الرباط والجزائر: دبلوماسية التجاهل… أم دبلوماسية الغاز؟

التليدي

أربعة تطورات مهمة عرفتها الأيام القليلة الماضية فيما يخص العلاقات المغربية الجزائرية. الأول، مخرجات زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الجزائر، والثاني، هو إنهاء مهام سفير المغرب في الجزائر السيد حسن عبد الخالق. والثالث، هو عودة سفير الجزائر في باريس. والرابع، هو ما صدر عن الرئيس الألماني من موقف إيجابي بدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي لحل النزاع في الصحراء، ودعوته الملك محمد السادس لزيارة دولة إلى ألمانيا.
التطور الأول، الذي يخص زيارة الرئيس الموريتاني للجزائر، لم يكن وراءه عائد كبير، على الرغم من حرص الجزائر على الاستثمار الإعلامي فيه، وعلى اعتبار الزيارة زيارة دولة ذات بعد استراتيجي. فالاتفاقيات التي أبرمت، إنما همت التعاون في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي (برنامج التبادل العلمي والبعثات الطلابية إلى غاية 2024) والتعاون في المجال الصحي (تمكين موريتانيا من الاستفادة من الخبرات الجزائرية في مجال إدارة المستشفيات والصناعات الدوائية وتسويقها) هذا فضلا عن التعاون في مجال التكوين والتعليم المهني (تبادل الخبرات واستقبال بعثات من الشباب الموريتاني) في حين، لم يتم توقيع أي اتفاق ذي طابع اقتصادي استراتيجي، فما عدا الاتفاقية التي همت قطاع المؤسسات المصغرة، فإن القضايا الاستراتيجية، لم يصدر بشأنها أي بيان أو تصريح، وبقيت مختبئة وراء عبارة «القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».
خلاصة الزيارة، أن الجزائر لم تنجح في أن تجر موريتانيا إلى معسكرها، ولم يجر أي اتفاق استراتيجي بين البلدين، يبعد موريتانيا من المغرب ويقربها من الجزائر، إذ لم تنجح الجزائر حتى في إطلاق تصريح أو وعد بشأن تقوية البنية التحتية بين حدودي البلدين، بتعبيد الطريق بين الجزائر (تندوف) وازويرات (موريتانيا) بما يسمح بربط الجزائر مع دول غرب إفريقيا التي تربطها علاقات استراتيجية قوية بالمغرب. فقد اكتفت الجزائر بالحديث عن التهديدات المشتركة في منطقة الساحل، والحاجة إلى تقوية التعاون بين البلدين، وضبط حدودهما وتمنيعهما ضد الجريمة المنظمة.
التطور الثاني، لا يحمل هو الآخر، أي إشارة دالة على منعطف جديد في العلاقة بين البلدين، فالرباط من خلال إنهاء مهام سفيرها في العاصمة الجزائرية، لم تفعل أكثر من ترسيم الوضع الذي فرضته الجزائر من خلال قرار منفرد بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
التطور الثالث، يحمل دلالة مهمة، فالجزائر التي كانت تشترط لعودة سفيرها إلى باريس أن تقدم فرنسا على ما يفيد اعتذارها عن التصريحات المهينة للجزائر، وأن الأمر لم يعد يخص رئيس الجمهورية، وإنما يخص الأمة الجزائرية التي تعرضت للإهانة من قبل الرئيس الفرنسي، وأن الجزائر لن تقوم بالخطوة الأولى لتهدئة العلاقات، وإنما على فرنسا أن تقوم بذلك.
الرئيس الفرنسي لم يقدم أي اعتذار عن تصريحاته، واكتفى بالحديث عن «سوء فهم» لتصريحاته.

أربعة تطورات مهمة عرفتها الأيام القليلة الماضية فيما يخص العلاقات المغربية الجزائرية

صحيح أنه استمر في تقديم جملة إشارات تهم الذاكرة الجزائرية، وبشكل خاص، ما يتعلق بالاعتراف بارتكاب الشرطة الفرنسية لجرائم بحق الجزائريين قبل 60 عاما، عندما قامت بتفريق متظاهرين جزائريين بوحشية في باريس مما أدى إلى مقتل العشرات سنة 1961، وانضم بنفسه إلى إحياء ذكرى هذه الجريمة قرب الجسر فوق نهر السين، وحضر مراسم تأبين القتلى، وقرر أيضا رفع السرية عن أرشيف خاص بحرب الجزائر، لكن ذلك كان يسير على نسق مطرد بدأ حتى قبل أن يطلق تصريحاته الأخيرة ضد الجزائر، ولم تأت هذه الإجراءات في سياق الاستجابة للطلب الجزائري بخصوص الاعتذار عن تصريحاته بشأن عدم وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي لها.
تفسير هذا التطور لا يمكن أن يقرأ بعيدا عن العزلة التي تقبع فيها الجزائر، ورغبتها في أن تتجاوز المأزق الذي وجدت نفسها فيه، بعد أن دخلت في توتر مع باريس، دفع فرنسا إلى أن تقف بكل ثقلها إلى جانب الرباط في معركتها الدبلوماسية، لتمرير القرار الأخير بمجلس الأمن (القرار رقم 2602) الذي شكل انتصارا قويا للدبلوماسية المغربية في موضوع الصحراء.
ويبقى التطور الرابع الذي حدث قبل يومين، الحدث الأكثر دلالة، إذ رفعت رسالة الرئيس الألماني المنتخب فرانك والتر شتينماير، بمناسبة حلول السنة الجديدة 2022، الالتباس الذي كان حاصلا حول قراءة موقفها الجديد من الصحراء، لحد أن اتجهت العديد من المصادر الإعلامية الجزائرية إلى التأكيد على أن موقف ألمانيا لم يتغير، وأنها لا تزال تحتفظ بنفس موقفها السابق، إذ جاءت هذه الرسالة لتؤكد العكس، وتبين تغير موقف برلين لجهة الاعتراف بجهود المغرب في تسوية النزاع، وإشادتها بالمقترح المغربي للحكم الذاتي، واعتباره، أرضية جدية وواقعية لتسوية النزاع بين الطرفين، ورغبتها من خلال دعوة الملك محمد السادس لزيارة دولة إلى برلين في إقامة شراكة استراتيجية «جديدة» بين البلدين.
دلالة هذه الخطوة، أن دبلوماسية المغرب تجاه ألمانيا، والتي كانت تقرأ من زاوية نظر جزائرية على أساس أنها تعميق لعزلة الرباط أوروبيا، أكدت نجاحها في الضغط على برلين، وفي إجبارها على تغيير موقفها من الصحراء، والنزول عند الطلب المغربي، إذ تسمح قراءة عبارة «شراكة استراتيجية جديدة» الواردة في نجاح دبلوماسية الرباط حتى في عزل إسبانيا، وإجبارها هي الأخرى في المدى القريب على الالتحاق بالموقف الألماني.
المفارقة التي ينبغي تسجيلها بهذا الخصوص، أن الجزائر، التي يفترض أن تستقبل القمة العربية في مارس المقبل، ستكون يدها خالية من تقديم أي عرض لهذه الدورة، فقد استبقها المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية المنعقد في منتصف ديسمبر الماضي، بموقف داعم لمغربية الصحراء، إذ أشاد البيان الختامي للقمة الخليجية بقرار مجلس الأمن رقم 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2021 المتعلق بقضية الصحراء المغربية، ولم يترك بذلك للجزائر أي فرصة للمناورة بطرح هذا الموضوع على طاولة القمة بعد أن أصبح الصف العربي برمته داعما للموقف المغربي. بل إن الأجندة المفترضة للقمة، والتي تهم إصلاح الجامعة العربية، ورص الصف العربي، ستكون من غير مضمون في ظل قطع الجزائر للعلاقات مع المغرب ورفضها لأي وساطة من أجل تسوية الخلافات بين البلدين، سواء منها الخليجية أو حتى المغاربية (موريتانيا) ليبقى للجزائر رهان وحيد يتيم هو إعادة سوريا إلى القمة العربية، بحلم استعادة حلفائها التاريخيين (نظام الأسد) الذي لا يهمه في هذه اللحظة دعم الجزائر، بقدر ما يهمه تأمين دعم عربي لعودة دمشق للجامعة العربية.
بالمحصلة، فشلت دبلوماسية الاتهامات والتهديدات التي أطلقتها الجزائر لمحاصرة المغرب، كما فشلت دبلوماسية الغاز (قطع تدفق الغاز من أنبوب ميد غاز) في حين نجحت دبلوماسية المغرب المتجاهلة لمواقف الجزائر، في أن تعزز تحالفاتها، وتقويها، وتضمن أوسع دعم لسيادتها على الصحراء أو على الأقل دعم لمقترحها في الحكم الذاتي (دعم أمريكي فرنسي بريطاني ألماني أوروبي، وعربي إفريقي)..

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: