بات اللجوء إلى الهيئات الدولية والمنظمات الحقوقية ملاذ العديد من الناشطين والتنظيمات السياسية المعارضة للسلطة في الجزائر، فأمام حالة الغلق والتضييق المتصاعدة في البلاد لم يعد هؤلاء يتحرّجون من الاستنجاد بتلك المؤسسات، الأمر الذي يضع واقع حقوق الإنسان في الجزائر على حافة التدويل، وهو ما بدأت بوادره تلوح عبر مراسلات وتدخلات دورية لدى الحكومة الجزائرية للإجابة عن الشكاوى المرفوعة لديها من طرف هؤلاء.
ووجه الناشط السياسي المعارض ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي (غير معتمد) كريم طابو رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة من أجل التدخل لدى السلطات الجزائرية لرفع حالة الغلق والتضييق على الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وهي الخطوة التي فاجأت الرأي العام بالنظر إلى كسرها لحاجز تسوية الصراعات الداخلية الذي ظل مبدأ مختلف الأجنحة الحاكمة والمعارضين للنظام السياسي القائم.
ودعا كريم طابو الموضوع تحت الرقابة القضائية منذ عدة أشهر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى الضغط على النظام السياسي الجزائري من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع يد السلطة عن القضاء والإعلام والسماح للجميع بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم في مختلف المجالات.
رسالة كريم طابو تزامنت مع إصدار القضاء الجزائري لحكم بالسجن في حق منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية فتحي غراس
ويعد كريم طابو واحدا من وجوه الحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير 2019، قبل أن تلتف عليه السلطة بداية من العام الماضي عبر آليات أمنية وسياسية، حيث كثفت من وتيرة التضييق على الاحتجاجات والمظاهرات، كما نظمت استحقاقات انتخابية لتجديد المؤسسات المنتخبة وطنيا ومحليا في خطوة لاستقطاب الشارع إليها، غير أن نسبة المشاركة الشعبية ظلت متواضعة الأمر الذي كرس حالة من القطيعة بين السلطة والشارع.
وذكر في العريضة التي اطلعت “العرب” على نسخة منها أن “انعدام وسائل الإنصاف المحلية واستمرار العنف ضد جميع قوى التغيير والغلق السياسي والإعلامي لم تترك لنا خيارا سوى اللجوء إلى المنظمات الدولية لفضح السلطة وممارساتها. وتتعلق أيضا بمخاطبة ضمير المجتمع الدولي عن الانتهاكات الجسيمة والوحشية لحقوق الإنسان في بلدنا”.
وأضاف “المشهد قاتم، الآلاف من المتابعات القضائية، والمئات من معتقلي الرأي يقبعون في السجون في انتظار المحاكمة، واعتقال المدونين والمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر شائعات عن اعتقالات من قبل أجهزة السلطة لترويع المواطنين مثل المداهمات الليلية المتكررة، هذا المشهد يراد منه زرع الخوف والرعب”.
واستطرد “لقد تابعتم بكل تأكيد (الأمين العام للأمم المتحدة) وباهتمام المظاهرات السلمية التي جرت خلال عامين متتاليين في الجزائر، نزل الملايين من الجزائريين إلى الشوارع بسلمية للمطالبة بشيء واحد فقط هو تغيير نظام الحكم وبناء دولة سيادة القانون التي تضمن استقلال القضاء، والتي تكرس بشكل لا رجعة فيه حق تقرير المصير للشعب الجزائري. إن نضال الشعب الجزائري هو نضال من أجل تقرير المصير للمواطن والأمة الجزائرية، إن طبيعة السلطة وممارساتها هي النقيض التام للطابع الجمهوري والديمقراطي والشعبي للجزائر الذي أراده شهداء حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي”.
وتزامنت رسالة كريم طابو مع إصدار القضاء الجزائري لحكم بالسجن عامين في حق منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية فتحي غراس، بعدما وجهت إليه تهم بث منشورات تمس بوحدة واستقرار البلاد وتهدد الوحدة الوطنية، فضلا عن فتح مقر الحزب لأنشطة غير مرخصة.
وأعلن محامون وناشطون حقوقيون عن تصاعد وتيرة التوقيفات مؤخرا في صفوف الناشطين والفاعلين في الحراك الشعبي، وهو ما خلق حالة من الذعر، لاسيما في ظل غياب آليات التعبير بالاحتجاج أو في وسائل الإعلام، وكان آخرهم الناشط هشام خياط الذي كان على وشك إطلاق تنظيم شبابي معارض للسلطة رفع في بيانه الأول عدة مطالب سياسية وحقوقية ودعوات لحماية المعارضة.
وأكد المعارض كريم طابو في عريضته “عدم الاستجابة للمطلب التاريخي للملايين من الجزائريين من خلال تغيير نمط الحكم، واستمرار السلطة في تنظيم انتخابات مزورة وإطلاق وعود كاذبة بالقوة والمناورة والمكر، ما أدى إلى تحويل الجزائر التي تعتبر واحدة من أجمل دول العالم وذات مساحة شاسعة غنية بالموارد الطبيعية وشباب ديناميكي رائع، إلى البؤس الاجتماعي والركود الاقتصادي والشلل السياسي”.
محامون وناشطون حقوقيون يقرون بتصاعد وتيرة التوقيفات في صفوف الناشطين والفاعلين في الحراك الشعبي، مما خلق حالة من الذعر لديهم
ولفت إلى أنه إذا كانت الجزائر الرسمية تعلن نفسها ديمقراطية وشعبية لها “مجلس وطني لحقوق الإنسان” و”سلطة مستقلة لمراقبة الانتخابات”، فإن الواقع مختلف تمامًا “بلدنا رهين نظام فاسد ومفسد، شمولي وسلطوي يعتمد على القمع، إن القضاء الذي يفترض فيه ضمان احترام القانون وحماية الحريات أصبح أداة طيعة في يد السلطة السياسية”.
وعاد طابو للتذكير بما أسماه استغلال السلطة للجائحة الصحية العالمية بـ”فرض تشريع قامع للحريات لمنع جميع المظاهرات الشعبية، وتحت غطاء الحفاظ على الصحة العامة، وبتدابير أمنية لمنع حرية التعبير ومصادرة الحريات، ولغرض خنق الحراك الشعبي، قامت السلطة بتكليف الأجهزة الأمنية المعتادة على الممارسات القمعية وتقنيات التطويق للتحكم المطلق في الشارع”.
ومع تطرقه إلى الوضع الحقوقي في القارة السمراء، أصرّ كريم طابو على نقل مختلف تفاصيل المشهد في بلاده لما خاطب الأمين العام للأمم المتحدة بالقول “صار الإنسان الجزائري الذي لا يخضع لخيارات النظام معرضا للاعتقال، أو للوضع تحت الرقابة القضائية أو الترويع من قبل الأجهزة الأمنية، إن لم يكن هدفًا لحملة تشويه وتخوين من قبل مختلف وسائل الإعلام التابعة للسلطة”.
وذهب في توصيفه إلى رسم مشهد قاتم عن وضع حقوق الانسان في الجزائر، وذكر “اعتقالات وتهديدات واحتجاز تعسفي واعتداءات جسدية ومضايقات قضائية ونفسية وعقبات إدارية وشرطية ضد الصحافة والضغط القانوني على الأحزاب السياسية والجمعيات المستقلة والابتزاز الاقتصادي والاجتماعي على النقابات: هذا هو نصيب الجزائريين المحبين للعدالة والحرية، والساعين للتغيير، والسلطة في الجزائر تعتبر أن الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية ملكها الحصري، إنها تفرض رقابة أمنية غير قانونية على وسائل التواصل الاجتماعي وتوظف القضاء وتستخدم الإدارة لتزوير الانتخابات”.