اختزلت انطباعات العاملين في الزراعة المغربية فيما يتعلق بحسابات إنتاج المحاصيل للموسم الحالي مدى الصعوبات التي يواجهها القطاع بسبب منغصات الجفاف. ورغم مساعي الحكومة لإعطائه نفسا للانتعاش، فإن خبراء يرون أن الأمر يتطلب وقتا حتى تظهر النتائج.
يجزم معظم المزارعين في المغرب أنهم لم يشهدوا موسما أشد جفافا من هذا العام طيلة خمسة عقود قضوها في هذا النشاط الاستراتيجي في ظل استمرار موجة الجفاف التي تضرب بلدهم كما هو حاصل مع بقية دول شمال أفريقيا.
وقال فنان البالغ من العمر 77 عاما لرويترز “لم يسبق أن رأيت مثل هذه السنة. أنا مولود في 1945 كما عايشت بكل تأكيد 1981 التي كانت سنة جافة أيضا وصعبة، ولكن لم يسبق أن حكى لي أحد من أجدادي أو والدي عن مثل صعوبة هذا العام الذي نعيشه”.
وأشار هذا المزارع المختص في الزراعات السقوية، التي تعتمد على الري مثل القمح والشعير والحبوب، إلى أنه زرع أرضه التي تقع في سهل الشاوية، أحد أخصب السهول المغربية، بالقمح والحبوب كالمعتاد، لكنها لم تنبت.
وأكد فنان من قريته رأس العين بإقليم سطات جنوبي العاصمة الرباط أن “الجفاف حاد، وحاد جدا. النباتات خاصة الزراعات الخريفية تضررت كثيرا”.
ويشهد البلد أسوأ أزمة جفاف منذ ثلاثة عقود وتراجع معدل هطول الأمطار بواقع 64 في المئة مقارنة بالموسم العادي.
وقال خبير المناخ والتنمية المستدامة محمد بنعبو إن “الجفاف يحدث كل عامين حاليا بدلا من مرة كل عشر سنوات على غرار ما كان يحدث حتى تسعينات القرن الماضي”.
وشكا فنان من قلة مناطق الرعي والكلأ قائلا إن “المراعي غير موجودة نهائيا. الناس تبيع أغنامها، هناك من باع 90 في المئة ليوفر الكلأ لما تبقي. هناك نقص كبير في المياه الجوفية”.
والزراعة في المغرب هي أكبر القطاعات استيعابا للأيدي العاملة، وشكلت 17 في المئة من الناتج المحلي في العام الماضي.
وفي قرية بني كلة شرق مدينة وزان التي تقع قرب جبال الريف، على بعد 173 كيلومترا شمالي الرباط، قالت مزارعة قدمت نفسها باسم زهرة إن حقلها المزروع بالفول والقمح قد جف و”المغروسات ذابلة وتكاد تموت”.
وأضافت زهرة “هذه أسوأ أزمة جفاف. موسم 1981 – 1982 كان جافا، لكن المياه الجوفية كانت لا بأس بها، كنا نسقي”.
وتابعت “أما الآن فنخاف أن نسقي بعض المزروعات ونبقى دون ماء للشرب، فالوادي بقريتنا جف ومنسوب مياه البئر التي نرتوي منها نقص أيضا”.
وفي قرية بلوطة بشمال وزان، قالت فاطمة (58 عاما) “غرسنا الفول والبازلاء ولم تنبت بسبب النقص الشديد في الأمطار”.
وتقول جارتها عائشة “اشتريت نعجة حبلى بخمسمئة درهم (52.7 دولار) وهذا ثمن بخس. في السابق لم أكن لأشتريها بأقل من 1700 أو 1400 درهم”. وأضافت “المواشي رخصت بسبب التخوف من نقص الأعلاف نظرا لقلة الأمطار”.
وفي الأسبوع الماضي، قال الديوان الملكي إنه “سيتم إنفاق نحو عشرة مليارات درهم (أكثر من مليار دولار) لدعم القطاع الزراعي، وتخفيف آثار الجفاف عن الزراع والاقتصاد”.
وأقر العاهل المغربي الملك محمد السادس برنامجا عاجلا يشمل ثلاثة محاور أساسية تتعلق أولا بحماية الرصيد الحيواني والنباتي وثانيا إدارة ندرة المياه.
وينصب المحور الثالث على تخفيف الأعباء المالية على المزارعين والمهنيين وتمويل عمليات تزويد السوق المحلية بالقمح وعلف الماشية وتمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال الريّ.
واعتبر فنان أن هذا “الإعلان الملكي أنعش آمالنا ونتمنى أن يخفف من وطأة هذه الأزمة على المزارع والاقتصاد المغربي”.
ورغم الجهود لتقليل اعتماد الاقتصاد على الزراعة ومحاولة تطوير الصناعات، لم تتمكن الحكومة من تخطي حاجز هيمنة هذا القطاع الحيوي على التنمية.
وقال رشيد أوراز الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات “منذ سنوات كانت هناك مخططات لتطوير قطاع الصناعة، لكن ذلك يتطلب سنوات من العمل واستثمارات هائلة ولذلك بقيت الزراعة بالإضافة إلى السياحة من بين أهم القطاعات الاقتصادية”.
ويرى أوراز أن هذه السنة أشد صعوبة لأنها “جاءت بعد عامين من جائحة وتبعات الإغلاق الاقتصادي العالمي وكذلك معدلات التضخم، وبالتالي الغلاء لم يمسّ فقط المنتجات الزراعية ولكن أيضا الكثير من المنتجات كقطاع المحروقات والمنتجات الصناعية”.
وأكد أوراز أن الأمور صعبة، ليس لأن الاقتصاد المغربي غير متنوع ولكن لأن الكثير من القطاعات الأخرى أصابها الكساد كالسياحة التي لم تتحرك منذ ثلاث سنوات.
وقال “نعرف أن السياحة قطاع موفر للكثير من فرص العمل سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وكذلك الشأن بالنسبة إلى الصناعة”.
وتحدث عن صعوبة إيجاد بديل لقطاع الزراعة قائلا “الانتقال من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي يتطلب أن تلتقي الكثير من العوامل المؤسساتية والبشرية لتواكب هذا التحول”. وأضاف “المغرب ليست لديه هذه الإمكانيات ولذلك يصعب إحداث هذا الانتقال”.
وذكرت مندوبية التخطيط الحكومية الثلاثاء أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 3.1 في المئة على أساس سنوي في يناير.
وقال فنان “الزراعات الخريفية ذهبت مع الريح. نحن مثقلون بالديون، نشتري المحروقات والبذور وكل شيء بسعر مرتفع”.