فتحت منظمة العفو الدولية عريضة على موقعها الرسمي من أجل حض الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على رفع حالة القمع والتضييق على الحقوق والحريات، وتلبية مطالب المساجين المضربين عن الطعام منذ عدة أيام، وهو ما سيضع قضية السجناء المذكورين على حافة التدويل، رغم التكتم الذي يميز موقف السلطة إلى حد الآن، حيث لم يصدر عنها أي تعليق أو بيان باستثناء النفي الذي جاء من طرف النيابة العامة لقضاء العاصمة.
ودعت منظمة العفو الدولية إلى توقيع عريضة ستوجه إلى الرئيس عبدالمجيد تبون، من أجل إطلاق سراح من أسمتهم بـ”سجناء الرأي”، وهم العشرات من الناشطين المحسوبين على الحراك الشعبي، والمتواجدين في حالة توقيف أو سجن، بينما لا تزال سلطات البلاد تنفي وجود سجناء سياسيين، وتشدد على أن المعنيين يتابعون في إطار القانون العام.
وجاء دخول المنظمة الدولية الحقوقية على خط أزمة إضراب الجوع الجماعي سريعا تلبية لاتصالات ودعوات فواعل سياسية وأهلية مهاجرة تعارض السلطة، وتدعم خيار الإضراب عن الطعام كوسيلة من وسائل الاحتجاج على السلطة، بعدما أحكمت قبضتها على كل المفاصل السياسية والإعلامية، ووظفت الإجراءات الوقائية ضد وباء كورونا لحظر التجمهر والمظاهرات.
وقالت المنظمة إن “أربعين معتقلا بدأوا إضرابا جماعيا عن الطعام، احتجاجا على تهم زائفة ضد ممارسة حريتهم في التعبير عن الرأي المعارض للسلطة، وإن المضربين يطالبون بإنهاء اعتقالهم التعسفي على غرار النشطاء محمد تاجديت وعبدالله بن نعوم ومالك رياحي”.
تضارب المعلومات حول مصير السجناء المضربين حيث تتحدث تقاريرعن تحويل بعضهم من المؤسسة العقابية بالحراش إلى سجون أخرى كالبويرة والقليعة والبرواقية
واتهمت المنظمة السلطات الجزائرية بـ”استغلال تفشي وباء كورونا لتكثيف وتيرة حملة القمع ضد نشطاء الحراك الشعبي”، بينما اعتبرت الحكومة أن الإجراءات المطبقة هي تدابير وقائية معمول بها في مختلف دول العالم لتوخي انتشار الوباء، وأن الاستحقاقات الانتخابية المنتظمة منذ نهاية العام 2019 كانت كفيلة بتحقيق مطالب الحراك الشعبي.
وتذكر العريضة التي عرضتها المنظمة للتوقيع، بأن “الجزائر تشهد منذ شهر فبراير 2019 حركة احتجاج سلمية، دعا إليها الحراك الشعبي للمطالبة بإحداث تغيير سياسي جذري في البلاد، لكن السلطة واجهته بالقمع والتضييق على الحريات الأساسية، وأنه رغم توقيف الناشطين لحركة الاحتجاج والتظاهر بسبب جائحة كورونا، إلا أن السلطات لم تعلق ملاحقاتها لهم”.
ويعتبر مدافعون عن حقوق الإنسان ومحامون في الجزائر أن البند الـ87 مكرر الذي استحدثته الحكومة في قانون العقوبات، جاء من أجل التضييق على الحريات الأساسية، وتوظيف الإرهاب في ملاحقة معارضي السلطة.
ودعت المنظمة في هذا الشأن إلى “وقف الملاحقات القضائية التعسفية لنشطاء الحراك، وإلى الإفراج الفوري ودون قيد أو شرط عن جميع النشطاء السلميين”، وأن أربعين معتقلا شرعوا في إضراب جوع احتجاجا على التوقيف غير المبرر، وعلى تكييف التهم الموجهة إليهم كجنايات تصدر عنها أحكام ثقيلة.
وفيما تحدثت تقارير محلية عن الإفراج عن السجين عبدالله بن نعوم بعدما خاض أكثر من 130 يوما مضربا عن الطعام، دون أن تتسنى معرفة الشروط التي وضعت له مقابل الإفراج، وكذلك العقوبة المالية التي طُلب دفعها منه (حوالي ثمانية آلاف دولار)، فإن معلومات أخرى تحدثت عن تحويل بعض السجناء المضربين من المؤسسة العقابية بالحراش في العاصمة إلى سجون أخرى في تراب الجمهورية كالبويرة والقليعة والبرواقية.
ولا تزال السلطات الجزائرية تتكتم على قضية الإضراب الجماعي في السجون الجزائرية، بعدما ترددت معلومات عن توسعه إلى نحو سبعين مضربا، حيث لم يصدر عنها أي بيان أو تعليق، إلا ما ورد من طرف النيابة العامة لقضاء العاصمة، التي نفت حينها “وجود أي إضراب عن الطعام لدى السجناء”، وهددت بمتابعة مروجي “الشائعات”، في إشارة إلى هيئة المحامين والحقوقيين التي تتطوع للدفاع عن سجناء الرأي.
وجاء بيان منظمة العفو الدولية والعريضة المفتوحة لدى المهتمين، من أجل توجيهها إلى الرجل الأول في الدولة، لتزيد من حرج السلطة الجزائرية أمام الرأي العام الدولي والحقوقي، خاصة وأن لجنة حقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة سبق لها أن لفتت الجزائر إلى وقائع مطروحة لديها تتحدث عن خرق لحقوق الإنسان، وإلى البند 87 مكرر من قانون العقوبات الذي وصفته بـ”الفضفاض” و”المتنافي مع التوصيفات الدولية للإرهاب”.
وفيما نفى الرئيس تبون في تصريحات سابقة وجود “سجناء سياسيين” في بلاده، ومع تأكيد الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بوزيد لزهاري أن المعنيين متابعون في إطار القانون العام ولا علاقة لهم بالرأي السياسي، فإن تنسيقية الدفاع عن سجناء الرأي تتحدث في تقاريرها عن أكثر من ثلاثمئة معتقل بسبب انتمائهم ونشاطهم في الحراك الشعبي.