تدابير غير واقعية تعيق خطط الجزائر للنهوض بالاقتصاد

البليدي

تصطدم محاولات الجزائر نحو دفع الاقتصاد إلى منطقة النمو الإيجابي بعيدا عن إيرادات الطاقة بالكثير من العقبات عرّاها استياء أصحاب المهن الحرة من اعتماد إجراءات ضريبية لا تبدو واقعية في موازنة 2022، والتي يرى خبراء أنها مثار جدل بالنظر إلى التبريرات الموضوعية التي تقف حائلا أمام تنفيذ أي خطط من هذا النوع.

أقر مجلس الوزراء الجزائري حزمة من الإجراءات لتحقيق “سنة الإقلاع الاقتصادي”، والتي تروج لها الحكومة، وتراهن عليها للخروج من المأزق الاقتصادي والاجتماعي المتراكم.

لكن المخاوف تبقى قائمة من مغبة السقوط مجددا في مطب الاستمرار في التسيير الإداري لدواليب الاقتصاد، خاصة وأن مساوئ موازنة العام الحالي بدأت تظهر، بعد توسع عدوى الاحتجاج على النظام الضريبي في أوساط المهن الحرة.

وأعطى الرئيس عبدالمجيد تبون توجيهات جديدة خلال اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، شملت عدة قطاعات حساسة، لتكون منصة للنهوض بالاقتصاد الذي تعول عليه السلطة لتحقيق أهدافها، ويتعلق الأمر بالطاقات البديلة والصيد البحري والمؤسسات الناشئة وتشغيل الشباب.

ويُبدي خبراء مخاوفهم من السقوط في مطب التسيير الإداري لدواليب الاقتصاد، في ظل تمسك الحكومة بالتدخل في مفاصل العملية، حيث تمت الاستعانة في الآونة الأخيرة بمؤسسة وساطة الجمهورية، لتذليل الصعوبات الإدارية التي تحاصر العديد من الاستثمارات.

وشددوا على أن الاقتصاديات الناشئة تقوم على حرية المبادرة واستقرار المنظومة التشريعية وتحسين مناخ الأعمال، وليس تكرار الأجهزة الإدارية.

ويرى الخبير حميد علوان أن تدخل الحكومة في الآليات الاقتصادية والتجارية والاستيراد والتصدير وتحديد سعر العملة المحلية، وتكثيف الأجهزة الإدارية سيحدّ من روح المبادرة الفردية ويفتح المجال إلى ضحايا جدد كما كان خلال العهد السابق.

حميد علوان: تحسين مناخ الأعمال والقوانين والشفافية قبل تنفيذ أي خطة

وقال في تصريح لـه إن “تحسين مناخ الأعمال واستقرار المنظومة التشريعية وإضفاء الشفافية، هي عوامل ضرورية قبل الذهاب إلى أي مخطط واعد”.

وبدأ قانون المالية لعام 2022، في فرز تداعياته الاجتماعية، بعد توسع عدوى الاحتجاج على النظام الضريبي المستحدث خلال الآونة الأخيرة.

فقد شن منتسبون لقطاع المهن الحرة كالمحامين وكتاب العدل (المحضرين القضائيين والموثقين)، إضرابات عن العمل للضغط على الحكومة، للتراجع عن مستوى الضريبة التي فرضته بعدما رفعتها من نحو 12 إلى 35 في المئة من رقم الأعمال.

ويبدو هذا ليس كل شيء، فقد ركز تبون وحكومته على أهمية ترشيد الاستهلاك الداخلي للغاز للمحافظة على موارد الطاقة للرفع من قدرات التصدير، والتعاون مع الدول المتقدمة عمليا، في البحوث حول تقنيات تعميم استعمال الطاقات المتجددة.

وهذا يوحي إلى أن السلطة لا زالت تضع الثروة النفطية والغازية كملاذ وحيد لنهضة المنظومة الاقتصادية المرتهن لعوائد الطاقة، في ظل غياب البدائل لحدّ الآن والفشل المتراكم في التحرر من الريع النفطي.

وحتى تصل إلى أهدافها الطموحة، وضعت السلطات أجندة تمتد إلى ثلاثة أشهر لتحقيق التحول الطاقي، باستعمال الطاقة الشمسية، في بعض مؤسسات ومرافق الدولة، خاصة الصحة والتربية.

كما ألزمت كافة البلديات باستعمال الطاقة الشمسية في الإنارة، بما فيها الطرقات السريعة والمناطق الجبلية، كالأوراس والونشريس وجرجرة، فضلا عن إعادة تحديد مقاييس استيراد المدفآت المنزلية، مراعاة لمعايير السلامة والتحوّل الطاقي.

وفي نفس السياق حضت الحكومة على الشروع التدريجي، في توجيه قطاع البناء والأشغال العامة نحو اعتماد معايير بيئية، تقلل من استهلاك الطاقة، وتضمن تفادي استعمال الموارد المضرة بيئيا، فضلا عن تنصيب المجلس الأعلى للطاقة، في أقرب وقت، لتكليفه بمهام الاستشراف والتقييم.

لكن في المقابل، لا زالت الحكومة تتجاهل المطالب المتصاعدة لأصحاب المهن الحرة، لمراجعة النظام الضريبي الذي أقرته موازنة 2022، رغم حملة التنديدات والإضرابات التي ينتظر أن تمتد إلى قطاع الصحة، مما يضع خطة الإقلاع الاقتصادي في حالة ارتباك مبكر.

وعلى خطى المحامين، احتجت الغرفة الوطنية للموثقين هي الأخرى على النظام الضريبي المعمول به، معتبرة أن الأعباء الضريبية المقررة من شأنها الإضرار بنشاط المكاتب العمومية للتوثيق، كما نددت برفض مطالبها من قبل الإدارة الجبائية، رغم المساعي والاقتراحات التي قدمتها خلال مناقشته على مستوى البرلمان.

35 في المئة الضريبة المفروضة على الأعمال الحرة بالموازنة الحالية ارتفاعا من 12 في المئة

وأكد رئيس الغرفة الوطنية للموثقين رضا بن ونان، على ضرورة الاقتطاع من المنبع، ما يعني الدفع المباشر للحقوق المستحقة للدولة بمجرد تحريره العقد، بالإضافة إلى الإبقاء على النظام الجبائي الحالي مع تخفيض الضريبة من 20 إلى 15 في المئة، فضلا عن تقليص نسبة الأعباء غير المبررة.

وعلقت الغرفة الوطنية للمحضرين القضائيين العمل ابتداء من الأحد، وقالت إنها لن تعمل بقانون المالية لسنة 2022 في ما يخص مهنة المحضر القضائي.

ويأتي قرارها بعدما تم فرض رسوم التسجيل على محاضر المحضر القضائي تفوق قيمة المحضر ذاته. وقالت الغرفة في بيان إن ذلك “سيدفع بالمتقاضين إلى العزوف عن اللجوء إلى العدالة للمطالبة بحقوقهم وهذا ما يمس بمبدأ حق اللجوء إلى القضاء”.

واعتبرت أيضا أن فرض نسب مرتفعة على دخل المحضر القضائي سيؤدي لا محالة إلى غلق مكاتبهم.

وهددت قطاعات واسعة من السلك الطبي الخاص بالدخول في إضراب والاحتجاج على التعديل الجديد لقانون الضرائب، لاسيما أطباء الأسنان الذين طالبوا بالعودة إلى نظام الضريبة الجزافية الذي كانت تطبق فيه على أصحاب المهن الحرة نسبة 12 في المئة من رقم الأعمال.

لكن المديرية العامة للضرائب الحكومية، سعت إلى الدفاع عن النظام الضريبي المعتمد من خلال التأكيد على أن “مقارنة النظام السابق مع النظام الضريبي المبسط ليست في محلها”.

وقالت في بيان إن “العبء الضريبي سينخفض كون الضريبة التي ستطبق عليهم، هي الضريبة على الدخل الإجمالي وسوف تقوم المديرية بتحديدها من خلال الفرق بين الإيرادات المحققة والمصاريف المحققة، ما يشكل الدخل الذي سيخضع للضريبة على الدخل الإجمالي، وهو ما سيسمح لهم بخصم كل المصاريف”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: