس 2019 في تونس، وتم إلغاء نسختي 2020 و2021 بسبب وباء كورونا.