تقارب المغرب مع الصين لا يؤثر على علاقاته مع الولايات المتحدة

ماموني

لا يعني توقيع المغرب الأسبوع الماضي لاتفاقية تستهدف تسهيل تمويل الصين لعدد من المشاريع التجارية والاقتصادية في المغرب في إطار مشروع “الحزام والطريق” الصيني الذي يسعى للوصول إلى أسواق جديدة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وضمان الاستقرار الاجتماعي التخلي عن شراكة الرباط مع واشنطن.

وجاء التوقيع في وقت تحتد فيه المنافسة على كافة الصعد بين واشنطن وبكين حيث أخذت صورا عدة، وتسعى الرباط لأن تكون علاقاتها براغماتية مع كلا القوتين العالميتين.

وتُعد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين واشنطن و المملكة المغربية طويلة ومفصلية، ولا يرى صانع السياسة الخارجية المغربي أيّ حرج في تحويل الفرص التجارية والاقتصادية الى أدوات للدفاع عن مصالحه السياسية وأمنه القومي دون التورط كطرف في الصراع بين الولايات المتحدة والصين.

◄ حجم المبادلات التجارية بين المغرب والولايات المتحدة وصل إلى 51 مليار درهم، بزيادة بنسبة 28 في المئة مقارنة بسنة 2017

ويقول هشام معتضد الباحث الأكاديمي المقيم بكندا أن “تقارب المغرب مع بكين لن يؤثر على العلاقات المغربية مع باقي القوى الدولية على غرار الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي لأن السياسة الخارجية المغربية مبنية على قيم محددة وثوابت دبلوماسية محورية ومسؤولة”.

وأوضح معتضد في تصريح لـه أن “المغرب يتخذ من تنويع الشراكات الاستراتيجية والسياسية بوصلة خارطة طريقه الدبلوماسية من أجل ضمان تحقيق أهدافه ومصالحه الاستراتيجية وذلك لأن التحولات الدولية والتطورات الإقليمية تحتم على المؤسسات المغربية الانفتاح على أسواق اقتصادية متنوعة والبحث عن منافذ تعاون تجارية وصناعية جديدة من أجل إعطاء دفعة جديدة وقوية للتنمية المستدامة الداخلية وتحقيق أهداف النموذج التنموي الذي يطمح إلى الاستفادة من الشركات والخبرات الخارجية المتنوعة”.

ونزلت الصين باستثماراتها بقوة داخل المغرب، وتطورت هذه الآلية بعدما أعلن الرئيس شي جين بينغ والعاهل المغربي الملك محمد السادس في مايو 2016 عن إنشاء شراكة استراتيجية بين البلدين ووقعا العديد من الاتفاقيات في مجموعة متنوعة من القطاعات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية وغيرها، والذي توج في يناير 2022 بتوقيع المغرب والصين لاتفاقية تهدف إلى زيادة التعاون بين البلدين بشكل كبير في إطار مبادرة “الحزام والطريق” المشتركة في بكين.

وستشجّع الحكومة الصينية الشركات الكبرى على الاستثمار في المغرب في مختلف القطاعات، بما في ذلك صناعة السيارات والطيران والتكنولوجيا الفائقة والتجارة الإلكترونية وغيرها.

هشام معتضد: انخراط المغرب في مبادرة الحزام لن يؤثر على علاقته مع واشنطن

ويعتقد معتضد أن انخراط المغرب في مبادرة الحزام والطريق وتقوية علاقاته الخارجية والاقتصادية مع الصين لن يكون أبدًا على حساب علاقاته التقليدية مع الولايات المتحدة أو علاقاته الكلاسيكية مع الاتحاد الأوروبي لأن المؤسسات المغربية تعمل في إطار سياسية خارجية مبنية على تنويع الشراكات و الانفتاح على تجارب ومبادرات تلبي احتياجات السوق الاقتصادية والصناعية المغربية.

وهذا التوجه المغربي الذي يهدف إلى تقوية الشراكات القطبية من خلال بروتوكولات التعاون الاقتصادي والصناعي حسب هشام معتضد، يأتي في إطار سياسي يطمح إلى جعل المحور الاقتصادي والصناعي آلية براغماتية في سياسته الخارجية من أجل الكسب المزيد من الدعم السياسي في ملف الصحراء المغربية و مبادراته الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك مع باقي الفاعلين والقوى الحية الدولية.

ويملك المغرب إمكانيات اقتصادية ولوجستية هائلة منها ميناء طنجة المتوسط الذي يضم قاعدة استثمارية جاذبة للتصنيع ومنفذ بحري للتصدير نحو أوروبا وأفريقيا وركن مهم للتجارة العالمية، الشيء الذي تعتبره كلّ من بكين وواشنطن مجالا خصبا لاستثمارات شركاتهما خلال السنوات القادمة.

ويرى خبراء في العلاقات الدولية أن الشراكة الاستراتيجية مع الصين جزء من محاولة لتنويع الاقتصاد المغربي وجذب أكبر عدد من الشركاء للاستثمار في البلاد والتجارة معها، دون أن يعني فك الروابط التقليدية للمغرب مع الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة اللذين منحا المغرب صفة الحليف الرئيسي من خارج الناتو واتفاقية التجارة الحرة الموقعة في عام 2006.

ومن جهة أخرى تعترف واشنطن بالأدوار التي يلعبها المغرب إقليميا ودوليا في العديد من القضايا الحيوية، وقد أعربت الخارجية الأميركية خلال الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي المغرب ـ الولايات المتحدة، عن “تقديرها للدعم القيم والموصول الذي يقدمه الملك محمد السادس في القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل السلام في الشرق الأوسط، والاستقرار والتنمية في أفريقيا، وكذا الأمن الإقليمي والحرب الدولية ضد الإرهاب وتعزيز التعايش الديني والحوار بين الأديان”.

ويؤكد ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي أن متانة العلاقات المغربية – الأميركية المترسخة في أسسها والواضحة في معالمها تعكس رغبة المغرب في تعزيز الشراكات التاريخية للمملكة، في إطار تنفيذ الرؤية الملكية لسياسة خارجية دينامية وفاعلة.

وشدد على أن المغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه قد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي مضيفا أن المملكة حرة في قراراتها واختياراتها وليست محمية تابعة لأيّ بلد. وستظل وفية بالتزاماتها تجاه شركائها الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أيّ مس بمصالحهم.

◄ توقيع العديد من الاتفاقيات في مجموعة متنوعة من القطاعات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية بين المغرب والصين

وبالنظر إلى مكانته الإقليمية وفي القارة الأفريقية ترى الصين والولايات المتحدة أنه من الضروري عدم خسارة المغرب كحليف استراتيجي.

ويرى معتضد أن “التعاون المغربي – الصيني على المستوى الأفريقي يدخل في إطار تنموي وسوسيواقتصادي محض من أجل المساهمة في الدفع بعجلة التنمية الاجتماعية في أفريقيا إلى مواكبة متطلبات حاجيات الشعوب الأفريقية وذلك تماشيا مع توجهات المغرب وانخراطه التنموي في أفريقيا”.

ووصل حجم المبادلات التجارية بين المغرب والولايات المتحدة إلى 51 مليار درهم، بزيادة بنسبة 28 في المئة مقارنة بسنة 2017، وتعد الولايات المتحدة ثالث مستورد من المملكة ورابع مصدر نحوها، كما تحتل الاستثمارات الأميركية المرتبة السابعة على مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تستقر بالمغرب أزيد من 160 مقاولة أميركية.

ويخلص الباحث الأكاديمي إلى أن هذا التعاون الذي يجمع الرباط وبكين لا يتقاطع أو يعاكس تعاون الرباط وواشنطن أو الاتحاد الأوروبي في القارة الأفريقية ولكن يأتي كحلقة تكميلية وفعّالة من أجل فتح العديد من الأوراش مختلفة تستجيب للحاجيات الاقتصادية والاجتماعية لأفريقيا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: