مؤسف أن النظام الجزائري الراغب في استضافة قمّة عربيّة ما زال يعيش في عالم آخر لا علاقة له بالعالم العربي الموجود حاليا. ما زال يعيش في عالم الشعارات.
خلاصة الأمر أنّ لا قمة عربيّة قريبا في الجزائر وذلك بعدما وجد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربيّة حسام زكي، في ختام زيارته إلى الجزائر، إخراجا لائقا يبرّر التأجيل. القمّة، التي كان مفترضا انعقادها في مارس المقبل، مؤجلة عمليا إلى إشعار آخر. ليست مؤجلة بسبب انتشار جائحة كوفيد. ليست الجائحة سوى عذر وغطاء يكشفان العجز العربي بأبهى صوره. القمة مؤجّلة لأن ليس لدى العرب ما يتفقون بشأنه في الظروف الراهنة.
كان العدوان الحوثي على دولة الإمارات العربيّة المتحدة سببا كافيا لانعقاد قمّة عاجلة في الجزائر أو غير الجزائر لاتخاذ موقف ممّا ترتكبه الأدوات الإيرانيّة في المنطقة، خصوصا في العراق، لكنّ شيئا من ذلك لم يحدث. كان موقف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جريئا عندما أدان، بالأجماع، العدوان على الإمارات.
الجزائر نفسها ما زالت حائرة في اتخاذ موقف من عدوان موصوف على عاصمة دولة عربيّة. بالنسبة إليها، لم يحدث عدوان على الإمارات. تشبه حيرتها حيرة النظام السوري الذي سعت الإمارات لإعادة احتضانه عربيّا، لكن إيران لم تسمح لهذا النظام، حتّى، بإصدار بيان يندد بالعدوان الذي استهدف أبوظبي بواسطة صواريخ وطائرات مسيّرة معروفة المصدر.
نسي النظام أن سوريا تسمّي نفسها “الجمهوريّة العربيّة السورية”. نسي أيضا أنّه اعتاش طويلا من التجارة بفلسطين ومن الاحتلال الإسرائيلي للجولان في العام 1967. نسي أن العرب وقفوا معه وساعدوه بكل ما استطاعوا لاسترداد أرضه المحتلّة.
لا يمكن للطريقة اللائقة التي اعتمدها الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربيّة إخفاء الواقع العربي المرّ الذي مفرّ من مواجهته في أيّ قمة. يعني هذا الواقع أوّل ما يعنيه أنّ لا فائدة تذكر من أيّ قمّة عربيّة إذا كان المطروح الابتعاد عن الوضوح. هناك عرب واضحون كل الوضوح وهناك آخرون يعيشون في الماضي.
لم يعد من مجال للتوفيق بين المستقبل والماضي في قمّة عربيّة لا تستطيع، على سبيل المثال وليس الحصر اتخاذ موقف لا لبس فيه من المشروع التوسّعي الإيراني وأخطاره على كلّ دولة عربيّة. أخطر من ذلك، لا يمكن لأيّ قمّة عربيّة أن تنعقد فيما الجزائر تصعّد مع المغرب هربا من الأزمة الداخليّة للنظام. هناك نظام جزائري يريد استضافة قمّة عربيّة بعدما قرّر قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع المغرب مستندا إلى حجج واهية.
بين الحجج زيارات قام بها مسؤولون إسرائيليون إلى الرباط. المضحك المبكي في الأمر أن الجزائر تشكو أمرها إلى مصر. تريد من مصر تسهيل أمورها عربيّا. لا وجود لعقد مصريّة تجاه إسرائيل التي توصلت معها إلى معاهدة سلام في آذار – مارس من العام 1979. هذا كان قبل 43 عاما بالتمام والكمال.
لا فائدة تذكر من أيّ قمة عربيّة، خصوصا اذا انعقدت هذه القمة في بلد مثل الجزائر يعجز النظام فيه عن القيام بالنقلة النوعيّة المطلوبة سياسيا مع ما يعنيه ذلك من مصالحة بين الشعب والنظام
هل غاب كلّ هذا التاريخ عن وزير الخارجيّة الجزائري رمطان العمامرة الذي يفترض أن تكون لديه خبرة طويلة في العمل السياسي والدبلوماسي. هل غاب عنه أن مصر خاضت حروبا من أجل فلسطين، ودفعت كثيرا من الدماء في هذه الحروب. لكنّ مصر لم تتاجر يوما بالقضيّة الفلسطينية، وامتلكت بفضل أنور السادات ما يكفي من الشجاعة كي تخوض حرب المفاوضات وتستعيد أرضها المحتلّة في العام 1967!
ثمة عالم عربي جديد، لا بد لأيّ قمة عربيّة التعاطي معه بعيدا عن الشعارات التي لا فائدة منها. مؤسف أن النظام الجزائري الراغب في استضافة قمّة عربيّة ما زال يعيش في عالم آخر لا علاقة له بالعالم العربي الموجود حاليا. ما زال يعيش في عالم الشعارات. ليس سرّا ما فعلته الشعارات بلبنان. في ظلّ الشعارات الكبيرة من نوع “المقاومة” و”الممانعة” قضت “الجمهوريّة الاسلاميّة” على لبنان وحوّلت بيروت إلى مدينة إيرانيّة على البحر المتوسّط. هل تجرؤ قمّة عربيّة على اتخاذ موقف مما يحدث في لبنان والقول إن العرب يقفون مع تطبيق كلّ القرارات الدوليّة المتعلقة بهذا البلد الصغير المظلوم الذي بات يتحكّم به “حزب الله”. يأتي في مقدّم هذه القرارات تلك الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتحمل الأرقام 1559 و1680 و1701.
هل تستطيع أيّ قمة عربيّة مقبلة الارتقاء إلى مستوى الأحداث بدل التخفي خلف الشعارات. هل تستطيع الارتقاء إلى مستوى القمة الأخيرة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة التي انعقدت في الرياض في كانون الأول – ديسمبر الماضي؟
في ما يتعلّق بسلوك إيران، “أدان المجلس الأعلى (القمّة الخليجيّة) استمرار إيران في دعم الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها، ما يهدد الأمن القومي العربي ويزعزع الاستقرار في المنطقة، ويعيق عمل التحالف الدولي لمحاربة داعش”. دخلت القمّة الخليجيّة في تفاصيل العلاقة مع إيران وطالبت الدول الخليجيّة الست بان تكون طرفا في أيّ اتفاق في شأن ملفّها النووي.
امتدت الجرأة الخليجيّة إلى شمال أفريقيا. كانت الرسالة الخليجية إلى النظام الجزائري في غاية الوضوح وذلك بتشديدها على “مغربيّة الصحراء” من جهة وعلى الشراكة مع المغرب من جهة أخرى. وقال البيان “أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، وتنفيذ خطة العمل المشترك، ومواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء، والحفاظ على أمن المملكة المغربية واستقرارها ووحدة أراضيها، مشيداً بقرار مجلس الأمن 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر – تشرين الأول 2021 بشأن الصحراء المغربية”.
لن تتمكن أيّ قمة عربيّة أن تكون في مستوى الوعي الخليجي. لن تتمكن أي قمة عربيّة من طرح سؤال من نوع هل من دور عربي في السودان الذي يواجه أزمة داخليّة عميقة ولماذا ذهب وفد عسكري إسرائيلي إلى الخرطوم في هذه الظروف بالذات.
لا فائدة تذكر من أيّ قمة عربيّة، خصوصا اذا انعقدت هذه القمة في بلد مثل الجزائر يعجز النظام فيه عن القيام بالنقلة النوعيّة المطلوبة سياسيا مع ما يعنيه ذلك من مصالحة بين الشعب والنظام قبل التفكير في لعب أدوار على الصعيدين الإقليمي والعربي..