اتخذت الخلافات القائمة بين الهيئات الحقوقية المدافعة عن سجناء الرأي والجهاز القضائي في الجزائر منحى سياسيا بعد بيانات ومواقف متباينة عمّقتها التهديدات بالملاحقة القضائية، فضلا عن تضارب الأخبار حول إضراب نشطاء في الحراك الشعبي عن الطعام في السجون.
تصاعد السجال بين السلطة القضائية وهيئة حقوقية تدافع عن سجناء الرأي، وذلك بعد إضراب الجوع المعلن عنه من طرف عدد من هؤلاء، في إحدى المؤسسات العقابية بالعاصمة الجزائرية. ففيما يصر المحامون على أن السجناء دخلوا في الإضراب المذكور، نفت النيابة العامة وقوعه وهددت بمتابعة المروّجين له.
وردت هيئة الدفاع عما يعرف في الجزائر بـ”معتقلي الرأي”، على بيان النيابة العامة بالعاصمة، عبر بيان رفضت فيه ما أسمته بـ”تهديدات النيابة العامة بالملاحقة القضائية في حق المحامين، على خلفية إخبارهم الرأي العام بدخول أربعين ناشطا في الحراك الشعبي من الموقوفين في السجون في إضراب عن الطعام”.
وشددت على أن “التكذيب الذي جاءت به النيابة في بيانها، إما أنه بني على مغالطات، وإما أنه تجاهل ذكر كل الحقيقة”، وهو ما يوحي بأن قبضة حديدية قائمة بين الهيئة المذكورة وبين النيابة العامة، وأن ما يروج حول إضراب مساجين في المؤسسة العقابية بضاحية الحراش في العاصمة، تحول إلى مادة سياسية دسمة، على اعتبار أن هؤلاء يوصفون بـ”معتقلي الرأي”.
النائب العام في قضاء العاصمة كذّب المعلومات المتداولة حول دخول بعض المساجين في إضراب عن الطعام
وكان النائب العام في قضاء العاصمة سيد أحمد مراد، قد أصدر بيانا كذّب فيه المعلومات التي تداولتها بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، حول دخول فئة من المساجين بالمؤسسة العقابية بالحراش في إضراب عن الطعام، منذ الجمعة الماضي.
وأوضح أنه “على إثر تداول بعض وسائل الإعلام لأخبار تفيد بدخول البعض من المحبوسين بالمؤسسة العقابية بالحراش في إضراب عن الطعام في الثامن والعشرين من يناير المنقضي، وعملا بأحكام المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، فإن النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر وبغية منها في تنوير الرأي العام، تفنّد هذه المعلومات المغرضة”.
وأكد على أنه “لم يقع تسجيل أي حالة إضراب عن الطعام بالمؤسسة العقابية المذكورة، وأن مروجي هذه المعلومات الخاطئة التي من شأنها المساس بأمن واستقرار المؤسسات قد يتعرضون للمساءلة الجزائية، لما لهذه الأخبار من تأثير سلبي على النظام العام بصفة عامة وأمن مؤسسة الدولة بصفة خاصة”، في إشارة إلى هيئة الدفاع عن سجناء الرأي التي أعلنت عن الإضراب عبر بيان رسمي لها.
وأوضحت بأن “زيارة فريق من هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي، الأربعاء والخميس، جعلها تقف على خبر استعداد عدد معتبر من سجناء الرأي للدخول في إضراب عن الطعام ابتداء من الجمعة الموافق للثامن والعشرين من يناير، غير أن البعض منهم شرع في الإضراب قبل الجمعة، وقدم التصريح المكتوب لإخطار إدارة السجن امتثالا لنص المادة 64 من قانون تنظيم السجون”.
وأضافت “جهات الإدارة امتنعت عن تسلم التصريحات بالإضراب، وأصرت على رفضها لأيام بقي فيها بعض السجناء في إضراب رغم امتناع الإدارة عن تسلم التصريح، وما زالوا مضربين إلى غاية الآن، وعند زيارة هيئة الدفاع الأحد لبعض السجناء، علمت منهم أن إدارة السجن تسلمت بعض التصريحات بالإضراب بينما ما زال الكثير من التصريحات معلقا”.
وكانت نفس الهيئة، قد كشفت في بيانها الأول أن “أربعين ناشطا في الحراك الشعبي يستعدون للدخول في إضراب عن الطعام ابتداء من الجمعة وذلك احتجاجا على المتابعات والتهم الباطلة الجنحية منها والجنائية، وكذلك تمديد فترة الحبس المؤقت غير المبررة”.
وهو الأمر الذي نفته النيابة العامة، بالتأكيد على “عدم تسجيل أي حالة إضراب عن الطعام بالمؤسسة العقابية المذكورة”، وهددت بمتابعة من أسمتهم بـ”مروجي هذه المعلومات الخاطئة التي من شأنها المساس بأمن واستقرار المؤسسات وقد يتعرضون للمساءلة الجزائية، لما لهذه الأخبار من تأثير سلبي على النظام العام بصفة عامة، وأمن مؤسسة الدولة بصفة خاصة”.
وفيما تنفي السلطة السياسية في البلاد وجود معتقلي أو سجناء رأي في البلاد، وتشدد أن المشار إليهم يخضعون لمتابعات قضائية في إطار القانون العام، تحصي التنسيقية الوطنية للدفاع عن معتقلي الرأي، أكثر من ثلاثمئة معتقل من الرجال والنساء ومن مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، وفيهم مدونون وصحافيون ومحام وناشطون سياسيون معارضون.
السلطات تنفي وجود معتقلي أو سجناء رأي وتشدد أن المشار إليهم يخضعون لمتابعات قضائية في إطار القانون العام
واستفيد من هيئة المحامين والحقوقيين، وعلى رأسهم عبدالغني بادي، بأن اختيار توقيت الشروع في الإضراب ينطوي على رسالة سياسية رمزية، تتمثل في إضراب مناضلي جبهة التحرير التاريخية في سجون الاستعمار الفرنسي في التاريخ المذكور.
وكانت تنسيقية الدفاع، قد أعلنت في غضون الأسبوع الماضي، عن نقل ثلاثة سجناء الحراك الشعبي إلى مستشفى حكومي بالعاصمة، نتيجة تضرر وضعيتهم الصحية إثر دخولهم في إضراب عن الطعام، وذكرت أن الأمر يتعلق بكل محمد تاجديت، نورالدين خيمود، وعبدالحق بن رحماني، وصرحت المحامية مريم قاسيمي، التي تتولى الدفاع عنهم، أن المتهمين الثلاثة متابعون بتهمة واحدة ويتواجدون في السجن المؤقت منذ شهر أغسطس الماضي، وأنهم يعانون الإرهاق لكنهم تحت مراقبة الأطباء في انتظار صدور التحاليل”.
وسبق للناشط المعارض محمد تاجديت، الذي يوصف بـ”شاعر الحراك”، أن أفرج عنه في إطار العفو الرئاسي العام 2020، لكنه أوقف مجددا خلال شهر أغسطس الماضي، ووجهت له وللاثنين الآخرين تهمة “المساس بالوحدة الوطنية والتجمهر غير المسلح وإهانة رئيس الجمهورية ونشر أخبار كاذبة”.
وتسود حالة من التشنج السياسي في الجزائر، منذ استعادة السلطة للمبادرة السياسية والسيطرة على الشارع، غداة تنظيم العديد من الاستحقاقات الانتخابية، ودخول جائحة كورونا على الخط، حيث باتت تمثل غطاء للإجراءات الوقائية التي تحظر التجمع والتجمهر في الطرقات والأماكن العمومية، فضلا عن توسيع نطاق المقاربة الأمنية في معالجة الأزمة السياسية والتعاطي مع فواعل الحراك الشعبي.
وكان عدد من النشطاء المعارضين، وعلى رأسهم رئيس الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو، قد وجه في وقت سابق رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يدعوه فيها إلى التدخل لدى النظام الجزائري لرفع ما أسماه بحملة القمع والتضييق المطبقة على المعارضين، وهو ما اعتبر بداية لتدويل الوضع السياسي الداخلي للبلاد.