تبادل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وقائد أركان الجيش سعيد شنقريحة رسائل غزل لإضفاء حالة من التناغم والانسجام بين مؤسسات الدولة، ودحض ارتدادات التسجيل المتداول على شبكات التواصل الاجتماعي، الذي سربه ضابط صف مسجون وضمنه انتقادات واتهامات للرئيس تبون ولكوادر في المؤسسة العسكرية حول ما أسماه بـ”ممارسات الفساد والجهوية”.
وكانت الزيارة التي قادت الرئيس تبون إلى مبنى وزارة الدفاع الوطني فرصة لإطلاق رسائل مبطنة “للمشككين في تكامل دوائر القرار داخل السلطة، ونفيًا لما قد يشاع من خلافات بين الرئاسة والجيش”، لاسيما بعد التسجيل المسرب من داخل السجن العسكري في البليدة، والذي أدلى به ضابط الصف قرميط بونويرة الذي يوصف بـ”خزنة أسرار” قائد الجيش السابق الجنرال أحمد قايد صالح وعاد من تركيا مؤخرا بعد فراره إليها عام 2020.
ويبدو أن الخطاب الذي أدلى به كل من الرئيس تبون وقائد أركان الجيش الجنرال شنقريحة كان موجها إلى دوائر المعارضة السياسية وتحذيرا من مغبة استغلال محتوى التسجيل للتشكيك في تكامل دور ومهام أكبر المؤسسات في الدولة، خاصة في ظل الحديث المتداول عن هيمنة المؤسسة العسكرية على السلطة في البلاد.
خطاب تبون وشنقريحة وجّه تحذيرا للمعارضة من استغلال تسجيل مسرّب عن الفساد للتشكيك في علاقة الرئاسة والجيش
ويشغل تبون بموجب الدستور منصبي وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، بينما يقود أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة الذي خلف القائد السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح منذ نهاية عام 2019.
وأشاد تبون في كلمته بالجنرال شنقريحة قياسا بما “أنجزه على رأس الجيش، وبجهوده المبذولة للإبقاء على جاهزية الجيش الوطني الشعبي في كل الظروف، وبجهود الضباط وضباط الصف والجنود وكل المنتسبين، الجديرين بالانتماء إلى جيشنا الباسل، وأقدر عاليا الالتزام الوطني والاحترافية العالية التي أثبتها جيشنا، خاصة في تلك المناورات التي أبرز فيها ما وصل إليه باقتدار”.
وفيما قرر الرئيس الجزائري أن يكون الرابع من أغسطس يوما وطنيا للجيش عاد إلى تكرار عبارة “عدو خارجي” لم يكشف عن هويته، وقال “هناك من تقلقه سيادتنا، لكننا سنواصل طريقنا بإرادة لا تلين، كي تكون الجزائر في مكانتها المستحقة إقليميا ودوليا، بسند جيشنا الوطني الشعبي. وإن إنهاء بناء المؤسسات الدستورية النزيهة بإبعاد المال الفاسد، والتي يشارك فيها جيل الشباب الجديد، أزعج الكثيرين”.
ورغم تسوية الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا، إثر عودة سفير الجزائر إلى باريس بعد أشهر من القطيعة بين البلدين، مازالت التصريحات الرسمية التي يدلي بها المسؤولون الجزائريون تتّهم المغرب باستهداف الجزائر على أكثر من صعيد.
وعاد تبون إلى التذكير بالمكاسب التي بحوزة بلاده، وعلى رأسها عدم وجود ديْن خارجي، وهو ما اعتبره “مصدر قلق” لأطراف لم يسمها، لكن التصريح يلمّح إلى ما ورد في تقرير البنك الدولي الأخير، الذي أسال الكثير من حبر الإعلام الرسمي والمحلي في الجزائر، حيث ساد إجماع على أن التقرير “مفبرك ومغرض وتمت صياغته بإيعاز من اللوبي الموالي للمغرب”.
ولفت إلى أن “الجيش الجزائري جيش مسالم، لكنه يدافع عن بلاده بشراسة، فالويل لمن اعتدى على الجزائر، أكررها مرة أخرى؛ لا ديمقراطية مع دولة ضعيفة ضعفا يُحفّز الفوضى ومجبرة على التنازل عن المبادئ، وأن التعليق السياسي وحرية التعبير مضمونان، ولكن بأدب، لأنه لا علاقة لهما بالسب والشتم وكيل الأكاذيب ونشر الباطل ومحاولات تركيع الدولة بأساليب ملتوية، وأن الجزائر متوجهة نحو نظام اقتصادي جديد، يرتكز على رأس المال النظيف”
ويبدو أن الرئيس الجزائري أراد أن يحذّر أطرافا خارجية من مغبة أي تحرك عسكري ضد بلاده، وهو ما يعكس حجم القلق الذي ينتاب المسؤولين الجزائريين من التعاون العسكري والأمني بين المغرب وإسرائيل، مما يضع خيار المواجهة العسكرية ضمن السيناريوهات الواردة في المنطقة.
ومن جانبه بادل قائدُ أركان الجيش الرئيسَ تبون عبارات الإطراء للإيحاء بوجود حالة من الانسجام بين مؤسسة الرئاسة والجيش، وتبديد الشكوك التي تحوم حول هيمنة المؤسسة العسكرية على مؤسسات الدولة ومفاصلها.
وقال شنقريحة “لا شك أن هذه الزيارة تكتسي رمزية خاصة، لكونها تأتي في بداية هذا العام الجديد 2022، الذي نأمل أن يكون عام خير يطبعه الجدّ والاجتهاد، وتتحقق فيه إنجازات واعدة أخرى، تضاف إلى تلك التي حققتموها في السنتين الماضيتين، وسيتواصل بخطى ثابتة مشوار بناء الجزائر الجديدة، إعمالا للتغيير المنشود، وتجسيدا للتطلعات المشروعة لشعبنا الأبي، وإعادة الأمل في نفوس المواطنين”.