هل ستبقى افريقيا حلبة للصراع الجزائري المغربي؟

بولحية

هل من المبالغة القول إن جزءا كبيرا من مصير القارة السمراء، قد يتحدد في منطقة الشمال الافريقي دون غيرها من المناطق الساخنة والملتهبة الأخرى؟ ما لم يختلف حوله اثنان بالتأكيد، هو أن فصول الصراع الجزائري المغربي المستمرة داخل وخارج افريقيا، لم تفتح بعد وبشكل كاف أنظار معظم الافارقة على الأبعاد الاستراتيجية الكبرى، التي تكتسيها تلك المنطقة.
ولا شك في أن أشياء كثيرة تغيرت حتى داخل هياكل ومؤسسات القارة. ففي إشارة مواربة إلى تقلص النفوذ التقليدي للجزائر، وجنوب افريقيا على المنظمة الافريقية، قال الناصر بوريطة الأحد الماضي لقناة “فرنسا 24” لقد “تغير الاتحاد الافريقي، ولم يعد حكرا على دولة أو دولتين”. لكن ما لم يقله وزير الخارجية المغربي في تصريحه هو، إن كان متيقنا من أنه سيكون بمقدور ذلك الاتحاد، في ظل الظروف الحالية التي تمر بها علاقة الدولتين، أن يبذل جهدا إضافيا لجمع المغاربة والجزائريين معا؟ أم أن استمرار القطيعة بينهما سيعجل في مرحلة ما بتشقق وتصدع بنيانه، وربما حتى تقوضه لاحقا وانهياره.
لقد غادره المغرب غاضبا ومحتجا منتصف السبعينيات، وعاد إليه متطلعا بشغف كبير قبل خمس سنوات، وربما ما زال هناك من يذكر الآن كيف وقف العاهل المغربي حينها، وألقى أمام القادة الافارقة خطابا حماسيا مشحونا بالعواطف والمشاعر الجياشة قال في بعض فقراته: “كم هو جميل هذا اليوم الذي أعود فيه إلى البيت بعد طول غياب. كم هو جميل هذا اليوم الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري إلى المكان الذي أحبه. فافريقيا قارتي وهي أيضا بيتي”. ليستدرك ويوضح أن “الانسحاب من منظمة الوحدة الافريقية كان ضروريا، فقد أتاح الفرصة للمغرب لإعادة تركيز عمله داخل القارة، ولإبراز مدى حاجة المغرب لافريقيا، ومدى حاجة افريقيا للمغرب”، معتبرا أن قرار العودة إلى تلك المؤسسة الافريقية كان “ثمرة تفكير عميق وهو اليوم أمر بديهي”. غير أن رجوع المغاربة إلى بيتهم، لم يسمح بفتح الباب الذي ظل موصدا لسنوات طويلة، أمام تصفية ولو جزء صغير من التركة الثقيلة لخلافاتهم مع جيرانهم الشرقيين، رغم أن الجزائر رحبت في ذلك الوقت بعودتهم وبطريقتها، من خلال تصريح قال فيه وزير خارجيتها رمطان لعمامرة حينها، إن “المغرب مرحب به كعضو رقم 55 في الاتحاد الافريقي على قدم المساواة مع الأعضاء 54 الحاليين، في ما يتعلق بالحقوق والواجبات”، في إشارة لا تخفى إلى رغبة الجزائريين في وضع جيرانهم المغاربة في كفة واحدة مع ما يطلقون عليها الجمهورية العربية الصحراوية. وكان واضحا للجميع بعدها كيف أن الصراع الدبلوماسي بين الغريمين ظل محتدما داخل البيت الافريقي وخارجه، وبوتيرة متصاعدة ومقلقة في بعض المرات، وصلت حد إعلان الجزائر، ومن جانب واحد الصيف الماضي عن القطيعة الدبلوماسية مع الرباط. والسؤال الذي بقي مطروحا في خضم كل ذلك هو، هل أن كل ما كان باستطاعة الافارقة فعله هو أن لا يرفضوا اليد المغربية التي مدت نحوهم، وأن يوفروا مكانا يلتقي تحت سقفه المغاربة والجزائريون، ولو بشكل غير مباشر؟ أم أنه كان مطلوبا منهم وبالموازاة مع ذلك أن يسعوا لحل ولو جزء بسيط من المشاكل العالقة بين الجزائر والمغرب؟ الأمر البديهي هو أنه لم يكن هناك ما يمكن أن يدل على أنهم بذلوا في السابق جهدا جماعيا مشتركا للاهتمام بملف التوتر المستمر بين البلدين، بما يمكن أن يعكس حقيقة انشغالهم بأي مضاعفات أو تأثيرات مرتقبة له، إن على دولهم أو منظمتهم.

ردة الفعل الافريقية فاترة وضعيفة على ما يجري بين المغرب والجزائر من صراعات حادة، حتى داخل أروقة وقاعات الاتحاد نفسه

ولا يبدو أن الأمر اختلف الآن، فحتى في ظل الوضع الحالي الذي تشهده علاقة الدولتين، والذي أقل ما يقال عنه إنه غير طبيعي، فإن تلك المسألة لم تدرج على جدول أعمال القمة الخامسة والثلاثين للمنظمة الافريقية، التي أنهت أشغالها الأحد الماضي. غير أن ما كان لافتا هو أنه ومن بين كل القرارات التي أعلن عنها في ختام أعمال تلك القمة، كان أكثر ما خطف الأضواء، قرار أخذه المشاركون بإلغاء جلسة نقاش كانت مقررة لبحث مسألة منح صفة مراقب للكيان الإسرائيلي في المنظمة الافريقية، وتعليق الإجراء الذي أخذه رئيس الاتحاد الصيف الماضي في ذلك الشأن، مقابل تشكيل لجنة تضم سبعة رؤساء دول لدراسة الموضوع في وقت لاحق. وفيما قدم ذلك على أنه انتصار باهر للدبلوماسية الجزائرية، التي وقفت بقوة ضد تسلل الإسرائيليين إلى المنظمة الافريقية، فإنه أعاد للسطح مرة أخرى حالة الصراع والاستقطاب الحادة بين جارتي الشمال الافريقي، التي كان الكيان الإسرائيلي واحدا من عناصرها، وكانت قمة أديس أبابا الأخيرة محطة أخرى من محطاتها الإقليمية والدولية العديدة. لقد انتبه الافارقة إلى أن التصويت على قرار بقبول تل أبيب مراقبا في منظمتهم يمكن أن يثير الانقسامات، مثلما قال الرئيس السنغالي. وهذا ما يدل على أن الهاجس الأكبر لهم كان الحفاظ على تماسك منظمة تستعد للاحتفال الصيف المقبل بمرور عشرين عاما على تأسيسها خلفا لمنظمة الوحدة الافريقية. لكن ما الثمن الذي كان عليها دفعه مقابل تلك الوحدة الشكلية؟ وهل أن البحث بأي صورة كانت عن تحصيل توافقات في قارة تعج بالصراعات والتوترات صار هدف الاتحاد الافريقي؟ إن المشكل هو أن الأمر يتعلق ببلدين كبيرين ومؤثرين في الساحة الافريقية، لا بلدين هامشيين يلعبان أدوارا ثانوية في القارة السمراء، فما الذي يمكن أن يفسر إذن ردة الفعل الافريقية الفاترة والضعيفة على كل ما يجري بينهما من صراعات حادة، حتى داخل أروقة وقاعات الاتحاد نفسه؟ ربما سيقول البعض إن انخراط منظمة الوحدة الافريقية في وقت مبكر في الخلاف المغربي الجزائري على الصحراء، هو الذي عقّد الوضع وجعل أي تدخل في باقي الملفات والمشاكل العالقة بينهما أمرا صعبا وبالغ التعقيد. لكن ذلك قد لا يبدو العائق الوحيد أو الأكبر، فقد تجاوز المغرب مسألة الاعتراف بما يسمى الجمهورية الصحراوية واستطاع خلال السنوات الخمس الاخيرة أن يحقق عدة اختراقات دبلوماسية مهمة، جعلت عدة دول افريقية تسحب اعترافاتها بها، فيما أقدمت أخرى على فتح قنصليات لها داخل التراب الصحراوي، في إشارة واضحة إلى دعمها للمقترح المغربي لحل المشكل، من خلال منح الحكم الذاتي لتلك المناطق، غير أن المأزق الحقيقي يكمن في ترسخ سياسة التحالفات والتحالفات المضادة داخل القارة، وعلى مر عقود طويلة ووقوفها سدا منيعا أمام أي مبادرة من جانب الدول الافريقية للقيام بجهد جماعي للتقريب بين المغرب والجزائر. والخطر الذي قد يشكله ذلك هو ليس فقط أن تلك السياسة صارت تغذي الخلافات بين المغاربة والجزائريين وتؤججها، بل كونها ترسخ انطباعا بأن هناك الآن اتحادين افريقيين أحدهما للجزائر والآخر للمغرب. ويبدو أن بعض الدول الافريقية الكبرى لا تنتبه وبالقدر المطلوب إلى عواقب استمرار ذلك الوضع وانعكاساته المدمرة على منظمة كان أول هدف نص عليه ميثاقها هو تحقيق وحدة وتضامن أكبر في ما بين البلدان والشعوب الافريقية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: