تكاد تكون المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي يتقاسم فيها اليمين واليمين المتطرف المراتب الأربعة الأولى في استطلاعات الرأي، ما يضع مسلمي فرنسا أمام خيارات صعبة في ظل تصاعد الخطاب المعادي للإسلام والمهاجرين في الحملات الانتخابية.
ففي آخر استطلاع للرأي أجرته شركة “إيبسوس-سوبرا ستيريا”، الذي نُشر، السبت، لصالح صحيفة “لوموند” ومؤسسة” جان جوريس وسيفيبوف”، أظهر أن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، مازال يتصدر نوايا التصويت بـ25 في المئة، متقدما بنحو 10 نقاط عن أقرب منافسيه.
إذ حازت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان على 15.5 في المئة من نوايا التصويت، وهي ذات النسبة التي حصلت عليها فاليري بيكريس، مرشحة حزب الجمهوريين، الذي يمثل اليمين الديغولي التقليدي.
أما اليميني المتطرف إريك زمور، اليهودي من أصول جزائرية، فتراجع إلى المرتبة الرابعة بـ13 في المئة.
وإن اختلف المرشحون الأربعة حول عدة ملفات، إلا أن الشيء الوحيد الذي يجمعهم هو خطابهم المعادي للمسلمين والمهاجرين، والتهويل من خطر التهديد الذي يمثله الإسلام على هويتهم العلمانية.
ماكرون.. من اليسار إلى الوسط فاليمين
ماكرون، الذي خرج من عباءة الحزب الاشتراكي (يسار) ثم أسس حزب الجمهورية إلى الأمام (وسط) الذي ضم أجنحة من اليسار وأخرى من اليمين، سرعان ما جنح نحو اليمين بل وزايد في بعض الملفات على اليمين المتطرف في عدائه للإسلام والمسلمين بشكل غير مسبوق.
وأخطر ما خرج به ماكرون، إصدار قانون “مكافحة الانفصالية الإسلامية”، الذي يُضيق من حرية المسلمين، وكذلك غلق 3 مساجد خلال أشهر قليلة، وادعاء وزير داخليته جيرالد دارمانان، أن 70 من أصل أكثر من 2500 مسجد في فرنسا “يعتبر متطرفا”.
وكثيرا ما استفز ماكرون المسلمين بتصريحاته المعادية للإسلام على غرار قوله إن “الإسلام في أزمة”، وكذا دعمه للصور المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وحل جمعيات لمسلمين بينها “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا”، المناهض للعنصرية ضد المسلمين.
ومع تصاعد النزعة اليمينية المتطرفة في فرنسا خاصة منذ ذبح معلم في 2020 بعد نشره صورا مسيئة للرسول، أصبح تصريحات ومواقف ماكرون أقرب لليمن المتطرف، ومعادية للمهاجرين خاصة المسلمين منهم.
لوبان وزمور.. صراع على زعامة التطرف
مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني”، لم تعد وحيدة في معسكر اليمين المتطرف، فبعد دخول إريك زمور، السباق الرئاسي، زايد على تطرفها، وشق صفوف معسكرها.
وحتى الرئيس ماكرون، يحاول أن يغرف من قاعدتها الشعبية، من خلال اقتراب خطابه من الشعبوية المتطرفة.
فلوبان، تقاتل في الانتخابات الرئاسية لمنع اضمحلال حزبها، أمام تنافس مرشحين رئاسيين بارزين على تبني خطاب يميني متطرف ضد المسلمين والمهاجرين، أكثر تطرفا من خطابها.
ففي نوفمبر الماضي، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة “إيفوب-فيدوسيال” لحساب صحيفة “لو فيغارو” وقناة “إل.سي.آي”، تفوق زمور على لوبان بنسبة 17 مقابل 16 في المئة على التوالي.
واستغل زمور، الذي أدين مرتين بالتحريض على الكراهية،تصاعد الإسلاموفوبيا في البلاد بتوعد المسلمين بتغيير أسمائهم في فرنسا، وسيمنعهم من تسمية أبنائهم “محمد” كمثال، وتحول بسرعة إلى ظاهرة إعلامية استقطبت اهتمام التيارات المتطرفة المعادية للإسلام.
الدعم الثاني الذي تلقاه زمور، وشكل طعنة في ظهر مارين لوبان، تلقيه دعما قويا من والدها جان ماري لوبان، الذي سبق وأن أطاحت به من رأس “الجبهة الوطنية” قبل أن تغير اسمها إلى “التجمع الوطني”.
لكن مارين لوبان، استعادت المرتبة الثانية رغم تراجعها الطفيف في نوايا التصويت، وذلك لخسارة زمور 4 نقاط كاملة ما بين نوفمبر 2021 ويناير 2022.
وقد يعود تراجع شعبية زمور، راجع إلى استعمال مجموعة من أنصاره العنف ضد جمعية مناهضة للعنصرية، تظاهرت في أحد اجتماعاته، في 5 ديسمبر الماضي، ما دفع وزارة الداخلية إلى حل مجموعة “زواف باريس”، وقبلها جمعية “جيل الهوية”.
ولكن لوبان وزمور، يتبنيان نظرية “الاستبدال العظيم”، التي تروج لفكرة أن شعوبا أجنبية (المسلمون مثلا) ستحل محل الشعب الفرنسي.
وعبر هذه النظرية، ينفخ زمور ولوبان في نار الرهاب من المهاجرين لدى اليمين المتطرف، مع التركيز على المسلمين، لكسب شعبية أكبر ولو بإثارة التفرقة والعنصرية ضد ثاني أكبر ديانة في البلاد.
بيكريس.. البحث عن مكان تحت مظلة التطرف
لا تختلف فاليري بيكرس، كثيرا في مواقفها المعادية للمهاجرين وإن كانت تصريحاتها ضد المسلمين أقل تطرفا من زمور ولوبان وماكرون، إذ تعهدت في حال انتخابها لرئاسة فرنسا بأن تكون “أكثر تشددًا” بشأن الهجرة.
وتقترح بيكرس، التي فازت في ديسمبر الماضي بترشيح حزب الجمهوريين (يمين وسط) بـ”ترحيل الأجانب الذين يمثلون تهديدا للأمن العام، خصوصا من الذين يتبنون خطابا إسلاميا متشددا”.
واتهمت ماكرون بالتغاضي عن “الإسلاموية، بل وكذلك الهجرة غير الخاضعة للرقابة، وزيادة انعدام الأمن”.
فبيكرس، التي سبق لها وأن شغلت منصب وزيرة المالية، ليست سوى امتداد للخطاب المتشدد ضد المسلمين، الذي تبناه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي (2007-2012)، مؤسس حزب الجمهوريين (الاتحاد من أجل حركة شعبية سابقا).
لكن حزب الجمهوريين، الذي قاد البلاد في حقب مختلفة، يواجه الآن خطر الاضمحلال على غرار الحزب الاشتراكي، وكلاهما كانا ضحية خروج ماكرون من العدم ليؤسس حزبا (الجمهورية إلى الأمام) خليطا من اليسار واليمين.
كما أن جزءا من قاعدة الجمهوريين استقطبتها مارين لوبان، وهذا ما يفسر نزوع بيكرس، لتبني خطاب أكثر تشددا بشأن الهجرة والمسلمين، وقد يتصاعد هذا الخطاب كلما اقتربنا من موعد الانتخابات في أبريل المقبل.
واستفادت بيكرس، من انقسام قاعدة اليمين المتطرف بين لوبان وزمور، وصعدت في استطلاع أجرته بولتيكو قبل نحو شهرين من المرتبة الرابعة بنسبة 10 في المئة، إلى المرتبة الثانية بنسبة 15.5 في المئة في يناير، بحسب الاستطلاع الخير الذي نشرته لوموند.
وتعكس نتائج سبر الآراء أن المرشح الذي سيصعد إلى الدور الثاني في مواجهة ماكرون، لم يحسم بعد، وأنه مازال منحصرا بين بيكرس ولوبان وبدرجة أقل زمور الذي تقلص وهج تصريحاته المتطرفة والعنصرية.
فالإسلاموفوبيا، أصبحت التجارة الرائجة في الرئاسيات الفرنسية، والمرشحون الأربعة الأقرب للرئاسة جميعهم يتنافس حول من يكون أكثر عداء للمسلمين للفوز بأصوات اليمين المتطرف.