من يقف خلف إحياء قضية اليساري المغربي المهدي بن بركة

ماموني

عاد ملف المهدي بن بركة، الزعيم اليساري المغربي الذي اختطف في باريس عام 1965، إلى الواجهة؛ حيث نشرت جريدة الغارديان البريطانية مقالا يدعي أنه كان يعمل جاسوسا للمخابرات التشيكية (تشيكوزلوفاكيا سابقا) في فترة الحرب الباردة، وهو ما يطرح تساؤلات عن الجهة التي تقف خلف إثارة هذه القضية.

وأكدت النخب اليسارية أن ما نشر مؤخرا حول ارتباط الزعيم اليساري المهدي بن بركة بالمخابرات التشيكية مجرد افتراء واكتشافات زائفة وملفقة ودون أي تحليل للسياق التاريخي والسياسي لتلك الفترة، معتبرة أن الهدف مما نشر هو الاعتداء على ذاكرة الرجل وتشويه عمله السياسي.

ووصف البشير بن بركة، ابن المهدي، ما قامت به الجريدة البريطانية بـ”الحملة الجديدة للتشهير بعمل بن بركة النضالي والسياسي من أجل تحرر الشعوب وتقدمها”، موضحا أن هذه ليست أول مرة يقال فيها إن المهدي كان عميلا، فقد سبق أن قيل إنه عميل للمخابرات الإسرائيلية.

وزعمت صحيفة الغارديان في حوار مع جان كورا (أستاذ متخصص في تاريخ أوروبا الشرقية إبّان الحرب البادرة) بأن المناضل المغربي كان “عميلا” لجهاز أمن الدولة بتشيكوسلوفاكيا استنادا إلى وثائق استخباراتية خرجت من دائرة السرية.

وقال جان كورا إنه اطلع على 1500 صفحة من تلك الوثائق. وفي تصريحات صحافية أكد المؤرخ التشيكي أن بن بركة قدم معلومات وتحليلات وبعض الوثائق للمخابرات التشيكيّة، كما تم تكليفه عدة مرات بمهام من طرف هذا الجهاز، رافضا ما اعتبره “اتهامات” بوجود دوافع سياسية وراء مقالته البحثية حول بن بركة أو حواره مع الغارديان.

شريفة لموير: إثارة القضية هي محاولة تشويه لزعيم مؤمن بالمبادئ اليسارية

وقالت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير إن “إثارة هذه القضية هي محاولة تشويه رمزية لذكرى زعيم وطني مؤمن بالمبادئ اليسارية، خصوصا وأن القضية سبق أن أثيرت قبل نحو خمسة عشر عاما”، موردة أن “التقرير يحمل عددا من التناقضات لا تتعدى كونها ادعاءات لا تلامس الواقع”.

وقالت ، “إعادة نشر تلك المعطيات في هذا الوقت بالذات لا يمكن فصلها عن السياق الذي يعرفه المغرب بتثمين علاقاته مع الولايات المتحدة من جهة وإعادة إحياء علاقاته مع إسرائيل من جهة أخرى”، موضحة أن “هناك من يحاول نسف هذا التحالف من مدخل إثارة ملف المهدي بن بركة بربط لغز اختفائه بتنسيق مخابراتي مغربي أميركي – إسرائيلي – فرنسي، خاصة أن فرنسا وأميركا مازالتا تتحفظان على الكشف عن الوثائق التي تخص واقعة الاختطاف والاغتيال”.

وذكرت عائلة بن بركة في بيان لها أن “جان كورا أهمل تماما السياق الجيو – سياسي للفترة المعنية، حيث كانت براغ مقرا للمنظمات الدولية التقدمية مثل الاتحاد العالمي لنقابات العمال والاتحاد الدولي للطلبة، وهو ما جعلها ممرا للقادة السياسيين للمنظمات الدولية مثل منظمة التضامن مع الشعوب الأفرو – آسيوية للوصول إلى عواصم أفريقية وآسيوية معينة، إلى جانب كوبا”.

وفسر بيان العائلة أن بن بركة كان عضوا في منظمة التضامن مع الشعوب الأفرو – آسيوية ونائب رئيس لجنة صندوق التضامن المكلف بجمع المساعدات المالية لحركات التحرر الوطني في دول العالم الثالث، وبهذه الصفة كان يسافر بانتظام إلى آسيا وأفريقيا وكوبا وأوروبا، كما تم تقديم المساعدة من خلال تشيكوسلوفاكيا من أجل دعم العمل السياسي للقوات التقدمية عبر المعدات وتدريب المناضلين والمنح الدراسية.

واعتبر حزب الاتحاد الاشتراكي ما نشرته الغارديان لم يتضمن أي جديد وأنه مماثل لما نشرته الإكسبريس الفرنسية سنة 2006، بالموازاة مع إعلان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان آنذاك فتح ملف الشهيد بن بركة تطبيقا لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.

وأوضح الاتحاد الاشتراكي أن ما تم نشره كان محط محاولات الهيئة القضائية التي تتابع قضية الشهيد بفرنسا، والتي خلصت بعد تدقيقها في حوالي 1500 وثيقة من وثائق أرشيف المخابرات التشيكية إلى عدم اقتناعها بأن الشهيد كان مجندا لصالحها، وأنها لم تجد أي مستند يحمل آثار الشهيد مما جعلها تستبعد كل هذه الادعاءات وتعتبرها غير جدية وغير مجدية.

وتعتقد شريفة لموير أن المستفيد الأكبر من إثارة هذا الملف هو فرنسا، لأن الوثائق التي تم تسريبها إلى الصحافة الفرنسية في العام 2006 هي نفسها التي نشرتها الغارديان، وهي محاولة للتأثير على الرأي العام المغربي من خلال خلق ضجة والضغط لكشف حقيقة الاغتيال والأطراف المشاركة فيها، مشيرة إلى أن “الرأي العام المغربي لم ينسَقْ وراء ما جاء في الادعاءات”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: