قرر عدد من معتقلي الرأي الدخول في إضراب عن الطعام، للتنديد بممارسات السلطة، خاصة في ما يتعلق بالموضوعين تحت النظر دون محاكمات، أو تكييف التهم إلى أفعال جنائية تمهيدا لصدور أحكام ثقيلة.
وأفاد الحقوقي والمحامي عبدالغني بادي، في تدوينة له على حسابه الخاص في فيسبوك، بأن أربعين مسجونا في سجن الحراش في العاصمة أخطروا إدارة السجن بالدخول في إضراب عن الطعام بداية من يوم الجمعة، للتنديد بالأوضاع والظروف التي تحيط بقرار سجنهم، وللفت انتباه الرأي العام حول ما يرونه “قمع السلطة للمعارضين السياسيين”.
وأكد عبدالغني بادي أن “قرار نشطاء الحراك الدخول في إضراب عن الطعام، جاء احتجاجا على المتابعات والتهم الباطلة، الجنحية منها والجنائية، وكذلك تمديدات الحبس المؤقت غير المبررة، وأسباب كثيرة سيفصلون فيها لاحقا”.
وأضاف “سجناء الحراك اختاروا يوم الثامن والعشرين من يناير لبدء الإضراب، لما له من رمزية مرتبطة بإضراب الثمانية أيام إبان ثورة التحرير العام 1957”.
المضربون تمسكوا بأن الوضع الذي أرغموا عليه هو تكريس لسياسة القمع والانتقام الممارسة من طرف السلطة تجاه النشطاء المعارضين
وكان تمديد سجن البعض دون محاكمات وتكييف تهم البعض إلى أفعال جنائية تمهيدا لصدور إدانات ثقيلة في حقهم، على رأس الانشغالات التي رفعها المضربون، وتمسكوا بأن الوضع الذي أرغموا عليه هو تكريس لسياسة القمع والانتقام الممارسة من طرف السلطة تجاه النشطاء المعارضين، لاسيما المحسوبين على الحراك الشعبي.
ولا تزال السلطة الجزائرية تنفي وجود معتقلي رأي في السجون، أو “أي من المزاعم التي ترفعها بعض الدوائر السياسية والحقوقية، وأن الموقوفين يخضعون لجنح أو جنايات قانون عام لا علاقة لها بالرأي السياسي المعارض، كما تحاول بعض الأطراف استغلاله للمساس بسمعة البلاد”، حسب تصريح رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون.
وكان الرئيس السابق للمجلس الأعلى لحقوق الإنسان المقرب من السلطة بوزيد لزهاري، قد أشاد في تصريح سابق بإجراءات العفو التي أقرها تبون، لكنه نفى أن يكون هناك مساجين بسبب انتمائهم إلى الحراك الشعبي، كما دعا جميع الفاعلين في مجال حقوق الإنسان إلى توثيق وإبلاغ المجلس عن أي حالة تعرف خرقا في هذا المجال.
وتحصي في المقابل تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي (مستقلة) نحو 350 معتقلا سياسيا من الجنسين ومن مختلف الأعمار والمهن، وفيهم محامون ومدونون وصحافيون ونشطاء مستقلون، كما تتطوع لجنة من المحامين للدفاع عن هؤلاء، وعلى رأسها بادي والمحاميان مصطفى بوشاشي وطارق مراح.
وأكدت الهيئة أن “40 سجينا من نشطاء الحراك الشعبي قرروا بدء إضراب عن الطعام، احتجاجا على تمديد توقيف بعضهم دون محاكمات، وتوجيه تهم جنائية لعدد منهم، وصفت بالتعسفية”.
وفيما تتداول صفحات التواصل الاجتماعي أنباء عن دخول العشرات من هؤلاء في إضراب عن الطعام في مختلف المؤسسات العقابية، لم يتم التأكد إلا من دخول أربعين منهم يتواجدون في المؤسسة العقابية بالحراش، بحسب ما أفاد به بادي.
ويراهن المضربون على لفت انتباه الرأي العام المحلي والخارجي إلى الخطوة التي أقدموا عليها، وكسر ما يرونه “صمتا مريبا يمارس عليهم من طرف الطبقة السياسية والإعلام المحلي، رغم التدهور المطرد لوضعية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في البلاد”.
معتقلو الرأي يراهنون على لفت انتباه الرأي العام المحلي والخارجي إلى الخطوة التي أقدموا عليها وكسر ما يرونه صمتا مريبا يمارس عليهم
ولفت حقوقيون ومعارضون جزائريون إلى أن “حملة الاعتقالات المتواصلة في صفوف الناشطين المعارضين، وكذا مضايقة الأحزاب المعارضة وملاحقة كوادرها والسعي لحل بعضها، تثير مخاوف جدّية من أن تكون هذه الخطوات محاولة لشل أي تحركات قبيل تاريخ الذّكرى الثالثة للحراك الشعبي الذي اندلع في الثاني والعشرين من فبراير 2019، وأن تضييق الخناق على الحريات السياسية والإعلامية في البلاد، وخاصة تواصل الاعتقالات لنشطاء حقوقيين وسياسيين، سيضفي المصداقية على التقارير الدولية التي تنتقد بشدة الواقع الحقوقي والحريات في الجزائر”.
وكانت محكمة حسين داي بالعاصمة، قد وجهت عدة تهم للناشط السياسي ورئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض محسن بلعباس، في انتظار ما ستسفر عنه المرافعات في الجلسات المقبلة، حول القضية التي عرفت بوفاة غامضة لرعية مغربية كانت تشتغل في ملكية خاصة لمسؤول الحزب، رغم أنها لا تملك تصريح العمل والإقامة في الأراضي الجزائرية.
كما أدانت محكمة الاستئناف المرشح السابق للانتخابات الرئاسية الماضية الجنرال المتقاعد علي غديري، بأربع سنوات سجنا نافذة، وهو الشخصية السياسية التي وجهت لها تهم المساس بمعنويات الجيش وسمعة المؤسسة العسكرية.
وتأتي هذه التطورات بالموازاة مع حملة تطهير طالت جمعيات مستقلة وأحزابا سياسية، كما الشأن بالنسبة لجمعية “راج” التي قرر القضاء حلها، فضلا عن تجميد نشاط حزب العمال الاشتراكي المعارض، وهما من الفاعلين في الحراك الشعبي الذي اندلع قبل نحو ثلاث سنوات، دون تحقيق المطالب الأساسية التي خرج من أجلها ناشطون ومعارضون للسلطة.