المغرب: مسارات جديدة في الديمقراطية التشاركية

أمديون

إن تفعيل الديمقراطية التشاركية يؤهل النخب المحلية ويمكنها من تتبع قضايا الشأن العام الوطني والمحلي، بما يعني؛ انفتاح مؤسسات الدولة على المجتمع المدني من خلال الشراكة والتعاون. والديمقراطية التشاركية تعد منهجا للعمل التنموي، وردم الهوة التي أنتجتها سياسات سابقة بين المنتخبين والشعب، لهذا فاتجاه الدولة المغربية نحو إشراك المواطنات والمواطنين في عمليات اتخاذ القرارات وانخراطهم في النقاش العام، يعزز دورهم بدل حصره في حق التصويت أو الترشح، بل إن حقه الذي جاء به دستور 2011 يمتد إلى درجة التمتع بحق إبداء الرأي حول السياسة العمومية وتتبعها وتقييمها.
لكن لا يتأتى هذا الحق إلا من خلال تأسيس هيئة خاصة تباشر عمليات التواصل المنتظم والحوار المؤسساتي والنقاش والاستماع، والتعاون بين المجالس المنتخبة والساكنة للمشاركة في اتخاذ القرارات والسياسات والبرامج والمشاريع التي تمس الحياة العامة للسكان، وتقوم بدور مستمر من خلال ممارستها دور الفاعل التنموي وليس دور المتفرج.
ولهذا يعد إحداث «هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع» بمجالس الجماعات الترابية، ترجمة فعلية للنص المشرع الذي جاء به دستور 2011، وعلى هذا الأساس سعى المجلس الجماعي لسيدي علال التازي بإقليم القنيطرة بالمغرب، إلى دعوة جمعيات المجتمع المدني من أجل تقديم طلبات الترشح لعضوية هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، طبقا لمقتضيات المادة 120 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات والنظام الداخلي للمجلس الجماعي. وبناء على اجتماع اللجنة التقنية بالجماعة والمعنية بالاختيار حسب معايير محددة، ثم الإعلان عن لائحة أسماء أعضاء الهيئة من ممثلي الجمعيات المرشحة، ثم صادق عليها المجلس الجماعي في الاجتماع الذي انعقد في دورته الأخيرة. وهذا الإحداث لهيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، يروم من خلاله المجلس الجماعي لسيدي علال التازي المساهمة في مسلسل الديمقراطية التشاركية وتفعيل آلية التشاور العمومي.
إن الكتابة عن موضوع تشكيل هيئة تشاورية خاصة بجماعة ترابية تحسب على المجال القروي، لا يعد كتابة من أجل الكتابة، بل هو موضوع دعت إليه ضرورة الحدث، لأنه يبرز دور الجماعة المحلية في تقريب المواطنين والفاعلين الاجتماعيين من الناخبين السياسيين تقريبا لا يرتبط فحسب بفترة موسمية والتي تختزل في فترة الانتخابات، أو قضاء مصالح ذاتية أو شخصية معينة، ولهذا فإن الجماعة الترابية مطالبة بفتح قنوات التواصل والحوار والنقاش أمام المجتمع المدني من خلال هذه الهيئة التي تم إحداثها مؤخرا؛ وذلك من أجل تنمية تنهض بالجماعة الترابية لسيدي علال التازي، هذه الجماعة التي تعد معبرا رئيسيا يربط بين مدينتي طنجة بالشمال والرباط العاصمة، حيث إن موقع الجماعة المعنية على الطريق الوطنية رقم 1، مكنها أيضا من اعتبارها محطة مهمة للعابرين، ومن الواجب الالتفات إليها من الناحية الاقتصادية والفلاحية والاجتماعية والثقافية والرياضة… هذه الجماعة الترابية التي تعد جزءا من الوطن، والعناية بالمجالات الصغرى والجزئية هو كالعناية بالمجالات الكبرى، فالوطن كالجسد، إذا اعتل عضو أو جزء منه، مهما صغر، يعود عليه بضرر كلي، وإذا صلح عاد عليه بالنفع.

الديمقراطية التشاركية تعد منهجا للعمل التنموي، وردم الهوة التي أنتجتها سياسات سابقة بين المنتخبين والشعب

لكن أليس من حق القارئ أو المتتبع أن يتساءل ما جدوى إحداث هيئة تشاورية، إذا كان المجلس الجماعي يتخذ قراراته الداخلية، كون الأعضاء المنتخَبين هم في الأصل ممثلون لمنتخِبيهم لدى المجلس الجماعي. أيُّ إضافة ستضيفها هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع بجماعة سيدي علال التازي، مع وجود مجلس منتخب هو صاحب القرار؟
إن هذا السؤال يتبادر إلى ذهن كل من سمع بدور هذه الهيئة، دون أن يتأنى في إصدار الحكم، ذلك أن تفعيل دور الهيئة يعطي لها الحق في إبداء آرائها وتقديم توصيات وملتمسات لمجلس الجماعة الترابية، فيما يخص مجال المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع داخل المجال الجغرافي للجماعة الترابية لسيدي علال التازي، والمشاركة في إعداد برنامج العمل للجماعة، بما يعني أن الهيئة التي تمثل صوت المجتمع لدى المجلس الجماعي تنخرط في دور منظم وتؤسس رؤية جماعية تعتمد الرأي الاستشاري الذي يعد عملية حيوية في مجال العمل الإداري، خاصة إذا كان ضمن أعضاء الهيئة أهل خبرة وممارسة في مجالات معينة ومختلفة تؤهلها (أي الهيئة) للمشاركة في برامج الجماعة الترابية ومشاريعها التنموية، وفق منهج تشاركي وشفاف من خلال المتابعة والتجميع المنتظم للمعلومات لاستخدامها في بناء رأيها بوعي يجعلها تدرك واقع الجماعة الترابية ومستوى تطلعات سكان دوائرها، كما أنها مطالبة بإخبار المواطنين وفعاليات المجتمع بما توفر لديها من وسائل متاحة عما قامت به من أعمال؛ وذلك من أجل تشجيع المواطنين على الانخراط في تدبير الشأن الجماعي ونشر ثقافة الاهتمام والتتبع والارتباط بالمجلس المنتخب ودوره في مسلسل التنمية.
ولهذا أكد السيد حاتم بنرقية رئيس المجلس الجماعي لسيدي علال التازي، في اجتماع مع أعضاء الهيئة، على استعداده بمعية أعضاء المجلس الجماعي للتعاون مع أعضاء الهيئة المختارة قصد تقديم نتائج إيجابية يُرى أثرها ملموسا بجماعة سيدي علال التازي، وكذا إتمام مشوار التنمية التي ابتدأها في الولاية السابقة للمجلس السابق، وحل المشاكل العالقة حسب الأولوية والأهمية والضرورة، تدريجيا حسب إمكانيات الجماعة وقدرتها.
وقد وقع الاختيار على أعضاء هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع بجماعة سيدي علال التازي، حسب معايير محددة، انطلاقا من مجال اشتغال جمعياتهم، فتضمنت اللائحة النهائية والمصادق عليها: جمعيات رياضة، وثقافية، وتنموية، واجتماعية، وحقوقية، ونسائية، وجمعيات القنص، والفروسية التقليدية، وجمعيات مهنية، إضافة إلى جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، وجمعية الدعم المدرسي.. ولعل هذا التنوع ينتج عملا مشتركا يؤسس رؤية استراتيجية للعمل وطرح آراء تساهم في تفعيل النص الدستوري وتنزيل مقتضياته على أرض الواقع، لأن الغاية ليست في إحداث هيئة تشاورية إرضاء للنص الدستوري، ثم يليه تعليق مهامها، وإنما الغاية هو عملها الذي ستقدمه من خلال مشاركتها الفاعلة في التخطيط للمشاريع التنموية للجماعة الترابية والتي تفيد الحياة العامة للسكان طوال مدة اشتغالها والتي تتوافق مع مدة انتداب المجلس الجماعي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: