المغرب والصين، علاقة براغماتية بعنوان الاستثمار

ماموني

هياكل التحالفات في المناطق الاستراتيجية الرئيسة للعالم في تغير مستمر، وهذا ما يدفعنا إلى القول إن الصين والمغرب تجمعهما علاقات براغماتية شهدت استقرارا سياسيا ودبلوماسيا وتطورا مستمرا. كلا الطرفين يدرك أهمية الطرف الآخر، ويعمل على استثمار الجوانب الإيجابية من العلاقات. بكين تعرف أن للمغرب علاقات متينة بالدول الغربية والولايات المتحدة إلا أنها تواصل سعيها لإقامة علاقات متطورة مع الرباط، يدفعها إلى ذلك الموقع الاستراتيجي للمملكة.

الاستثمارات الصينية في عدد من القطاعات ليست سوى جانب واحد من رؤية المغرب الشاملة للشراكة الاستراتيجية التي تعد جزءا من محاولة المملكة تنويع الاقتصاد وجذب أكبر عدد من المستثمرين والشركاء التجاريين، انطلاقا من أهمية موقعها الحيوي كجسر يربط القارة الأفريقية بأوروبا.

علاقات المغرب والصين تدخل في نطاق الشراكات والتحالفات الاستراتيجية، رغم التحديات التي يمر بها العالم، بما في ذلك تداعيات الوباء والهجرة والانتشار العابر للحدود للأيديولوجيا المتطرفة والنزاعات المسلحة وانعدام الأمن والاضطراب الاقتصادي والحروب التجارية.

◙ المغرب الذي أصبح اليوم محل تنافس دولي، يتيح الفرصة لبكين لاستغلال دورها الذي يشهد توسعا، خاصة في تطوير البنية التحتية في المغرب

كانت الشركات المغربية والصينية قد وقعت 15 اتفاقية متنوعة، خلال زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى بكين عام 2016، حيث زاد الاستثمار الصيني المباشر في المغرب بنسبة 195 في المئة. وقد أعلن الرئيس الصيني والعاهل المغربي عن إنشاء شراكة استراتيجية بين البلدين توجت في يناير 2022 بالتوقيع على اتفاقية “خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق”.

اختيار الصين للمملكة المغربية وإدراجها ضمن سياستها الخارجية ومبادراتها الاستراتيجية لمشروع الحزام والطريق جاء تتويجا لجهود دبلوماسية مبنية على مواكبة التطورات التنموية والاقتصادية والسياسية الحاصلة بالمغرب.

ويطرح الاتجاه الحالي للبلدين تحدي ما بعد التوقيع الثنائي على الاتفاقية التي تعزز الولوج للتمويل الصيني لإنجاز مشاريع كبرى وتسهيل المبادلات التجارية، وإقامة مشاريع مشتركة في مختلف المجالات.

وكان المغرب أول دولة في منطقة شمال أفريقيا يوقع مذكرة تفاهم مع الصين في سياق مبادرة الحزام وطريق، والتي يتوقع أن يكون لها أثر إيجابي على الاقتصاد المغربي وتعميق العلاقات، حيث بدأت الشركات الصينية تركز استثماراتها، التي يتزايد عددها باستمرار، في مختلف مناطق البلاد، ومن بينها بناء مدينة محمد السادس طنجة التقنية، وكان المشروع قد توقف بسبب إشكال حول ملكية الموقع. ومن المتوقع استئناف أعمال البناء في إطار مبادرة الحزام والطريق التي تعتمد على مفهوم عام للتحدي التجاري والتكنولوجي.

ويرى الخبراء أن المغرب تصرف بشكل ذكي بجذبه الاستثمارات الصينية لدعم اقتصاده وزيادة تأثير البلدين الجيوستراتيجي جنباً إلى جنب مع ما تقدمه المبادرة.

المغرب اليوم مطمئن لعلاقاته مع بكين. وهو، إلى جانب دول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا، لا يشارك واشنطن مخاوفها الاستراتيجية بشأن الصين، ويعمل في نفس الوقت على حماية مصالحه وتحقيق التوازن في علاقاته الخارجية والتجارية والاقتصادية. ويمكننا القول إن المستقبل القريب للعلاقات الصينية – المغربية سيستمر بشكل جيد.

ويتعين على الشركات الصينية التي تتطلع إلى المغرب كقاعدة إنتاج، كما هو الحال في صناعة السيارات، أن تأخذ في الاعتبار حجم العمليات التي نفذتها بالفعل الشركات الأوروبية الكبرى، مثل رينو وبي إس إيه.

ووفقًا لدونغ ليو، الخبير الاقتصادي في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فإن المغرب يمتلك بيئة واعدة للتوسع بمشاريع التصنيع التي تتطلب عمالة كثيفة، وهو ما يمنح المغرب ميزة نسبية. والدافع الرئيسي لهذا الاتجاه هو التأكيد المتزايد من الجانبين الصيني والمغربي على خططهما الاستراتيجية في إطار تحالف قائم ومستمر.

وقد تم تطوير العلاقة بين البلدين مع الأخذ بالاعتبار إعادة تحديد المعايير الجيوسياسية للتدافع العالمي نحو الفرص التجارية والاقتصادية في أفريقيا ومن ضمنها المغرب. فبكين ضمن هذا الإطار تعي جيدا أهمية الموانئ على البحر المتوسط. ويعمل المغرب جاهدا لتصبح واجهته البحرية على المتوسط والأطلسي محورا للتجارة العالمية. وقد شيدت الرباط أول خط للسكك الحديدية فائق السرعة في أفريقيا، ومن المتوقع أن تستثمر شركات صينية في تمديد هذا الخط إلى الحدود الموريتانية ما سيحوّل المغرب إلى نقطة اتصال بارزة بين الطرق التجارية التي تربط بين غرب أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط.

◙ علاقات المغرب والصين تدخل في نطاق الشراكات والتحالفات الاستراتيجية، رغم التحديات التي يمر بها العالم، بما في ذلك تداعيات الوباء والهجرة

المغرب الذي أصبح اليوم محل تنافس دولي، يتيح الفرصة لبكين لاستغلال دورها الذي يشهد توسعا، خاصة في تطوير البنية التحتية في المغرب، وإعادة توجيه المشاريع الصناعية الكبرى نحو مبادرة الحزام والطريق.

وتتيح العلاقات الدولية اليوم إقامة علاقة ثنائية استراتيجية بين البلدين دون أن يتعارض ذلك مع تحالفات المغرب الرسمية مع دول كبرى كالولايات المتحدة. وهي تحالفات لا يمكن تجاوزها أو الاستغناء عنها وستظل ذات أهمية حيوية بالنسبة إلى شراكات الرباط السياسية والاقتصادية والأمنية التي يتم تطويرها حاليًا بوتيرة متنامية، مع الحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلا البلدين، وهو ما عزز الاستقرار في مستوى التعاون الثنائي والتنمية المشتركة. وتؤكد الصين دائما دعمها للاستقرار السياسي في المغرب.

في عالم تهيمن عليه قوى أكبر وأكثر قدرة وقسوة بشكل عام، يعتقد المسؤولون في كلا البلدين أن الشراكة الاستراتيجية الصينية – المغربية ستسمح باغتنام الفرص المتاحة من خلال مبادرة الحزام والطريق لتحقيق التقدم المستمر لصالح الجانبين، فالصين والمغرب حريصان على سد الفجوات الاقتصادية والدبلوماسية كخيار استراتيجي، خصوصا وأن الحكومة الصينية تتعهد بتشجيع الشركات الصينية الكبرى على الاستثمار في المناطق التي تشهد نموا من جنوب المغرب إلى شماله.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: