الحسن الناصري خبير يقدم الرؤية المغربية للدور الإقليمي المتقدم

ماموني

قبل اختياره سفيرا إلى الدول الأفريقية الأربع؛ السنغال وغامبيا وغينيا بيساو وجمهورية الرأس الأخضر، كان الحسن الناصري عميد السلك الدبلوماسي بمالي، وهو امتياز دبلوماسي وسياسي لم يأت من فراغ فالرجل راكم معرفة بطبيعة البيئة السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية التي يشتغل فيها، وكذلك كان في مهمات دبلوماسية سابقة، جعلت  الكولونيل أسيمي غويتا رسميا الرئيس الانتقالي لدولة مالي، يؤكد بأن سفير المغرب كان أول دبلوماسي يجري اتصالات مع السلطات الجديدة، مشيدا بالعلاقات العريقة والشراكة المثمرة التي تربط المغرب بمالي.

وتستمر رحلة الناصري من يناير 1964 بتارودانت جنوب المغرب الى يناير 2022 حيث سيحظى بثقة ملكية باختياره ضمن دفعة السفراء الجدد الذين عينهم العاهل المغربي الملك محمد السادس بداية هذا العام، حيث تم اختياره ليمثل المملكة في واحدة من أهم المناطق في العالم.

تحديات وتشابكات معقدة

الناصري يعكس إدراك بلاده لدورها في أفريقيا، بالتواصل مع النخب السياسية والثقافية

للعولمة والأنواع الجديدة من التحديات الناتجة عن الاعتماد المتبادل بين الدول تأثير حاسم على سلوك الدبلوماسية المغربية والتي أصبحت متعددة الأوجه والأطراف والاتجاهات ومكثفة، بسبب التعقيد المتزايد من حيث الفاعلين، وموضوعات الحوار، وأنماط الاتصال، وتعدد الأهداف.

تكامل تكوين الناصري الأكاديمي في العلوم السياسية والاقتصاد مع تدرجه في العمل الدبلوماسي عندما بدأ عمله كرئيس مكتب بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج في الثمانينات وحتى العام 1995، عندما سيتم اختياره مستشارا للشؤون الخارجية، ثم نائباِ لسفير المملكة بالعراق، ثم قائماً بالأعمال في نفس البلد.

في منطقة سريعة التغير يغطي السفير الجديد لدى دول ذات أهمية في مجموعة دول غرب أفريقيا مجموعة من الممارسات الدبلوماسية والتواصل بين الثقافات بما في ذلك الدبلوماسية الإقليمية ودبلوماسية الدول الصغيرة وإدارة الأداء والتعامل مع القرارات والأزمات، واستخدام تكنولوجيا المعلومات.

عمل نائبا لسفير المملكة  في الجزائر قبل عقد من الزمن، وهي مهمة أكسبته معرفة معمقة لطريقة تفكير خصوم المغرب، سواء الجزائر أو الدول الممثلة هناك، ومنها كوّن رؤية شاملة جعلته يواكب كافة التحديات أثناء ممارسته مهامه كسفير في الدول التي اشتغل فيها، وفي ديسمبر 2011 تم تعيينه سفيرا لدى جمهورية مالي إلى حدود 2016 حيث سينتقل للعمل بنواكشوط، وكان لهذا التعيين بداية إذابة الجليد بين الرباط ونواكشوط، ليعود إلى مالي مرة أخرى.

ولهذا لم يكن الناصري بعيدًا عن الواقع عندما كشف بشكل عملي واحدة من أفضل المستويات التي تقدمها الدبلوماسية المغربية في أفريقيا من حيث التواصل والتفاوض مع السياسيين ورجال الأعمال والأكاديميين أو الفنانين باستخدام الأساليب الحديثة تكنولوجيا.

جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الأخرى للدولة المغربية، يضع الناصري العلاقات المغربية مع الدول التي تدخل ضمن نطاق عمله في سياق الدبلوماسية الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف، التي ينتهجها المغرب في تعامله مع القضايا الأساسية الثنائية ومتعددة الأطراف لتدعيم أطروحته.

من موقعه سيساهم الناصري في دراسات الحالة بدول غرب أفريقيا الرئيسية، سواء على مستوى التعاون العسكري والأمني والعلاقات الاقتصادية والتجارية والروحية مع المغرب، مع التركيز بشكل خاص على الصفقات التجارية والتدخلات السياسية، والهجرة الأفريقية إلى أوروبا، مع التعاطي مع مخاوف محددة بشأن الحركات الانفصالية والتكوين الديناميكي والمعقد لأفريقيا.

حرب أم دبلوماسية المياه

مهمة الناصري تبدو مسؤولية جسيمة تحتاج الى الكثير من اليقين والخبرة والصبر

تحدي المياه سيكون ضمن المهام الأساسية للناصري، فقد استوعب الاستراتيجية الوطنية في قطاع الماء والتنمية المستدامة التي تقوم على تدبير مندمج ومتوازن للموارد المائية بالمغرب، وهي فرصة ونقطة قوة لربط أواصر التعاون مع  السنغال وغانا وجزر القمر في التعاطي مع تداعيات المشاكل المائية  المرتبطة بالمسائل التنموية والمعيشية، والهجمات الإرهابية على المصادر المائية، دعوة الوكالات المغربية المتخصصة لتنفيذ مشاريع مماثلة في تلك البلدان.

وحتى في دولة مالي فالمغرب على استعداد لتقديم الدعم في معالجة هذه القضية الشائكة، لتدهور الأنهار بسبب أشغال التنقيب عن الذهب لاسيما خلال هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ هذا البلد، ويندرج ضمن الجهد الجماعي لمواءمة الاستراتيجية العالمية لمكافحة تغير المناخ والتكيف مع البيئة حتى تؤدي المجاري المائية وظائفها الطبيعية بالكامل ودون عوائق.

عمله داخل الدول الأساسية في غرب أفريقيا سيتركّز على مختلف الاستراتيجيات والإجراءات التشريعية والتنظيمية لمعالجة مشكل تدهور المياه باعتبارها مصدر الحياة كما يعي ذلك سكان المناطق القاحلة أكثر من غيرها، وله معرفة جيدة بالتدهور الذي يعرفه نهرا النيجر والسنغال بسبب أشغال التنقيب التقليدي عن الذهب أو تصريف مياه التطهير والنفايات غير المعالجة.

المهمة الدبلوماسية للناصري تندمج مع رؤيته لقضية تدبير المياه التي قال إنها تعد تراثا تاريخيا للشعوب والدول الأفريقية لهذا ينبغي الحفاظ على هذا التراث الإنساني وصيانته والحرص على أن يلائم متطلبات العصر ويتجاوب مع التنمية المستدامة.

مهمة مزدوجة

نهج المغرب يتم من خلاله التعامل مع دول أفريقيا وهو انعكاس دقيق لمفهوم العلاقات الخارجية للمملكة الذي ينبني على الاحترام التام لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، والتعامل بمنطق رابح – رابح

مهمة الناصري تبدو مسؤولية جسيمة تحتاج إلى الكثير من اليقين والخبرة والصبر، ولا يمكن للدولة المغربية أن تتفوق دبلوماسيا إلا بممثلين دبلوماسيين لهم الحنكة والنفس الطويل ومعرفة بمرتكزات التعاون ونقط الالتقاء.

إن نهج المغرب الذي يتم من خلاله التعامل مع أفريقيا كدول ذات سيادة ليس إلا انعكاسًا دقيقًا لمفهوم العلاقات الخارجية للمملكة الذي ينبني على الاحترام التام لسيدة الدول وعدم التدخل في شؤونها، والتعامل بمنطق رابح – رابح، والسفير المغربي يعي جيدا هذه المعادلة ويتبنى سياسة المغرب في التعاون مع دول غرب أفريقيا بشكل خاص، بالاعتماد على المستثمرين من القطاع الخاص كعنصر حيوي آخر في العلاقات الخارجية للمغرب في أفريقيا.

مهمته في مالي انتهت باستقبال رئيس السلطات المالية خصوصا بعد الهجوم الذي تعرض له سائقون مغاربة وإجراء معالجة خاصة للمسألة. وقد اشتغل الناصري في باماكو لسنوات طويلة، كان شاهدا خلالها على أحداث كثيرة، ثم ترك موقعه الدبلوماسي بهذا البلد والوضع ما يزال هشاً، بعد أن تسبب الصراع حول السلطة في تراجع اقتصاد مالي بنسبة 40 في المئة، وذلك عقب ست سنوات من النمو المستدام بنسبة 5 في المئة في المتوسط، كما عانت غينيا بيساو من الانقلاب العسكري الذي وقع في أبريل 2012، مما دفع الاتحاد الأفريقي إلى فرض عقوبات تم رفعها بعد عامين في أعقاب انتخاب الرئيس خوسيه ماريو فاز.

لهذا فالناصري سيكون بجدارة ناقلاً لتجربة المغرب بامتياز للدول التي تود الاستفادة منها، فمن منطلق معرفته ببلده تدار المواطنة أولا في إطار الدستور والحريات العامة والتضامن الذي يفرضه الانتماء الى دولة – أمة، مشيرا إلى أن “النقاش يظل مفتوحا لإعادة بناء التوافق وإصلاح النسيج الاجتماعي، والتكيف مع متطلبات الحياة المعاصرة دون إغفال الأسس الأساسية والتاريخية للثقافة التي شكلت شخصية المغاربة.

وتتشارك بلدان غرب أفريقيا في العديد من هذه الشبكات، في مجال الأمان الحيوي، حيث يعد المعهد السنغالي للبحوث الزراعية في داكار واحداً من  أربع تجمعات تضمها الشبكة الأفريقية للعلوم الحيوية بالإضافة إلى ذلك تستضيف كل من السنغال وغانا معهدين من خمسة معاهد أفريقية للعلوم الرياضية.

تحدي المياه سيكون ضمن المهام الأساسية للناصري، وهو الضليع بالاستراتيجية الوطنية في قطاع الماء والتنمية المستدامة التي تقوم على تدبير مندمج ومتوازن للموارد المائية في المغرب

المصلحة المشتركة

يتماهى المغرب مع خطط التنمية الخاصة ببلدان غرب أفريقيا المرتكزة على ثلاثة محاور رئيسية وهي تكوين الثروة والمساواة والعدالة الاجتماعية، والمزيد من التنمية المستدامة، وفي سعيهم لتحقيق حالة الدخل المتوسط يمنحون الأولوية لتحسين الممارسات الإدارية وخلق مناخ أكثر مواءمة للأعمال التجارية، ووضع نظم صحية وزراعية أكثر قوة، وبنية تحتية حديثة، وقوى عاملة ماهرة.

وسيهدف برنامج الناصري إلى ترتيب الخطط لتحقيق رغبة المغرب والدول المضيفة في استغلال الموارد التي تشكل العمود الفقري لاقتصاداتها بطريقة أكثر استدامة، والمساهمة في تصميم سياسي وإداري لتنويع الاقتصاد وتحديثه، ولن يتأتّى ذلك دون قوى عاملة تتسم بالمهارة واللجوء إلى العلم والتكنولوجيا والابتكار.

البعد الأكاديمي للناصري، السياسي والاقتصادي، سيكون عاملا مساعدا لفهم الطرق الكفيلة بتسريع انضمام المغرب إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ”سيداو“، ورغم سلسلة الأزمات التي شهدتها المجموعة فقد عرفت نمواً اقتصادياً قوياً في السنوات الأخيرة، والرجل سيستثمر في حقيقة أن المغرب لاعب فاعل في علاقاته مع دول غرب أفريقيا من حيث تكثيف تعاونه الاقتصادي وزيادة حجم الاستثمارات المغربية في غرب أفريقيا، ما أهّل المغرب لأن يصبح أول مستثمر في منطقة غرب أفريقيا متقدما على دول قوية مثل فرنسا تركيا وثاني مستثمر في القارة الأفريقية بعد جنوب أفريقيا.

كفاعل دبلوماسي عبّر الناصري أكثر من مرة عن حرص المملكة وجهودها لتطويق أيّ دور هادم للعلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف مع دول غرب أفريقيا، فالشراكة المثمرة بين السنغال والمغرب، على سبيل المثال، القائمة على الدعم المتبادل والمستمر شهدت في العقدين الأخيرين قفزة نوعية وديناميكية، خاصة في ما يتعلق بالبعدين الاقتصادي والروحي.

وستكون التجربة الجديدة له تعبيرا عمّا تراه المملكة من نظرة متقاربة بشأن التحديات الإقليمية والدولية في أفريقيا، وكذا على المستوى متعدد الأطراف للمشاورات السياسية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصة تلك التي تندرج في إطار الاتحاد الأوروبي كون المغرب يمثل شريكا استراتيجيا لهذا التكتل الغربي، والدفاع عن الاندماج الاقتصادي الإقليمي والحفاظ على السلام والأمن على مستوى القارة.

الدبلوماسية متعددة الأوجه

Thumbnail

التحديات الأمنية التي يواجهها عدد من دول أفريقيا الغربية، ومنها التي يمارس فيها الناصري مهامه الدبلوماسية إلى جانب الاعتبارات التاريخية، جعلت المغرب ينهج دبلوماسية دينية لتعزيز الروابط التاريخية والروحية والمحافظة عليها من خلال آليات مرجعية وإجرائية كمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين الدينيين، ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ورابطة علماء المغرب والسنغال.

الإسلام السني المرتكز على إمارة المؤمنين والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، والمعزز لدين الوسطية والاعتدال والتسامح ونبذ الكراهية والتطرف العنيف، جعل دول غرب أفريقيا  تميل إلى التعامل المنهجي مع المملكة المغربية، وهذا ما سيكون رهان السفير الجديد ونقطة ارتكازه في مهمته في تعزيز نفوذ بلده السياسي والاقتصادي وتحقيق طموحاته الجيوستراتيجية.

وقد أبرز الدبلوماسي المغربي أهمية الأسئلة المطروحة حول العلاقة بين الدين والسياسة، وذلك في ضوء القضايا والتحديات الجديدة حول السلام والتماسك الاجتماعي لجميع السياسات العمومية والتعاون الدولي.

رؤية الناصري واضحة حول الإسلام الذي يعتبر دين الدولة في المغرب منذ القرن الثامن، وأن الملك رئيس الدولة وأمير المؤمنين الضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية، إلى جانب المكانة المركزية للعاهل المغربي على الصعيدين السياسي والديني تعد خاصية تتميز بها المملكة على مستوى العالم الإسلامي ومنها الدول التي يمثل بلده فيها حاليا.

المملكة المغربية بالنسبة إلى الناصري تتميز بتقاليدها العريقة في مجال التسامح الديني والروحي كما يعكس ذلك انسجام التعايش بين المساجد والكنائس والمعابد اليهودية في جميع أنحاء التراب الوطني، والمغرب القوي بهذه الثقافة العريقة، يواصل العمل للنهوض بالحوار بين الأديان والثقافات ومحاربة جميع أشكال التطرف وهذا منطلق آخر لمنهجية عمله الدبلوماسي المتجدد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: