لماذا تتمسك الجزائر باستضافة قمة عربية لا خير فيها؟

رباحي

أخطأ الراحل معمر القذافي في الكثير من السياسات والمواقف، غير أنه أصاب جدًّا في كفره بجامعة الدول العربية. لكن رغم استيائه منها وعيوبها المتراكمة، ورغم تهديده المتكرر على امتداد السنوات بالانسحاب منها، لم يمتلك القذافي جرأة الانسحاب من هذه الجامعة الكسيحة. ولم يجد في اتجاهه نحو العمق الإفريقي بديلا عنها. وتلك علامة على صعوبة فخ الانتماء إلى الجامعة العربية واستحالة الفكاك منها تقريبا.

كان ذلك في ظروف سياسية إقليمية أفضل مما هي الآن ولا تشجع على تطليق الجامعة العربية. اليوم، وبالنظر إلى ما وصلت إليه العلاقات العربية من تردٍّ وتشرذم، يبدو الانسحاب أقل صعوبة لتنفيذه وتسويقه.

في زمن القذافي كانت الجامعة العربية قابلة للإصلاح، وإن بصعوبة. لكن بعض الأعضاء، وعلى رأسهم مصر، رفضوا فتح باب الحديث عن أيّ إصلاح لأنه كان سيعني إعادة النظر في الأمانة العامة وبقية المناصب القيادية وكيفية توليها. ذلك كان سيَمسُّ بقدسية احتكار مصر للأمانة العامة وبتحكمها في آليات عمل الجامعة ومواقفها.

اليوم، لا أمل ولا فرصة في إصلاح الجامعة العربية. علاجها الحل وصرف الموظفين والدبلوماسيين إلى بيوتهم وبلدانهم. سعيُ الجزائر الحثيث لاستضافة القمة العربية المقبلة، وإصرارها على إنجاحها، تفكير مفصول عن الواقع. ما يسمى الصف العربي لم يعد موجودا، وحديث الرئيس عبد المجيد تبون عن توحيده بعيد أيضا عن الواقع والواقعية السياسية.

حتى لو استضافت الجزائر القمة، يبقى نجاحها قصة أخرى مختلفة تماما تحتاج إلى تعريف مصطلحَي النجاح والفشل في هذا السياق. وليس العيب في نوايا الجزائر بقدر ما هو أيضا في معطيات أخرى موضوعية، وفي الأعضاء ومواقفهم وذهنياتهم السياسية.

قمة الجزائر، إذا ما عُقدت وعندما تُعقد، ستكون الأكثر صعوبة وخطورة. وقد تكون الأقل من حيث التمثيل الرسمي (نوعية الحضور أصبحت وحدها مقياس نجاح القمة).

عدا حالات استثنائية محدودة مثل القمم التي أعقبت أحداثا كبرى.. كقمة «اللاءات الثلاث» في الخرطوم بُعيد نكسة 1967، وقمة تونس (1979) على وقع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وكذلك قمة فاس (1982) عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لم تشهد الجامعة العربية قمة ملوك ورؤساء في مستوى خطورة القمة المنتظرة في الجزائر هذا العام.

الفرق اليوم أن قمم الخرطوم وتونس وفاس، مثلا، عُقدت على خلفية ما سبقها من أحداث خطيرة، وتخللتها مشاعر وأمزجة متقاربة قادت إلى مواقف متقاربة. لكن قمة الجزائر 2022 تُعقد وسط انقسامات غير مسبوقة. تُعقد أيضا لحفظ ماء الوجه والاستعراض، وليس على خلفية قرارات انفرادية خطيرة مثل تطبيع الإمارات والمغرب والبحرين والسودان مع إسرائيل (هل يعرف أحدكم ما موقف الجامعة العربية من هذا التطبيع؟). وهي قرارات تضاهي في خطورتها اتفاقية كامب ديفيد في حينها وتزيد.

المنطقة العربية اليوم غارقة في كمٍّ ونوع من الأزمات تستعصي على الحل. سوريا في حاجة إلى قمة خاصة. ليبيا كذلك، اليمن والعراق وتونس ولبنان والتأزم المغربي الجزائري والعلاقة مع إيران. هذا عدا عن أزمات الصحة والتعليم والفقر وانعدام الأمل والهجرة غير المشروعة، وهي هموم أخطر من السياسة بكثير وتهدد الإنسان في وجوده.
الخطر الآخر أن الحكومات والأنظمة العربية منقسمة في العمق حيال كل أزمة من هذه الأزمات بلا استثناء. لا يوجد موقف عربي متقارب (دعك من موحد!) في أيٍّ من هذه الأزمات، ولن يكون. بعض الأزمات أوجدتها دول عربية ولعبت فيها أدوارا تخريبية خطيرة.. فهل تنتظر من الذئب تولّي دور الراعي؟

هناك حقيقة يحتاج المسؤولون الجزائريون إلى النظر فيها بجدية، تتمثل في غياب أي تأثير ملحوظ لهم في المحيط العربي. بؤر النفوذ وأدواته عربيا تغيّرت وانتقلت إلى دول أخرى. حدث ذلك في غياب الجزائر، إما بسبب الحرب الأهلية في التسعينيات، أو عندما احتكر بوتفليقة كل شيء فقرر شلّ البلاد بمجرد أن شلّه المرض.
النفوذ على العرب اليوم تحتكره دول بعينها ليس بينها الجزائر: السعودية بحكم القوة الاقتصادية والروحية. الإمارات بحكم القوة الاقتصادية والجرأة على خوض المغامرات الاستراتيجية. مصر تحاول الإمساك ببقايا تأثيرها التقليدي مدعومة خليجيا. ثم تأتي دول أخرى مثل قطر والكويت وعُمان.

الجزائر لا تملك أدوات النفوذ الجديدة. ليس لديها القوة الاقتصادية لتنافس الإمارات والسعودية وقطر. تقاليدها الدبلوماسية الموروثة من الحرب الباردة تشلُّ حركتها. التقاليد ذاتها تثنيها عن أيّ جرأة دبلوماسية. كل هذا يجعل الجزائر عاجزة عن فرض كلمتها في محفل مثل القمة العربية وما تموج به من تشابكات ودسائس.

على الجزائر أن تفكر في إيجاد ذريعة مناسبة تتنازل بها عن استضافة قمة عربية قد لا تنعقد، وإذا ما انعقدت لن تكون أكثر من مناسبة لتبادل الكلمات الدبلوماسية الجوفاء والتقاط صور للذكرى، ثم ينصرف كل ضيف إلى بلده بسرعة البرق. لو ألغت الجزائر القمة من أساسها لا أحد سيحزن، بل سترفع الحرج عن الكثيرين من القادة العرب.

إذا كانت السلطات الجزائرية تريد استعادة مكانتها في العمل الدبلوماسي الإقليمي، فالجامعة العربية ليست البوابة الأفضل. بل هي الأسوأ. والقمة العربية فخ وليست منصة انطلاق. على الجزائر أن تتوقف عن انتظار شيء من الجامعة العربية. عليها الالتفات إلى إفريقيا، وعليها أيضا إصلاح علاقاتها مع فرنسا والاتحاد الأوروبي والفضاءات الاقتصادية والاستراتيجية الأخرى في القارات الخمس.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: