الرئيس الجزائري يكرس انفراد السلطة بالخيارات الشاملة للدولة

Belbazi

تتنصل السلطة الجزائرية من تحمل مسؤولياتها بشأن وضعية سجناء الرأي المضربين عن الطعام منذ أسابيع في البلاد، حيث سارع الرئيس عبدالمجيد تبون إلى نفي وجود مساجين معارضين، في خطوة تكرس انفراد الرجل بصناعة القرار داخل هياكل الدولة ورفض التفاوض مع المعارضة.

أغلق الرئيس الجزائري كل أبواب التقارب مع المعارضة، بعدما كرس في تصريحه الأخير لوسائل إعلام محلية تفرد السلطة القائمة بمؤسسات ومفاصل وخيارات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيما لا زالت المعارضة تطالب بإجراءات حقيقية للتهدئة والانفتاح والحوار الشامل بين جميع القوى الفاعلة لإخراج البلاد من نفق الأزمة.

ونفى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في تصريحه الأخير الذي أدلى به لوسائل إعلام محلية، أن يكون هناك سجناء رأي في بلاده، في إشارة إلى قضية الناشطين والمعارضين المسجونين والموقوفين، لاسيما بعد دخول العشرات منهم في إضراب جوع جماعي منذ نحو ثلاثة أسابيع.

وألمح في رده على أسئلة ممثلي وسيلتين إعلاميتين محسوبتين على القطاع الخاص، لا يزال الرأي العام يجهل كيفية اختيار محاوري ولا مضمون الحوار الصحافي مع رئيس الجمهورية، إلى تهمتي “العمالة والخيانة” اللتين تلاحقان معارضي السلطة.

وقال “لا يوجد سجين رأي في الجزائر، ومن يمس بمعنويات الجيش ينتمي للطابور الخامس”، في إشارة إلى الشعارات المناهضة لمؤسسات الدولة وعلى رأسها قادة الجيش والمخابرات، التي كانت ترفع في بعض المظاهرات والاحتجاجات الشعبية خلال موجة الحراك الشعبي.

الرئيس الجزائري أكد أن الدولة لن تسمح باحتلال الشارع دون رخصة وهو ما سيقطع الطريق أمام المعارضة للعودة إلى الشارع للاحتجاج

وأضاف “من يمس بالأمن العمومي ويشتم ويجرح ويخلق البلبلة، فهذه ليست حرية التعبير هذه حرية تخريب”، وهو الغطاء الذي ترفعه السلطات الأمنية والقضائية في ملاحقة ناشطي الحراك الشعبي، خاصة بعد تعديل قانون العقوبات وتوسيع دائرة العمل الإرهابي وتهديد المصلحة الوطنية بعد موجة الحرائق التي عاشتها البلاد خلال الصائفة الماضية، والتي نسبت إلى فلول حركتي استقلال القبائل ورشاد، اللتين صنفتا بعدها كتنظيمين إرهابيين.

ولفت الرئيس تبون إلى أن “الديمقراطية تبنى بحرية التعبير الحقيقي وحرية التعبير المسؤولة، فمن يمس بمعنويات الجيش بحجة حرية الرأي ينتمي للطابور الخامس، وأن حرية التعبير مضمونة والدستور يضمن الكثير من الأمور في هذا الشأن”.

وأشار في هذا الشأن إلى أن “السلطة تغافلت عن فتح إذاعات غير قانونية ولم نعترض على ذلك، ونفس الشيء للتلفزيونات، ولدينا ما يفوق ثمانية آلاف صحافي ونملك عشرين قناة تلفزيونية خاصة، ونحو مئة وثمانين صحيفة يومية، وأن مراجعة قانون الإعلام سيكون في غضون شهر على أقصى تقدير”، في تلميح منه إلى ثراء المشهد الإعلامي والتعدد السياسي الذي تفتخر به السلطة.

ولا يزال البؤس يخيم على النشاط الإعلامي في الجزائر منذ سنوات، حيث مازالت قنوات تلفزيونية خاصة تشتغل كمؤسسات أجنبية موطنة في عواصم غربية وعربية، بينما محتواها يتركز على الشأن المحلي، كما تعاني صحف ورقية ومواقع إلكترونية من أزمات خانقة نتيجة شح الموارد وسوء توزيع الإعلان الذي تحتكره الحكومة.

وفي تبريره لما تسميه المعارضة بـ”التضييق على الحريات السياسية والإعلامية وحظر التظاهر والتجمهر”، أكد الرئيس الجزائري أن “احتلال الشارع دون رخصة أمر خطير والدولة لن تسمح بذلك، لكن حق التظاهر مكفول تحت سلطة الدستور”، وهو ما سيقطع الطريق أمام المعارضة والحراك الشعبي للعودة إلى الشارع للاحتجاج عشية الاحتفال بالذكرى الثالثة لانتفاضة الشارع الجزائري المصادف للثاني والعشرين من فبراير.

شعبيته في الشارع الجزائري في نزول متواصل
شعبيته في الشارع الجزائري في نزول متواصل 

وكان خطاب السلطة منذ قدوم الرئيس تبون إلى قصر المرادية قد أدرج تصنيفات على الحراك، بين ما يصفه بـ”المبارك” و”غير المبارك”، الذي تلاحقه تهم المساس بمعنويات الجيش واستقرار الدولة والأعمال التخريبية والعمالة للخارج، كما أدرج في ديباجة الدستور الجديد للبلاد الصادر في 2020، وربط بما يعرف بـ”تلاحم الجيش والشعب”.

ونفى تبون أن “تكون أي من الدول العربية تعترض أو تتحفظ على عقد القمة العربية في بلاده”، وأعلن أن “موعد انعقادها سيعلن عنه خلال شهر مارس المقبل”، مؤكدا أن “الجزائر تريد ألا تكون كغيرها من القمم العربية بأجندتها وجدول أعمالها ومخارجها”.

وعاد الرئيس تبون، في تقليده الذي دأب عليه منذ قدومه إلى قصر المرادية بعد انتخابات ديسمبر 2019، إلى الجبهة الاجتماعية محاولا استغلال قراراته الأخيرة بتجميع وإلغاء رسوم وضرائب، لكسب نقاط جديدة في سلم الشعبية المهترئة نتيجة غياب التوافق على المقاربة السياسية التي أفرزته رئيسا للدولة.

الرئيس تبون عاد للتركيز على الجبهة الاجتماعية لكسب نقاط جديدة في سلم الشعبية المهترئة نتيجة غياب التوافق على المقاربة السياسية التي أفرزته رئيسا للدولة

وأعلن عن دخول منحة البطالة المعلن عنها من طرفه خلال الأشهر الماضية، حيز التنفيذ بداية من شهر مارس القادم، والمقدرة بنحو ثمانين دولار أميركي، واعتبرها إنجازا اجتماعيا حصريا لبلاده، لأنها لا توجد إلا في أوروبا والجزائر، لكن الغموض الذي يكتنفها سواء تعلق الأمر بكيفيات الاستفادة منها أو مدة صلاحيتها خاصة وأن بعض المعلومات تتحدث عن ستة أشهر فقط للفرد، يبقيها مجرد مسكن لمعضلة البطالة المتفاقمة في السنوات الأخيرة.

وفيما تداولت عدة دوائر سياسية وإعلامية في الجزائر تعديلا حكوميا وشيكا على طاقم أيمن بن عبدالرحمن، خاصة في ظل فشل بعض الوزراء في إدارة قطاعاتهم، على غرار وزير التجارة الذي كان محل انتقاد شديد في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول ندرة مادة الزيت، ألمح تبون إلى الإبقاء على تركيبة حكومته وقدم مبرراته لذلك في تصريحه المذكور.

وقال “الحكومة الحالية جديدة وجاءت بعد التشريعيات والتقييم يكون سنويا، إلا إذا كان هناك خطأ فادح فسيكون الفراق، ومبدئيا الوزراء يحاولون، فعندما نرقي أمينا عاما إلى وزير لا نخاف عليه لأنه يعرف الوزارة، ولكن بالنسبة إلى بقية الوزراء الذين جاؤوا من خارج القطاع فيجب منحهم الوقت الكافي للتحرر من البيروقراطية والتأقلم”.

وأضاف “التقييم يكون مستمرا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية، ونحن نلاحظ الوزراء القادرين على أداء مهامهم ومن يواجهون صعوبات، لكن معلومات متداولة تتحدث عن تعديل معطل بسبب التجاذب بين الأجنحة النافذة في السلطة، خاصة في ما يتعلق بمنصب نائب وزير الدفاع الوطني، الذي سيعطي المزيد من الشرعية السياسية والتنفيذية للرجل القوي في المؤسسة العسكرية حاليا قائد الأركان الجنرال سعيد شنقريحة، على غرار ما كان مع سلفه الراحل أحمد قايد صالح”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: