الهشاشة المادية والرمزية تعمق الوضع المأزوم للفنانين المغاربة

ماموني

تعيش فئات من الفنانين المغاربة وضعية هشة زادت من حدتها تداعيات أزمة كورونا، وهي تحتاج إلى الكثير من الدعم المعنوي والاعتراف بخدماتها، خصوصا وأن أغلبهم غير مسجل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولا يستفيد من الحماية الاجتماعية، ولا من بطاقة الفنان.

هناك عدد من الفنانين المغاربة لا يملكون شقة للعيش أو تقاعدا وتأمينا صحيا ضد المرض، خاصة ممن تقدم بهم السن وطالهم المرض والنسيان، وقد عاشت مثلا الممثلة عائشة ماهماه معاناة كبيرة من انتشار الجرذان في “البيت” الذي تكتريه بحي بوركون، مع صعوبة إيجاد بيت آخر تكتريه بسبب الفقر المدقع الذي تعيشه.

ولا يتعدى واجب الانخراط السنوي في التعاضدية الوطنية للفنانين 700 درهم (حوالي 70 دولارا)، وهي أرخص مساهمة من بين تعاضديات التأمين في المغرب، إلى جانب أنها “التعاضدية الوحيدة التي تحظى بدعم الدولة”، وعادة ما يتكلف الملك محمد السادس بمصاريف علاج الفنانين الذين يعيشون وضعية صحية متدهورة.

ويؤكد توفيق عمور نقيب النقابة المهنية المغربية لمبدعي الأغنية أن العمل في القطاع الفني يدخل ببلادنا، للأسف، ضمن خانة القطاعات الغير مهيكلة، وذلك بسبب غياب صناعة فنية ومؤسسات عامة أو خاصة تُعنى بهذا القطاع وتتجرأ على الاستثمار فيه بما يضمن قدر الإمكان جعله قطاعا منتجا ومتحركا يخلق فرص العمل ويحفز العاملين في فلكه على الإبداع والإنتاج.

ويضيف “فباستثناء الدعم المتواضع والمحتشم جدا الذي تمنحه الدولة بين الفينة والأخرى في هذا الإطار ضمن برنامج دعم الفنون السنوي منذ سنة 2011، أو ضمن بعض التعاون والشراكات التي يبرمها قطاع الثقافة موسميا وعرضيا مع بعض الجمعيات والهيئات المدنية، فإن هذا القطاع يبقى رهين اجتهادات بعض الغيورين من الأشخاص والهيئات المدنية التي تحاول جاهدة وبوسائل جد محدودة إخراج الحي من الميت”.

قطاع هش

ضرورة إعادة النظر في الدعم الموجه لقطاع الثقافة والفنون لضمان الاشتغال في مناخ تنافسي يحتكم لتكافؤ الفرص

حسب توفيق عمور، في تصريح لـه، إنه في ظل تفشي جائحة كورونا كان القطاع الفني للأسف الوحيد تقريبا الذي عانى الأمرين بسبب الإجراءات التي اتخذتها الدولة من أجل الحد من تفشي الوباء، والتي أدخلت القطاع في فترة عصيبة وغير مسبوقة إطلاقا خلفت ركودا وشللا تامين من جراء حظر كل التجمعات والأنشطة التي تعتمد على تجمهر أعداد كبرى من الأفراد، حيث تم إلغاء المهرجانات وإقفال المسارح وإغلاق كل الفضاءات التي تستقبل أنشطة فنية بصفة عامة.

وحذّر برلمانيون من العطالة المؤقتة الاضطرارية التي يعيشها القطاع الفني والثقافي في المغرب، ‏والتي ساهمت في تعميق الهشاشة التي يعيشها هؤلاء المهنيون بسبب إلغاء كل التظاهرات ‏الفنية والثقافية.

وفي هذا الصدد، تبرز النائبة البرلمانية فاطمة خير أن المفارقة الغريبة هي أن وضعية الفنان المغربي مازالت تعيش الهشاشة والضعف، لذا وجب الاشتغال على الملفات المرتبطة بالشق القانوني والاجتماعي، مع إعادة النظر في الدعم الموجه لقطاع الثقافة والفنون لضمان الاشتغال في مناخ تنافسي يحتكم لتكافؤ الفرص، مشيرة إلى أن الفنان المغربي ينتظر رعاية ووضع اعتباري لعطائه وإبداعه، خصوصا عندما تنطفئ الأضواء ويعيش خريف العمر.

وتؤكد خير أنه لا يختلف اثنان على أن الفن هو مرآة للمجتمع تعكس كلا من ثقافته وحضارته وتاريخه، كما يلعب دورا مهما في توعية ورقي المتلقي، مشيدة في نفس الوقت بالمستوى المشرّف للإبداع والمبدع المغربي على جميع الأصعدة وفي جميع المجالات.

وسبق لوزارة الثقافة والشباب والرياضة أن أكدت أنها بصدد الاشتغال على حلول بنيوية لدعم الفنان المغربي من ضمنها تنزيل الورش الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية، منها نظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض والخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، والقانون المتعلق بإحداث نظام للمعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا.

ضرورة إعادة النظر في الدعم الموجه لقطاع الثقافة والفنون لضمان الاشتغال في مناخ تنافسي يحتكم لتكافؤ الفرص

واعترفت الحكومة أن القطاع اعتمد منذ سنوات حلولا ترقيعية تتمثل في تقديم تكريم للفنان الذي يعيش ظروفا صحية واجتماعية صعبة، مؤكدة أن الحلول البنيوية تظل الجواب الأمثل لدعم الفنان المغربي، ولافتة إلى أن جائحة كورونا شكلت امتحانا للعالم وللمجتمعات والأسر، وأظهرت واقع القطاع غير المهيكل الذي يعاني “كارثة اجتماعية”.

ويشير توفيق عمور إلى أن القطاع في ظل هذه الأزمة لم تستوعبه الإجراءات الاجتماعية التي اتخذتها الدولة لمساعدة المتضررين، إذ وجد العاملون في القطاع الفني أنفسهم خارج مظلة إجراءات الضمان الاجتماعي وخارج مظلة حاملي بطاقة الراميد (بطاقة الاستفادة المجانية من الخدمات الصحية)، وحتى غير قادرين على الاستفادة من المساعدات التي قدمتها الدولة للقطاع الغير مهيكل. فمن خلال هذا التقديم تظهر جليا هشاشة هذا القطاع الذي ظل لعقود مرهونا بمبادرات الدولة، ومُرتكزا على علاقات الشد والجذب التي تتغير بمزاجية بتغير المسؤولين ومدى اهتمامهم بالفنون والثقافة، ورهينا ببرامج ومخططات لا تكتمل للأسف بسبب التعديلات الحكومية المتكررة.

وبعد لقائنا بوزير الثقافة والرياضة، يقول عمور لـه “إننا نرجو أن تترجم كل الأفكار والوعود التي أكد عليها المسؤول الحكومي إلى واقع يعيشه الفنان والمبدع في مختلف الفنون، مذكرين بأننا كنا قد قدمنا له غداة تعيينه تقريرا استقرائيا شاملا للوضعية التي يعيشها القطاع، مرفقا بحلول وبدائل للإشكاليات المطروحة. كما يبقى أملنا كبيرا في توحيد صفوف الفنانين والمبدعين ضمن منظمة فنية واحدة تجمع كلمتهم وتجعل مطالبهم المشروعة واضحة وواصلة بقوة للجهات المعنية”.

طروف غير ملائمة

الثقافة قطاع حيوي (لوحة للفنان سعد يكن)

نظرا إلى احتياجه يضطر الفنان المغربي ممثلا أو عازفا إلى القبول بأجور ضعيفة ما يكرس وضعيته الهشة ويحط من كرامته، هذا الواقع المرير الذي يعيشه الفنانون المغاربة خصوصا في ما يتعلق بالأجور المتفاوتة يجعلهم يطالبون بإلحاح باستعجال تنظيم أجورهم.

وعانى الممثل المغربي عبدالقادر مطاع من المرض وفقدان البصر جعل الملك يتدخل للعناية به صحيا وماديا، ويعد من الممثلين المخضرمين، إذ دخل عالم التمثيل منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، ويعتبر تقاضي الفنان أجرا هزيلا لا يستطيع أن يغطي به مصاريف العيش اليومي عيبا حيث أن كرامة الممثل تستوجب حصوله على أجر مادي محترم وأن يتوفر على الأقل على مسكن يقطنه هو وعائلته الصغيرة.

وتعرض فيلم قصير بعنوان «المهنة فنان»، سيناريو وإخراج عبدالهادي حديفة بمساهمة جمعية نادي الأضواء، لمتاعب وعواقب وتداعيات اختيار العمل في المجال الفني والدرامي على الخصوص بالمغرب.

وأبرز مهنيون أن مهنة الفنان، وخصوصا فنان الأداء، تصنف في العديد من المنظمات الدولية المعنية كمهنة تتسم بالخطورة، حيث تخلق لدى الفنان الذي يعيش حصريا من عائدات فنه إحساسا بعدم الاستقرار والأمان الاجتماعي، لكون عمله يعتمد أساسا على عقود محددة المدة، وتتغير مداخيله المادية بشكل غير منتظم وغير متوقع.

وأكدت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدارمية، فرع الدار البيضاء، أنه رغم إمكانية تأقلم الفنانين المغاربة المعنوي ومردودية عملهم المرتفعة، إلا أنهم معرضون لكثير من المخاطر ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية من قبيل خطر تقلص فرص العمل، خطر المنافسة العشوائية، خطر تقادم المهارات، خطر التقلبات، خطر المرض، خطورة حوادث الشغل والأمراض المهنية، خطورة التقدم في السن، المخاطر الأسرية، والمخاطر المرتبطة بضعف وسائل الحماية القانونية والاجتماعية في المجال الفني، وتتضاعف هذه المخاطر عندما يتعلق الأمر بالمرأة الفنانة.

وبالنظر إلى تكاليف العيش، فإن الفنان المغربي رغم شهرته التلفزيونية، يعيش وضعا ماديا حرجا، خصوصا متى تقدم في سنه أو حين يتعرض إلى مرض عضال أو مرض مزمن، كما وقع للعديد من الممثلين، ما اضطر الملك محمد السادس إلى التدخل من أجل ضمان علاج بعض هؤلاء، أو التكفل بمصاريف العزاء في حال الوفاة.

وعلق عمور أن سلبيات هذه الوضعية انعكست على حالة تطور الإبداع الفني الذي لا يمكن أن يزدهر دون توفر كل الإمكانيات والظروف الملائمة المعنوية والمادية، بحيث أن الإبداع أضحى مبادرات فردية وحالات استثنائية خاصة يخلقها المبدع لنفسه وداخل محيطه الخاص بعيدا عن كل دعم أو تشجيع مؤسساتي، موضحا أن هذا الوضع يؤثر حتما وبشكل كبير على الوضعية المادية والاجتماعية للمبدعين وأسرهم، مما حدا بكثير منهم إلى الابتعاد عن هذا الميدان أو جعله ثانويا في حياتهم رغم تفوقهم ودرجة إبداعهم، إذ تظل الحاجيات الحياتية اليومية المختلفة المادية والاجتماعية والصحية بالنسبة إلى أسر المبدعين تتصدر كل الأولويات، وتزدري كل إبداع لا يلقى ما يستحقه من ردود فعل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: