أخذ المدعوون للوليمة أماكنهم، نادى النادل على شاب معه لكي يوزع رغائف الخبز وكؤوس مشروبات غازية على الموائد.
وضع سلطة مشكلة من أنواع مختلفة من فواكه البحر والفواكه الإستوائية. انبهر الجميع من التشكيلات والتناسق في الألوان والذوق. أكلوا بنهم وكأنهم لم يتذوقوا طعاما منذ الأزل، كأسير يأكل وجبته الأولى بعد فك أسره.
الطبق الثاني يتكون من خروف محشي ومشوي في الفرن، إنبهارهم لم يخفت وزاد نهمهم أكثر، لم يتركوا إلا العظام التي استعصت عن القضم.
بعد تناول التحلية المكونة من حلويات وفواكه، أخذ الكلمة من يلقبونه بقيدوم الأدباء وألقى قصيدة عصماء يمجدني ويثني علي وعلى كرمي الحاتمي، وعدد مناقبي الفكرية والشعرية وإثرائي للساحة الأدبية وغزارة شعري.
وقفت مشدوها مما كان يتفوه به، لم أدرك حينها أن الوليمة فعلت فعلتها، وأن بطنه من كان يتكلم وليس عقله.
لم أعرف الشخص الذي يتكلم عنه هل أنا، الذي يخربش كتابات أستقي عباراتها من لغة الأسلاف، تبهرني فيها الكلمات المستعصية، لأخرج جملا هجينة دون تناسق لا معنى ولا مغزى لها، وانشر كتابات اعنونها بعناوين براقة، لا علاقة لها بموضوع ماأكتب، وأرفقها بصور لي في وضعيات تبدو لي رائعة في حين تبدو للكل مضحكة ومقززة.
كان يستفيض في المدح والثناء، وأنا أبدو مزهوا كأنني طاووس ينفش ريشه في بستان فسيح.
توج الحفل بتوشيحي بوسام وشهادة، كتب عليها السيد فلان أشعر شعراء العصر، وأديب القرن، والكل يثني علي ويهنؤني حتى من يدعون أنهم شعراء وكتاب ودكاترة، وكأنهم يبايعون أميرا. وبدأ رجال ونساء يدعون أنهم رجال الصحافة، يطرحون أسئلة فهمت من معناها أن أصحابها لم يقرأوا يوما حرفا، يرفعون المنصوب وينصبون المرفوع مثل ما نصب علي هؤلاء، وأنا مرفوع عني القلم من شدة بلاهتي.
أخذ المصورون يأخذون الصور، ومغني مشروخ الصوت، يؤدي أغنية “الزين اللي عطاك الله” رغم أن بشاعة وجهي بادية للعيان. كان يسترسل في وصلته بتنافر صارخ مع الموسيقى، وعندما نادى بإسمي ليهديني مايغنيه، استفقت مذهولا، وأنا اتصبب عرقا من هول التفاهة، التي عشتها في الحلم.
وأنا أراجع شريط حلمي، فهمت أن معبد التفاهة له كهنته، همهم الوحيد ملأ بطونهم وربما جيوبهم، لينصبوا أمراء للشعر، وعمداء للأدب والفكر.
فاحذروهم لأن هذا الفضاء يعج بأمثالهم.