كيف تتحول الصحافة المغربية من مجال للتوظيف إلى آخر للاحتراف

ماموني

الاستثمار في المؤسسات الصحافية المغربية أمر أساسي لتطويرها وعدم الاكتفاء بتخصيص دعم سنوي، وفق مسؤولين مغاربة، في حين اعتبر مهنيون أن المطلوب اليوم ليس تأهيل وسائل الإعلام؛ إنما “إنقاذها”.

قال الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية فوزي لقجع، في لقاء تشاوري حول “الصحافة الوطنية: أي خيارات لمواجهة التحديات الجديدة وكسب رهان التأهيل” مع الهيئات المهنية الأكثر تمثيلية في مجال الصحافة والإعلام، إن برامج الدعم التي منحتها الدولة للمؤسسات الصحافية طيلة عشرين سنة أفرزت “الهشاشة”.

وأشار لقجع في اللقاء الذي عقده محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، إلى أن “الدعم لم يؤد إلى إنتاج مؤسسات صحافية قوية، وكان يأتي لإنقاذ المؤسسات التي تعاني مؤقتا”، داعيا إلى توقيف هذا المنهج والبحث عن بديل يفرز مؤسسات إعلامية “قوية ومهنية”، مضيفا أنه يجب تعديل المسار الذي رغم إيجابياته أنتج “الهشاشة”.

ولفت لقجع إلى أن الصحافة ليست مجالا للتوظيف، بل هي مجال للاحتراف يسعى فيه المستثمر في الإعلام للربح والاشتغال بطريقة احترافية كأي مجال اقتصادي آخر.

فوزي لقجع: نعترف أننا صنعنا وضعا يتميز بالهشاشة في مجال الصحافة

وزاد “لكي تلعب الصحافة دورها لا بد أن نتخذ إجراءات وقرارات، وأعتقد أننا أخذنا الوقت الكافي للتشخيص، لكن دائما كانت لدينا حلقة ضائعة ونتردد ونضيع الوقت، وقد بدأنا محاولات منذ 2005، لأن العقد مع الدولة منذ هذا التاريخ، وعلينا أن نعترف بأننا صنعنا وضعا يتميز بالهشاشة في مجال الصحافة”.

وكان تقرير رسمي مغربي توصل إلى أن “خطرا حقيقيا يتهدد الصحافة المغربية”، بعدما وصلت إلى وضعية غير مسبوقة شبّهها بـ“الاحتضار”. وربط التقرير الذي أعدته لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة الذي صدر في ديسمبر الماضي “الأزمة الوجودية” التي تواجهها الصحافة المغربية بتحديات يتداخل فيها كل المعنيين بالقطاع وتتمثل أساسا في “عامل التحول الرقمي ومحدودية سوق الإعلان، بالإضافة إلى أزمة الطباعة والتوزيع وتراجع جمهور القراء، والاختيارات الكبرى في التعامل مع الصحافة، كقطاع وطني استراتيجي”.

ورأى نورالدين مفتاح، رئيس فيدرالية الناشرين، أن الأهم هو “كسب ثقة القراء” لأن التحدي المطروح هو ضعف القراءة، وتساءل “هل المؤسسات الكبيرة ستعيد الثقة لدى القارئ؟”.

ودعا مفتاح إلى وجوب ضمان حصة من سوق الإشهار للصحف، مؤكدا أن هذا السوق الذي يبلغ رقم معاملاته 3 مليارات درهم تحصل منه وسائل الإعلام العمومية على 35 في المئة فقط. كما انتقد هيمنة الشركات الرقمية العملاقة مثل فيسبوك وغوغل على سوق الإشهار في المغرب بنسبة 85 في المئة وتعامل المؤسسات العمومية معها.

وفي هذا الخصوص كشف رئيس المجلس الوطني للصحافة يونس مجاهد أن 32 في المئة من المعلنين توجهوا إلى التواصل الرقمي كأولوية سنة 2020، وأن 92 في المئة منهم توجهوا نحو الشركات الرقمية العملاقة “جافا”، معتبرا أنه من الطبيعي أن يتأثر سوق الطباعة والتوزيع في المغرب.

وانطلقت أشغال اللقاء التشاوري الأربعاء بالمعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط بحضور ممثلي كل من المجلس الوطني للصحافة، والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، والنقابة المغربية للصحافة الوطنية، والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، والفيدرالية المغربية للإعلام، وذلك لاستعراض أهم المعيقات في بيئة العمل التي يمثلونها.

ووفق وزارة الشباب والثقافة والتواصل فإن اللقاء يأتي “في إطار الجهود التي تقوم بها وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع التواصل- من أجل النهوض بأوضاع قطاع الصحافة من خلال تمكينه من الأدوات والآليات الملائمة لتطويره حتى يتمكن من أداء وظائفه”.

وخلال أزمة كوفيد – 19 حصلت الصحف والمواقع الإلكترونية المغربية على 400 مليون درهم، وقد أشاد المهنيون بقرار الحكومة تخصيص هذا الدعم لإخراج الصحف من غرفة الإنعاش.

وكشف نورالدين مفتاح أن الدعم المخصص للصحف قبل كوفيد – 19 كان محدودا مقارنة مع رقم معاملات الصحف، مشيرا إلى أنه إلى حدود نهاية 2019 كان رقم معاملات الصحف سنويًا في حدود مليار درهم، في حين أن الدعم السنوي لم يكن يتعدى 65 مليون درهم.

Thumbnail

واعتبر فوزي لقجع أن النهوض بالصحافة شرط أساسي للنهوض بالمجتمع ودعم الديمقراطية والتعددية، لافتا إلى إمكانية وضع برنامج جديد لمدة 5 أو 10 سنوات ورصد ميزانية تناهز 500 مليون إلى مليار درهم في أفق 2025 أو 2030، لإنتاج مؤسسات إعلامية كبيرة ومهنية ومستقرة، وربط هذا الامر بأهمية الاستثمار في الموارد البشرية الصحافية وتعزيز مكانة الصحافي المهني.

وتضع وزارة الشباب والثقافة والتواصل آخر اللمسات بشأن مشروع قانون جديد يقضي بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالصحافة والنشر، ويتعلق الأمر بإضافة فقرة ثانية إلى المادة 15 من القانون 88.13 تسمح باستثناء المطبوعات الدورية أو العلمية سواء كانت ورقية أو إلكترونية من شرط التوفر على مدير نشر، بحكم أن هذا النوع من المطبوعات لا يمارس مهنة الصحافة وفق التعريف الوارد بالقانون.

وفي ما يتعلق بواقع الصحف في المغرب أوضح يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، أن الأزمة في المؤسسات الصحافية بدأت منذ أكثر من 8 سنوات، خاصة مع ضعف نسبة المقروئية في المغرب مع تسجيل ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع وتراجع المبيعات وعائدات الإشهار. وأكد مجاهد أن تدهور الصحافة الورقية ليس سببه الوحيد التحول الرقمي لأن الصحافة الإلكترونية تعاني بدورها من أزمة خانقة، بل يعزى سبب هذا التدهور، على حد قوله، إلى عدم توفر الصحافة المغربية بشقيها على نموذج اقتصادي ملائم.

وأوضح يونس مجاهد أن المعدل اليومي لمبيعات الصحف الوطنية خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2020 بلغ حوالي 76 ألف نسخة ثم تراجع في السنة إلى 38 ألف نسخة، مؤكدا أن هذا التراجع مستمر إلى اليوم.

وأشار المتحدث ذاته إلى أنه لم يعد يصدر من الصحف الورقية إلى حدود سنة 2020 إلا حوالي نصف ما كان يصدر قبل جائحة كورونا، معتبرا أن الصحافة الإلكترونية لم تنج بدورها من مظاهر التراجع، خاصة مع تأثر سوق الإشهار حيث تراجعت، على حد قوله، الإعلانات التجارية خلال فترة الحجر الصحي لتصل نسبة الاستثمارات إلى أقل من 40 في المئة. ودعا مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، إلى إنشاء نموذج اقتصادي جديد للمؤسسات الإعلامية، وإيجاد حلول بنيوية للقطاع من أجل مواكبة التحول الرقمي.

كما شدد على أن المؤسسات الصحافية في حاجة إلى نموذج جبائي جديد لمساعدتها على النهوض بمهامها، موضحا أنه غير مفهوم أن تدفع المؤسسات الإعلامية ضرائب للدولة مثل باقي المؤسسات. ودعا إلى إعداد مقاربة استثمارية للدعم العمومي وإخضاعه لشروط الحوكمة والشفافية. لكن فوزي لقجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية اعتبر أن مشكلة المؤسسات الإعلامية ليست الضرائب، لأنها أصلا “نسبة جزافية جد ضئيلة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: