تستمر القبضة الحديدية بين السلطة الجزائرية وهيئات دولية، بسبب خلافات مستجدة بين الطرفين، حول مختلف الأوضاع الداخلية، ففيما يجري تصنيف حقوق الحريات السياسية والإعلامية في خانة مقلقة، ويتم التحذير من مخاطر اقتصادية واجتماعية تهدد البلاد، يصر النظام الجزائري على استخدام نظرية المؤامرة بدل أخذ تلك التحذيرات بعين الاعتبار لمراجعة أوضاعه الداخلية.
تقول أوساط سياسية جزائرية إن التوتر الذي تعيشه الجزائر مع المنظمات الدولية هو انعكاس لأزماتها الداخلية سواء الاقتصادية والاجتماعية أو ما يتعلق بالحقوق بالحريات.
وأضافت أن النظام الجزائري يريد من خلال مهاجمة تلك المنظمات صرف النظر عن فشله في حل الأزمات الداخلية وإلهاء الجزائريين بعدوّ وهمي وتصوير البلد كما لو أنه يتعرض لمؤامرة دولية.
وبعد أكثر من سنتين من وصول الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى السلطة، ما زال البلد يواجه مشكلات اقتصادية يحاول النظام حلها بإجراءات تقشفية مؤلمة قد تفجر احتجاجات مشابهة للحراك الاجتماعي في أي لحظة. وانطلق الحراك في 2019 احتجاجا على ترشح الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة للرئاسة واستمر حتى بعد تراجعه وسط مطالبات بإصلاحات حقيقية وإنهاء سطوة المؤسسة العسكرية على البلد.
وحذر خبراء أمميون في مجال حقوق الإنسان، من إمعان الحكومة الجزائرية في توظيف الحرب على الإرهاب، في التضييق على الحريات السياسية والإعلامية في البلاد، وتحويلها إلى مطية لخنق هامش الناشطين السياسيين المعارضين، الأمر الذي يجعلها تنحرف عن التزاماتها تجاه الاتفاقيات الحقوقية الدولية التي وقعتها.
وأفادت تقارير دولية بأن الحكومة الجزائرية تكون قد تلقت مراسلة من مجلس حقوق الإنسان، الذي يحرص على أن تتماشى تشريعات الدول الخاصة بمحاربة الإرهاب والحفاظ على أمنها القومي مع التزاماتها تجاه القانون الدولي، وألا تعرقل عمل وأمن الأفراد والجماعات ومنظمات المجتمع العاملين على تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها.
ولفتت المراسلة إلى أن “مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان هدفان لا يتناقضان، وإنما يكملان بعضهما البعض”، وهو ما يوحي بأن التعديلات التشريعية التي أجرتها الحكومة على قانون العقوبات، لاسيما في شقه المتعلق بالحرب على الإرهاب باتت مصدر قلق للهيئة الحقوقية الدولية.
السلطة الجزائرية تحتجز نحو 300 ناشط سياسي معارض من رموز الحراك الشعبي، بين التوقيف تحت النظر أو السجن
وعبرت مراسلة المجلس عن قلقها مما أسمته بـ”الصيغة المعدّلة لقانون العقوبات في المادة 87 مكرر كونها تفتقر إلى الدقة المطلوبة في تعريف الإرهاب”. وذلك في أعقاب قرار السلطة الجزائرية المتخذ خلال العام الماضي، والمتعلق بإدراج تنظيمين معارضين كحركتين إرهابيتين، والذي يقع تحت طائلة النص المعدل.
ويذكر النص المقصود بأنه “يعتبر فعلا إرهابيا أو تخريبا، كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق أي عمل غرضه السعي بأي وسيلة، للوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم بغير الطرق الدستورية، أو التحريض على ذلك والمساس بأي وسيلة بالسلامة الترابية أو التحريض على ذلك”.
وأعلنت السلط الأمنية الجزائرية عن تفكيك مجموعة من “الخلايا الإرهابية” التابعة لحركتي استقلال القبائل ورشاد، كما تمت إحالة العشرات من عناصرها على السجن، في إطار عملية باشرتها غداة أحداث الحرائق التي عرفتها البلاد خلال الصيف الماضي، لاسيما في منطقة القبائل.
وشددت المراسلة على أن “السماح بتصنيف أفراد أو كيانات كحركات إرهابية في ظل غياب حكم قضائي نهائي، يتنافى مع مبدأ قرينة البراءة ومع مبادئ أخرى معترف بها دوليا تتعلق بالحق في محاكمة عادلة، وأن اللجنة الخاصة بتصنيف الإرهابيين وإدراجهم في القائمة الوطنية خالية من أي ممثل عن السلطتين التشريعية والقضائية أو عن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان”.
ويأتي ذلك في تلميح لهيئة المجلس الأعلى للأمن، الذي بات ينعقد دوريا تحت إشراف تبون، للتداول والتشاور حول الأوضاع الداخلية والخارجية، ويتشكل من كبار مسؤولي الدولة، على غرار رئيس الجمهورية ووزراء الداخلية والدفاع والأمن والمخابرات، ولم يحدث أن حضره ممثلون عن الهيئات التي أشارت إليها مراسلة اللجنة.
ويعتبر المجلس الأعلى للأمن، هيئة استشارية بحسب نص الدستور، إلا أنه بات مصدر ثقل ونفوذ في إصدار كبريات القرارات الأمنية، مما جعله محل انتقادات حقوقية وسياسية.
وحذرت المجلس من “مخاطر تقييد حرية التعبير من خلال نص يعاقب على الازدراء وإهانة مسؤولين في مؤسسات الدولة، ويعاقب على نشر الأخبار الكاذبة، كونها مصطلحات فضفاضة بإمكانها أن تمس بحرية التعبير بشكل خطير وغير متناسب، كما انتقدت القيود المفروضة على التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني في إطار التشريعات المتخذة لمكافحة تمويل الإرهاب”.
ودعت اللجنة الحكومة الجزائرية إلى “مراجعة القوانين المذكورة بشكل يتماشى مع التزامات الجزائر الدولية في مجال حقوق الإنسان، واقترحت تعاونها ومساعدتها التقنية من أجل تحقيق ذلك، وتقديم تفسيرات ورد مفصل يتضمن الإجراءات التي ستتخذها الجزائر لضمان حرية التعبير والتجمع السلمي، وتكوين جمعيات وحرية عمل المدافعين عن حقوق الإنسان والحق في محاكمة عادلة”.
وسبق لناشطين حقوقيين وجمعيات مهتمة، مراسلة لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حول ما يصفونه بـ”الخروقات والانزلاقات التي يعرفها وضع حقوق الإنسان بالجزائر”، كما نظمت هذه الجمعيات وقفات عديدة أمام مبنى الهيئة في جنيف السويسرية.
وتشير تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي إلى أن السلطة تحتجز نحو 300 ناشط سياسي معارض من رموز الحراك الشعبي، بين التوقيف تحت النظر أو السجن، منهم مدونون ونساء وصحافيون ورئيس حزب سياسي، كما وجهت إنذارات لأحزاب سياسية وجمعيات معارضة، غير أن السلطة تنفي وجود معتقلي رأي في البلاد.
وجاء رد البنك الدولي على سلسلة المقالات الصحافية التي هاجمته في الجزائر، لتؤكد حالة التوتر بين السلطة وبين هيئات ومنظمات حقوقية، قال بشأنها قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، بأنها “تستهدف أمن واستقرار المنطقة”، وأنها “تمارس الابتزاز للاستحواذ على مصالح وثروات الشعوب”.
وذكر رد البنك الدولي “البنك الدولي يصدر بانتظام تقارير اقتصادية لدوله الأعضاء على غرار متابعة الوضع الاقتصادي في الجزائر مرتين في السنة، ويستند في ذلك على مراجعة شاملة للجودة قبل نشره من خلال بيانات متاحة للجمهور مقدمة من قِبل السلطات في البلدان الأعضاء بهدف تشجيع تبادل المعارف والحوار حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان”.
ولفت البنك إلى أن تقاريره المنشورة تتوافق مع البيانات الرسمية المتاحة في تاريخ إغلاق بيانات التقرير في الأول من نوفمبر 2021 والتي تم تقديم معظمها في مذكرة التزامن الصادرة عن بنك الجزائر في الثاني والعشرين ديسمبر 2021.
وأعرب عن أسفه “من بعض المقالات المنشورة والتي اعتمدت لغة خارجة عن أفكار مؤلفيها الذين وصفهم بالمجهولين وأن مثل هذه التعليقات غير مقبولة كما هي، ولن يتم الرد عليها كون البنك العالمي، لا يعتبر بأنه يمكن استخدامها كحجة ولا تشكل عنصرا للنقاش”.