المغرب يعزز أمنه الدفاعي بإنشاء منطقة عسكرية على الحدود الجزائرية
دعّمت المملكة المغربية جهود الدفاع عن أمنها الحدودي مع الجزائر بإحداث منطقة عسكرية متكاملة تعرف بـ”المنطقة الشرقية” خدمة لاستراتيجيتها الدفاعية المرتبطة أساسا بمحاربة التهريب والهجرة، على غرار نظيرتها في الجنوب.
قرر المغرب إحداث منطقة عسكرية جديدة بالمنطقة الشرقية بهدف مواجهة كل المخاطر والتهديدات المحتملة القادمة من الحدود مع الجزائر، فضلا عن تعميم النظام الدفاعي والعيش العسكري الخاص بالمنطقة الجنوبية على المنطقة الشرقية التي تتضمن الحدود البرية للمملكة.
وتم تعيين الجنرال دو ديفيزيون محمد مقداد قائدا للمنطقة الشرقية، الذي كان ضابطا ساميا في المنطقة الجنوبية حيث ترأس الجنرال دوكور دارمي الفاروق بلخير المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، نهاية هذا الأسبوع، حفل التنصيب.
وسيوظف هذا المسؤول العسكري كل خبرته في الجيش المغربي، للعمل على الحد من الجريمة العابرة للحدود والتهريب والهجرة غير النظامية و”تعزيز قدرات الدفاع عن حوزة وسلامة أرض المملكة”.
ومن شأن القاعدة العسكرية الشرقية أن تعزز جهود مراقبة الحدود الشرقية للمغرب، وتزيد من حماية التراب الوطني في وجه مناورات أعداء الوحدة الترابية للمملكة خصوصا مع تصعيد الجزائر من لهجتها مؤخرا في محاولة لخلق الذرائع لإشعال المنطقة.
وأكد صبري الحو الخبير في القانون الدولي أن “إحداث المنطقة العسكرية مبادرة سيوازن بها المغرب بين العمق الدفاعي للجنوب والاهتمام بالجهة الشرقية، حتى يشتت تركيز الخصوم ويبعثر استراتيجيتهم، ويظهر أنه قريب من المناطق الاقتصادية الحيوية في الجزائر (آبار النفط) لتحقيق نوع من الردع، مع فرض إعادة قراءة المعادلات الصعبة لتفادي كل أنواع التهور والغرور مع الجزائر”.
صبري الحو: المغرب يوازن العمق الدفاعي للجنوب بالاهتمام بالشرق
وأضاف أن “إحداث هذه المنطقة العسكرية مرتبط بمعرفة المغرب للجهة المعادية لحقوقه الترابية، وهي الجزائر في الدرجة الأولى باعتبارها الأصل ومساهمتها في خلق بوليساريو باحتضانها وعسكرتها وتمويلها والمرافعة لصالحها دوليا وإقليميا، علاوة عن كونها تتخذ هذه الحركة الانفصالية أداة للحرب بالوكالة ضد سيادة المغرب وأمن مواطنيه”.
ويعني إحداث منطقة عسكرية شرقية على غرار المنطقة الجنوبية امتدادا استراتيجيا لها، حيث تعد التهديدات القادمة من الحدود الشرقية حقيقية ولا تحتمل التهاون وهو ما يدخل في إطار رفع جاهزية القوات المغربية لمواجهة كل الاحتمالات.
ويرى متابعون للشأن الأمني أن الجزائر تسعى لإيجاد منفذ نحو المحيط الأطلسي عبر الحدود المغربية وهو ما دفع الرباط إلى تأمين حدودها الشرقية والجنوبية من أي تسريب يهدد أمنها القومي عبر قاعدة جرادة التي تفي بالتأمين اللوجيستي لهذا الهدف الاستراتيجي.
ويعتبر صبري الحو أن “المغرب اتخذ قرارا بإنشاء هذه المنطقة الشرقية تبعا للتحولات الجديدة التي فرضها في المنطقة بعد مراقبة موريتانيا واضطلاعها بالتزام مراقبة حدودها الشمالية بعد تأمين المغرب لمعبر الكركرات”.
وأوضح أن “التحول الذي تبعه مباشرة هو الوضع الجديد الذي فرضه شرق جداره الدفاعي الرملي في اتجاه حدوده مع الجزائر، وهي المنطقة التي تسمى عازلة بعد أن بسط المغرب إحكامه الشامل عليها، وباتت مكشوفة أمام الطيران المغربي وحرم على الانفصاليين الإمداد والتموين والدخول والحركة فيها، بمن فيهم الجزائريون، وخاصة من التجار الذين اتخذوها خلسة طرقا وممرات مختزلة في اتجاه موريتانيا”.
وفي وقت سابق، أصدر رئيس الحكومة المغربية السابق سعدالدين العثماني مرسوم شهر مايو من سنة 2020 الذي يقضي بتخصيص أرض لبناء قاعدة عسكرية خاصة بالقوات المسلحة الملكية في إقليم جرادة، قرب مدينة وجدة شرقا، على الحدود مع الجزائر.
ويأتي إحداث المنطقة العسكرية الشرقية في ظل توتر حاد تمر به العلاقات المغربية – الجزائرية وصل إلى حد قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع الرباط ومنع الطائرات المغربية من المرور عبر مجالها الجوي، مع دعم واضح ومباشر لاستفزازات جبهة بوليساريو الانفصالية للمغرب.
ودأب قادة الجيش الجزائري على استفزاز المغرب بتصريحاتهم ومناورات عسكرية أشرف عليها الجنرال السعيد شنقريحة، وتعتمد خطة رئيس الأركان الجزائري لاستفزاز المغرب على تهيئة المجال العسكري بقواعد جوية على الحدود الشرقية لبلاده، خصوصا وأنه أشرف على تدريبات لميليشيات بوليساريو العسكرية عندما كان يشغل قائد القوات البرية في الجيش الجزائري.
المغرب تريد تأمين حدودها الشرقية والجنوبية من أي تسريب يهدد أمنها القومي عبر قاعدة جرادة التي تفي بالتأمين اللوجيستي لهذا الهدف الاستراتيجي
ويعتقد صبري الحو أن هذه المبادرة المغربية ناتجة عن تحرشات الجيش الجزائري بالمدنيين في المنطقة الشرقية، منها إحداث منطقة العرجات وواد زمور، مع الحديث عن نشر الجزائر منظومة الصواريخ الروسية إس – 400 في الحدود الشرقية، وهو ما يوحي بحدوث متغيرات في جغرافية
المعركة والنزاع.
وقال خبراء في الاستراتيجيات الأمنية أن بناء القاعدة العسكرية الجديدة يعد جزءا من الجهود الاستراتيجية التي يبذلها المغرب منذ 2014 لزيادة حماية حدوده البرية مع الجزائر خاصة فيما يتعلق بالإتجار بالبشر والإرهاب والتهريب.
وستمنح هذه الخطوة في تقييم التهديدات المحتملة وأيضا سرعة اتخاذ القرار العسكري وتنفيذه لتحقيق كافة المهام، والتي ترتبط مع تحرير معبر الكركرات وتعزيزا للجدار الدفاعي بالصحراء للتصدي الفعال لكل محاولات التسلل التي تقوم بها ميليشيات بوليساريو من خلال تأمين المنطقة الحدودية من الجو عبر أقمار اصطناعية وجدار جوي صاروخي رادع وطائرات أف – 16 المتطورة.
وختم صبري الحو تصريحه بالتأكيد على أن المغرب بهذه الخطوة المزعجة للجزائر كما إسبانيا يعطي اليقين أن الأمس انتهى وأن الحسابات يجب أن تعاد على أساس معطيات الحاضر، والبناء عليها في تصورات المستقبل.