لم يصدر أي تعليق من الحكومة الجزائرية عن الاتصالات التي من المحتمل أن تكون قد أجرتها واشنطن مع شركات نفطية عالمية عاملة في الجزائر، وهو صمت يوحي بأن أزمة الغاز الأوروبية وضعت الجزائر تحت ضغوط دولية.
فتحت الإدارة الأميركية قنوات اتصال مع شركات نفطية عالمية عاملة في الجزائر على غرار “إيني” و”طوطال” و”أكوينور” و”أوكسيدونتال بترلوليوم”، بغرض بحث تأمين القارة الأوروبية بالغاز الجزائري، لكن اللافت أن الاتصالات لم تمر لا على الشركة الجزائرية الحكومية “سوناطراك” ولا على الحكومة الجزائرية، وهو ما يعتبر خرقا غير مسبوق للأعراف الدبلوماسية.
ويبدو أن الولايات المتحدة تريد نقل الأزمة من طابعها الدبلوماسي والسياسي بين القارة الأوروبية وروسيا إلى أزمة عالمية الأولوية فيها لتأمين تموين القارة الأوروبية بالغاز، ثم تأتي مسألة السوق والاتفاقيات والمصالح الأصلية للبلد الممون.
ورغم أن الجزائر تعتبر البلد الوحيد القريب من أوروبا، الذي بإمكانه تزويد أوروبا بالغاز، وتربطها اتفاقيات تموين بإسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان، إلا أن إمكانياتها الإنتاجية واللوجستية تبقى دون تأمين الحاجيات الأوروبية، وتعويض حصة الروس في أوروبا المقدرة بـ40 في المئة.
الجزائر غير قادرة على التملص من علاقاتها مع الروس، والغرب مستعد لفعل أي شيء من أجل تأمين حاجياته
وإذ سمحت الأزمة الأوكرانية بأن تدفع بالجزائر الى واجهة الطاقة في المنطقة، مستفيدة بذلك من ارتفاع الأسعار والطلبات، إلا أن التداعيات الاستراتيجية تضعها تحت العديد من الضغوط، فهي من جهة غير قادرة على التملص من علاقاتها الاستراتيجية والتاريخية مع الروس الذين يريدون معاقبة أوروبا، ولا يريدون للجزائر أن تكون بديلا أو مصدر تخفيف الأزمة عليها ومن جهة أخرى أوحت الاتصالات الأميركية، إلى أن الغرب مستعد لفعل أيّ شيء من أجل تأمين حاجياته حتى ولو كانت على حساب إرادة وسيادة الممونين.
وتستحوذ الشركات النفطية الأوروبية والأميركية على قطاع الطاقة في الجزائر، حيث تشرف العديد منها على إدارة وإنتاج محطات وآبار في الجنوب بالشراكة مع الشركة الحكومية المحتكرة للقطاع “سوناطراك”، وهو ما يشكل ورقة ضغط في أيدي الحكومات الأوروبية، لاسيما وأن نتائج الاتفاق المبرم بين الشركة الجزائرية وغازبروم الروسية لن تظهر إلا مع بداية العام 2025.
وتشير تسريبات نشرتها وسائل إعلام محلية إلى أن “الحكومة الأميركية طلبت الاجتماع مع شركات إيني وتوتال إينرجيز وشركات أخرى للطاقة تعمل في الجزائر، للوقوف على إمكانية جلب المزيد من الغاز الطبيعي من البلد”.
ولفتت إلى أن ذلك يندرج في إطار مساع أميركية لإيجاد إمدادات بديلة من الغاز لأوروبا في حال حدوث أيّ تعطلات ناتجة عن المواجهة بين روسيا وأوكرانيا، لكنها لم تفصح عن نتائج تلك الاتصالات ولا موقف الحكومة الجزائرية، ولا عن الآليات اللوجستية التي تضمن الرفع من إنتاج الغاز الجزائري نحو أوروبا.
ولم يستبعد مصدر مطلع إمكانية العودة إلى التموين عبر الخط المغاربي الرابط بين الجزائر وإسبانيا مرورا بالمغرب، والمتوقف منذ عدة أشهر، بسبب الأزمة السياسية القائمة بين البلدين، وحتى تفعيل مشروع خط نيجيريا – أوروبا مرورا بالجزائر، بعد عودة الاتصالات بين حكومتي البلدين في الآونة الأخيرة.
وحسب نفس التقارير، فإن مصدرا ذكر بأن “الولايات المتحدة طلبت اجتماعا مع شركة إيني الإيطالية بشأن الجزائر”، وتعتبر إيني التي لديها سلسلة عقود طويلة الأجل للغاز مع “سوناطراك” الجزائرية، أحد أكبر المنتجين الأجانب في الجزائر، كما تم التواصل مع توتال إينرجيز الفرنسية وشركات أخرى في المنطقة، من بينها إكوينور وأوكسيدنتال بتروليوم.
رغم أن الجزائر تعتبر البلد الوحيد القريب من أوروبا، الذي بإمكانه تزويد أوروبا بالغاز، إلا أن إمكانياتها الإنتاجية واللوجستية تبقى دون تأمين الحاجيات الأوروبية، وتعويض حصة الروس
ولفتت إلى أن الشركات المذكورة، تكون قد دخلت في تواصل داخلي بين إداراتها من أجل التنسيق حول إمكانية زيادة محتملة في الإنتاج، لكنه لم يصدر أيّ تعليق لا من الشركات المعنية ولا من الحكومة الجزائرية وشركتها “سوناطراك”.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد ذكرت بأنها “تعمل على تحديد أحجام إضافية من الغاز الطبيعي غير الروسي من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى آسيا والولايات المتحدة، وأن المسؤولين في واشنطن يجرون محادثات مع منتجين رئيسيين للغاز الطبيعي حول العالم لمعرفة طاقتهم واستعدادهم لإحداث قفزة لفترة مؤقتة في إنتاج الغاز الطبيعي وتخصيص هذه الأحجام لمشترين أوروبيين”.
وسبق لشركة “سوناطراك” أن أعلنت عن ارتفاع صادراتها من النفط والغاز خلال العام 2021، وتوقعت بياناتها أن يستمر الطلب على منتوجها في المدى القريب، خاصة إلى دول الضفة الجنوبية للقارة الأوروبية، بسبب فصل الشتاء البارد والأزمة الأوكرانية.
واستعانت الشركة المذكورة بناقلات نفط إضافية إلى أوروبا وتحديدا إسبانيا، بعد قرار غلق الأنبوب المغاربي بغية تلبية الحاجيات الإسبانية والبرتغالية، لكن دخول الضغوط الأميركية على الخط قد يدفع إلى مراجعة القرار المذكور، في ظل الأزمة المتفاقمة في أوروبا نتيجة الحصار الروسي.