حذرت أحزاب سياسية معارضة في الجزائر السلطة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون من الخيارات السياسية والاجتماعية التي تنتهجها في إشارة إلى النزعة الاستبدادية التي تتسم بها هذه الخيارات خاصة بعد ملاحقة العديد من الأحزاب وقادتها قضائيا في محاولة للتضييق عليهم.
حذر حزبا العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية السلطة من تداعيات الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من طرف الحكومة، وشددا على ضرورة رفع القيود المفروضة على الحريات السياسية والإعلامية، ليكونا بذلك أول صوت محتشم يتصاعد في الآونة الأخيرة، بعدما بسطت السلطة نفوذها على المشهد العام في البلاد.
وخرج حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض عن صمته، حيث ندد في بيان له بما أسماه “الحملة الإدارية والقضائية الموجهة ضده ورئيسه محسن بلعباس”، في إشارة إلى الإنذارات التي وجهتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية لقيادة التجمع من أجل الالتزام بتشريعات النشاط الحزبي والسياسي، فضلا عن المتابعة القضائية المفتوحة ضد أمينه العام محسن بلعباس.
وأكد الحزب أن “هذه الحملة إشارة واضحة إلى انحراف استبدادي خطير وغير مقبول، الهدف منه معاقبة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية على موقفه الصريح وغير المهادن، ووقوفه في صف الشعب في كفاحه السلمي من أجل تغيير جذري للنظام، كما يهدف هذا التآمر على الحزب محاولة منعه عبثًا من المشاركة في مبادرات مع بقية الطبقة السياسية المعارضة من أجل إقامة دولة القانون”.
وأضاف أن “المحطات الانتخابية المفروضة بالقوة على الشعب الجزائري منذ عامين لم تحل الأزمة السياسية على الإطلاق، بل ازدادتها تعقيدا، حيث ورثت الجزائر بموجبها مؤسسات غير شرعية على كافة المستويات، مما يفاقم أكثر من أي وقت مضى أزمة الثقة لدى المواطنين”.
حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يندد في بيان له بما أسماه الحملة الإدارية والقضائية الموجهة ضده ورئيسه
وقاطع الحزب جميع الاستحقاقات السياسية والانتخابية التي نظمتها السلطة منذ تنحي الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، حيث تم انتخاب عبدالمجيد تبون خلفا له في قصر المرادية، وتم أيضا إجراء انتخابات تشريعية ومحلية، فضلا عن تعديل للدستور، وهي محطات قاطعها الحزب كلها وتمسك بضرورة التغيير السياسي الشامل في البلاد بمرحلة انتقالية.
واستنكر البيان الذي اطلعت عليه “أخبارنا الجالية ” ما أسماه بـ”الخيار الذي تبنته السلطة لتجريم العمل السياسي السلمي والقانوني. وأكثر ما يدعو إلى القلق وضعية حقوق الإنسان والحريات التي تثير استنكار المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، حيث أصبح القمع وتوظيف القضاء اليوم المشهد الوحيد في مسرح الحياة السياسية الوطنية”.
وذكّر التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بـ”الإجراءات التي تم الشروع فيها لحل أحزاب سياسية شرعية، فيما يتابع الآلاف من المواطنات والمواطنين، منهم صحافيون ومحامون وجامعيون ومسؤولون سياسيون ونشطاء جمعويون ومواطنون عاديون بتهمة ارتكاب جرائم رأي، وسجن أكثر من 300 ناشط بشكل تعسفي”.
ولفت إلى أنه “يبدو واضحاً أن السّلطة ومن خلال انخراطها في عملية سياسية مسدودة وعجزها عن إنقاذ الوضع الاجتماعي والاقتصادي من الكارثة، قد اختارت الحل الأسوء، مما يعرض البلاد لأخطار جسيمة تهدد اللحمة الوطنية”.
ووجّه حزب العمال اليساري انتقادات شديدة للحكومة على خلفية تدهور الأوضاع الاجتماعية والصحية، مما سمح بتفشي موجة جديدة من وباء كورونا بشدة في أوساط الشارع الجزائري، نتيجة فشل الحكومة في وضع استراتجيات ناجعة وفعالية في هذا المجال.
وحذر من مخاطر “ضغوطات السياسة الاجتماعية والاقتصادية المنتهجة من طرف الحكومة، في ظل ارتفاع مؤشرات التضخم وتوسع دائرة الفقر والغلاء الفاحش وندرة مواد أساسية في الأسواق، وهي عوامل تدفع الى انفجار اجتماعي وشيك لا أحد يقدر أو يعرف نتائجه وتداعياته”.
وأدانت محكمة في العاصمة منسق الحركة الاجتماعية الديمقراطية التي تمثل اليسار الجزائري فتحي غراس بعقوبة عامين حبسا نافذا، بعدما اتهم ببث منشورات تهدد السلامة والوحدة الوطنية وإهانة هيئة نظامية.
وتعكف وزارة الداخلية منذ عدة أشهر على مراجعة ملفات المجتمع السياسي والمدني من أجل ما تسميه “المطابقة مع التشريعات الناظمة”، وتم في هذا الشأن الإقرار القضائي بحل جمعية “راج” المعارضة، لأسباب إدارية وعدم التكيف مع القوانين، بينما يراه ناشطون أنه حل “سياسي”.
حزبا العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يحذران السلطة من تداعيات الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من طرف الحكومة
وفي هذا الصدد قررت الغرفة الاستعجالية لمجلس الدولة بالعاصمة حكما بالتوقيف المؤقت لنشاط حزب العمال الاشتراكي المعارض وغلق مقراته بعدما رفعت وزارة الداخلية والجماعات المحلية في شهر ماي 2021 دعوى لدى القضاء الإداري ضد الحزب بعد إنذار وجهته له بسبب عدم تسوية وضعيته الإدارية.
وهو القرار الذي وصفه الحزب في بيان له بـ”السابقة الخطيرة والاعتداء الصارخ على التعددية الحزبية والحريات الديمقراطية في الجزائر”، وأكد على أن كفاحه في صفوف العمال وفي الأوساط الشعبية سيتواصل من أجل الحريات والعدالة الاجتماعية، وأنه سيواصل كذلك كفاحه العالمي والمعادي للرأسمالية ومن أجل الاشتراكية.
لكن في المقابل رفض مجلس الدولة طلبا آخر لوزارة الداخلية بحل حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي المعارض، وقالت رئيسته زبيدة عسول في منشور لها على فيسبوك إن “مجلس الدولة رفض دعوى وزارة الداخلية الاستعجالية بخصوص الوقف المؤقت لنشاط الحزب بسبب عدم التأسيس”.
وقبل شهر كان مجلس الدولة (هيئة قضائية إدارية) قد أجل الفصل في القضية الاستعجالية المتعلقة بحل هذا الحزب وهو ما أكدته حينها رئيسته الحقوقية والمحامية زبيدة عسول بالقول إن “مجلس الدولة يؤجل الفصل في القضية الاستعجالية لحزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي إلى أجل غير مسمى”.
وفيما أعلنت وزارة الداخلية عن مباشرة إجراءات قانونية أمام الجهات القضائية المختصة ضدّ حزب الاتحاد من أجل التغيير والرّقي بسبب عدم استجابته للإنذار الموجه إليه من أجل مطابقة وضعيته القانونية، تؤكد رئيسته أن “حزبها يتعرض للتضييق من طرف السلطات الجزائرية منذ مدة بسبب مواقفها المعارضة لمسار نظام الحكم في الجزائر”.