سمعت أن مخترع المسدس قال بعد أن أتم اختراعه (الآن تساوى الشجاع مع الجبان). أقترح على مخترع فيسبوك أن يقول (الآن تساوى المثقف مع الجاهل). الجميع صار يفتى في فيسبوك في كل شيء. لا يهم أن يفتي الجاهل بما لا يعرف فهذه سنة المجالس والاستراحات. المشكلة أن يفتي صاحب مؤلفات وتاريخ ثقافي وأستاذ في الجامعة بما لا يعرف. لا أحد يأخذ الجاهل بجدية والجاهل نفسه لا يشعر بالمسؤولية تجاه أحد في مسألة طرح الرأي، المسألة بالنسبة له مؤانسة ، الناس تحاكم المثقف ، تتعامل معه بجدية حتى في المجالس والاستراحات وإذا ظهر على منصة عامة تصبح آراؤه ذات مسؤولية كاملة، لكن إغراء السهولة والكلمة السريعة في مواقع التواصل الاجتماعي دفعا بالمثقف إلى التسرع والانزلاق في سلوك العوام. الكتابة الأساسية تبدأ برأي شبيه بما تطرحه في تويتر في سطرين لكن مقرها الدماغ وليس الورق أو النشر. الكتابة عن هذه الفكرة وتقليب أمرها على الورق هو اختبار لها ، هل تستحق أن تطرح وإذا طُرحت فأي قدر من التفاصيل تحتاج لكي أكون مسؤولاً عنها وعن تبعاتها، ما يقدمه المثقف في مواقع التواصل الاجتماعي في سطرين هو المادة الخام (الفكرة الخام) التي يتوجب أن يحتفظ بها لنفسه إلى أن يتم بناءها في سياقها ضمن مجموعة الأفكار الأخرى التي تدعمها. الفكرة تحتاج إلى صقل وإعادة تصنيع، عندما تطلقها في شكلها الأولى قد تندم عليها غداً أو بعد عامين. المشكلة في فيسبوك او تويتر أن اتجاه الوعي انقلب، صار المثقف يقترب من أسلوب الجاهل وطريقته في التفكير وليس العكس، الأحداث الكبرى والأحداث واسعة التداول تكشف لك أشياء كثيرة. عندما بدأت قضية المرحوم ريان عبّر الجميع عن رأيه، هذا شيء طبيعي ولكن تويتر سهّل على المثقف الخوض فيما يعرف وما لا يعرف، أعطاه فرصة الجاهل، تبين أن كثيراً من هؤلاء المثقفين لا يميز مثلاً بين دور المخرج ودور كاتب السيناريو، هذه أيضاً ليست مشكلة لو قالها في مجلس أُنس لا على منصة عامة. لو أن هذا المثقف كتب رأيه في مقال سيواجه مأزق التفاصيل مما يضطره إلى الكف عن طرح رأي في مسألة لا يحسنها، مع مواقع التواصل الاجتماعي صار المثقف يفقد احترام المحترفين بالتدريج، يتكلم في قضايا هندسية وقضايا طبية وقضايا فنية ودرامية إلخ. تغريه سهولة كتابة السطرين، في كل مرة يعبّر عن رأيه في صنعة لا يحسنها يفقد احترام أصحاب هذه الصنعة، من يفقد احترام المحترفين سيجد نفسه في النهاية في صفوف الجاهلين.