عادت ظاهرة ندرة بعض المواد الأساسية في الجزائر إلى الواجهة مجددا ما دفع الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الأمة) إلى الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق للبحث والتقصي في الظاهرة والوقوف على أسبابها الحقيقية خاصة في ظل الاحتقان الاجتماعي الذي بات يُهدد بحدوث ثورة جوع تهز البلاد.
طفت إلى السطح مجددا بالجزائر ظاهرة ندرة بعض المواد الاستهلاكية الأساسية، حيث صار من الصعب على المستهلك العثور على مادتي الحليب والزيت على وجه الخصوص، الأمر الذي أثار حالة من القلق الاجتماعي زادها التضارب في التفسيرات غموضا وخوفا، قياسا بما يمثله تراكم الأزمات من تململ ينذر بانفجار ثورة جوع، لاسيما وأن المسألة باتت من تقاليد الواقع الاجتماعي في البلاد.
وأعلنت إدارة الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الأمة) السبت عن تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تضطلع بمهمة البحث والتقصي في مشاكل الندرة والاحتكار الذي طال بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع في مختلف ربوع البلاد، فضلا عن البحث في الأسباب الحقيقية للظاهرة المتجددة في السنوات الأخيرة.
ويبدو أن الغرفة البرلمانية التي بادرت بالتحقيق في الظاهرة لأول مرة خلال العقدين الأخيرين تضع مسألة المضاربة والاحتكار في صدارة الأسباب الحقيقية لظاهرة الندرة، بحسب ما ورد في بيانها الصادر السبت الأمر الذي يرجح مسبقا الفرضية المذكورة على حساب الفرضيات الأخرى.
وألمح بيان الغرفة التي تهيمن عليها الأحزاب السياسية الموالية للسلطة كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فضلا عما يعرف بـ”الثلث الرئاسي” الذي يعينه رئيس الجمهورية وفق ما يخوله إياه دستور البلاد، إلى أن “روابط مفترضة بين الندرة وبين لوبيات سياسية تستهدف تأليب الشارع على السلطة العمومية”.
مجلس الأمة أعلن تشكيل لجنة تحقيق للبحث والتقصي في مشاكل الندرة والاحتكار الذي طال مواد استهلاكية
وأكد أن “تشكيل اللجنة يأتي لردع السلوكيات الكيدية للمضاربين وأننانيتهم الشخصية على حساب المنتج والمستهلك على حد سواء”، وهو ما يوحي بأن اللجنة لا يمكن أن تخرج عن فرضيات الحكومة، التي تتهم دوائر الاحتكار والمضاربة بالتلاعب بالأسواق، لكن لم تحمل نفسها مسؤولية أداء دورها ومهامها تجاه من يهدد استقرار البلاد ويتلاعب بالحاجيات الأساسية للجزائريين.
ولا يزال الشارع الجزائري رهين الروايات المتضاربة تجاه ظاهرة الندرة المتجددة، فالحكومة تتمسك بنظرية المؤامرة وتتهم لوبيات بتأليب السكان على السلطات العمومية، بينما يقدم خبراء ومختصون فرضية تقليص الورادات الذي أدى إلى نقص في تلبية حاجيات المجتمع، بما فيها المواد الأولية التي تدخل في تصنيع مادة الزيت، فضلا عن الأداء الهزيل للحكومة تجاه الأسواق.
وأرجع رئيس الوزراء ووزير المالية أيمن بن عبدالرحمن ندرة بعض المواد الاستهلاكية على غرار مادة زيت المائدة الى اضطراب في التوزيع، وتعهد في تصريحه الأخير لوسائل إعلام محلية بأن الأمور ستعود إلى نصابها خلال الأيام المقبلة.
وأوضح بن عبدالرحمن أن هذا الخلل جاء “نتيجة الإجراءات التي تقوم بها بعض المصانع نهاية كل سنة مثل عملية الجرد التي تدفع إلى تخفيض وتيرة التوزيع، ولكن الأمور ستعود إلى نصابها خلال الأيام المقبلة”.
وفي تبريره لموجة الغلاء الفاحش الذي تعيشه الأسواق المحلية ذكر المتحدث بأن “كل المواد الاستهلاكية على المستوى العالمي عرفت زيادة رهيبة في الأسعار نتيجة الظروف المناخية وارتفاع كلفة النقل البحري من الصين إلى أوروبا، وأيضا من أوروبا إلى الجزائر والتي تضاعفت بأربع مرات”.
وشدد على أنه رغم هذا العامل بقيت الدولة متمسكة بـ”الدعم لهذه المواد الأساسية التي لا تزال تباع بالثمن السابق، ولم تزد سنتيما واحدا في أسعارها”.
وظاهرة الندرة في بعض المواد الاستهلاكية الأساسية باتت تتجدد في البلاد من حين إلى آخر، وساهمت في تصاعد حالة التململ داخل الشارع الجزائري بشكل لا يستبعد أي انفجار اجتماعي، لاسيما وأن المسألة طالت غالبية المواد الأساسية والثانوية، نتيجة تعمد الحكومة تقليص الواردات دون النظر في الحاجيات الحقيقية للمواطنين، خاصة في مجال الأدوية، حيث يفتقد قطاع الصيدلة إلى العشرات من الأدوية بسبب توقيف استيرادها.
وأثار تسريب إخباري نقلته مواقع محلية يتحدث عن عزم وزارة التجارة حظر بيع قنينات الزيت للأطفال، بدعوى أن المحتكرين يستعملون الأطفال لاقتناء تلك المادة، موجة من السخرية والتهكم لدى الشارع الجزائري، لاسيما في شبكات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى فضاء للتعليق على هزال الأداء الحكومي، خاصة وزارة التجارة التي فشلت في مختلف المهام.
وحظرت وزارة التجارة في قرار سابق بيع القنينات ذات السعة المتراوحة بين لتر واحد وخمس لترات على المحال التجارية على غرار المطاعم والمخابز، بدعوى الحفاظ على توفر المادة.
ونفى وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق تسجيل أزمة وندرة في إنتاج مادة الزيت، وعلل الأزمة القائمة بـ”المضاربة من جهة وبسلوكيات المستهلكين بتجميع كميات كبيرة من هذه المادة مخافة الندرة”.
وصرح كمال رزيق لوسائل إعلام محلية بأن “المضاربة إلى جانب السلوكيات غير الرشيدة للاستهلاك تخلقان ضغوطا على مادة الزيت، وأن ترشيد الاستهلاك وعدم اللجوء إلى التخزين والتسبب في خلق الندرة، هو الذي يحبط كل محاولات إرباك الأسواق وخلق القلق الاجتماعي”.
وقال “لو كانت هناك أزمة في المادة لكانت المطاعم ومحلات الحلويات التي تعتمد على مادة الزيت بالدرجة الأولى أول المتضررين، ومنذ بداية الأزمة المزعومة لم يغلق أي مطعم أو محل حلويات، وهي التي تتطلب كميات كبيرة من الزيت، وأن المضاربين مآلهم العدالة وفقا للقانون الجديد للمضاربة”.
وكانت الحكومة الجزائرية قد عدلت قانون العقوبات في الآونة الأخيرة من أجل ردع المضاربة والاحتكار، حيث قرر المشرع تسليط أقسى العقوبات عليهم تصل إلى 30 عاما سجنا، ولم يستبعد الرئيس عبدالمجيد تبون في تصريح لوسائل إعلام محلية حتى “الإعدام إذا تطلب الأمر ذلك”.