فرنسا: ظهور مرشح إلى الإليزيه يدعو المسلمين للتخلي عن ديانتهم

جابر

الرئيس يسعى جاهداً إلى تبرير سياسة السخاء التي انتهجها لمواجهة جائحة كوفيد-19 للرد على خصومه من اليسار واليمين المتطرف، الذين يصفونه برئيس الأثرياء.

طبعت جائحة كورونا أهم الأحداث التي حصلت في فرنسا خلال عام 2021. وإذا كانت الحكومة الفرنسية قد انتُقدت خلال عام 2020 انتقاداً شديداً من قبل أحزاب المعارضة ومن الرأي العام بسبب تخبطها في إدارة ملف الجائحة، فإنها سعت خلال العام الموالي إلى تحسين هذا الأداء من خلال عدة إجراءات اتخذتها لتسهيل عملية التطيعم ضد الوباء.

وحرصت السلطات خلال عام 2021 على انتهاج مقاربة تأخذ في الوقت ذاته في الحسبان الاعتبارات الصحية وتلك الاقتصادية. ففي نهاية يناير عدلت الحكومة عن قرار إخضاع البلاد لحجر صحي شامل ثالث من نوعه. وفي نهاية مايو فتحت الباب لكل الراشدين لتلقي اللقاح إذا كانوا يرغبون في ذلك. وينتهي عام 2021 في فرنسا على وقع تساؤلات ومخاوف هي تقريبا نفس التساؤلات والمخاوف التي نجدها في سائر البلدان الأخرى بشأن متحور أوميكورن الجديد الذي انطلق من جنوب أفريقيا.

رهان انتخابي

في 14 يونيو 2020 أدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قاموس المصطلحات السياسية الفرنسية عبارة «أيا يكن الثمن» ليؤكد للفرنسيين ولاسيما لأرباب العمل والعاملين في القطاع الخاص أن الدولة تتحمل مسؤولياتها في إنفاق أموال كثيرة للحد من تبعات جائحة كوفيد-19 الاقتصادية والاجتماعية. وتحدث الرئيس آنذاك عن مساع حكومية لرصد مئات المليارات من اليوروات. وقد ثبت فعلاً أن سخاء السلطات الفرنسية مع أرباب العمل ومع العاملين في القطاع الخاص للثبات اقتصادياً واجتماعياً أمام الجائحة قد آتي أكله. فعودة النشاط إلى الدورة الاقتصادية العالمية والتي شملت بلدانا أوروبية كثيرة منها فرنسا كانت وراء انتعاش الاقتصاد الفرنسي بشكل غير مسبوق لعبت المساعدات الحكومية الفرنسية فيه دوراً كبيراً. وكان عدد كبير من المحللين الاقتصاديين الفرنسيين يرون أن بداية الانتعاش الاقتصادي ربما توافق بداية عام 2023 أو 2024.
وتَحرص أحزاب اليمين التقليدي الفرنسي التي تقف في صفوف المعارضة اليوم على التذكير بهذه العبارة لانتقاد ماكرون في إطار الاستعداد للانتخابات الرئاسية التي ستجري في ربيع عام 2022 واتهامه بإثقال الديون الفرنسية. ولكن الرئيس يسعى جاهداً إلى تبرير سياسة السخاء التي انتهجها لمواجهة جائحة كوفيد-19 للرد على خصومه من اليسار واليمين المتطرف، الذين يصفونه بـ«رئيس الأثرياء».
وماكرون، نجح فعلا بعد انتصاره في الانتخابات الرئاسية الماضية في إضعاف أحزاب اليمين واليسار التقليدي وفي تشتيتها. وكان البعض يصفه بـ«النيزك» الذي نزل على الخريطة السياسية الفرنسية الموروثة منذ أكثر من أربعة عقود فأحدث فيها أضراراً جسيمة. ويمكن القول إن عام 2021 أفرز «نيزكا» آخر يُسمى إيريك زمُّور، الصحافي والكاتب السياسي المتحدر من أسرة يهودية جزائرية هاجرت إلى فرنسا في خمسينات القرن الماضي، والذي تحول في النصف الثاني من العام إلى أحد المرشحين المهمين للانتخابات الرئاسية المقبلة. وزَمُّور الذي أعلن بشكل رسمي عن ترشحه لهذا الاستحقاق الانتخابي المهم في نهاية نوفمبر، كان معروفا وهو صحافي وكاتب سياسي، بتحامله شبه المستمر على الإسلام والمسلمين والمهاجرين المقيمين في فرنسا من أصول عربية وأفريقية. وقد صدرت ضده من قَبْل أحكام قضائية بعد أن ثبتت ضده تهمتان تدعمان هذا التصرف، وأدين في عام 2011 قضائياً بالعنصرية، وقبل ذلك صدر حكم قضائي آخر بحقه في عام 2018 بعد ثبوت اتهامه بنشر خطاب الكراهية ضد المسلمين. ولكن الجديد الذي حمله عام 2021 إلى الخريطة السياسية الفرنسية عبر ترشح زمُّور للانتخابات الرئاسية المقبلة أنه أصبح يهدد سياسياً مارين لوبان التي ظلت حتى الآن زعيمة اليمين المتطرف والتي بنى حزبها مساره على معاداة المهاجرين والإسلام. ولكنها تبدو اليوم في نظر كثير من الفرنسيين معتدلة بالقياس إلى الأطروحات التي يحملها إيريك زمور، ومنها ضرورة أن يغير الفرنسيون المسلمون أسماءهم حتى تكون كلها أسماء لا تُذكِّر بأي حال من الأحوال بأن حامليها مسلمون أو من أصول عربية إسلامية.
والحقيقة أن أنصار ماكرون كانوا مرتاحين من قبل في الخفاء لترشح إيريك زمور لإنهم كانوا يرون أن ذلك من شأنه المساعدة على إضعاف مارين لوبان في أوساط اليمين المتطرف وفي كسب أصوات المتشددين لدى حزب «الجمهوريين» اليميني التقليدي، وبالتالي فإن ذلك من شأنه مساعدة ماكرون على الفوز مجددا في أعقاب الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن ما حدث في الأسابيع الأخيرة أن حزب «الجمهوريين» لم صفوفه وحشد أنصاره واختار امرأة ستنوب عنه في الانتخابات الرئاسية المقبلة هي فاليري بيكريس، الوزيرة السابقة والرئيسة الحالية للمنطقة الباريسية، أكبر المناطق الفرنسية. ولأول مرة أصبحت عمليات استطلاع الرأي تثير إمكانية انهزام ماكرون أمام بيكريس، كون مواقفها السياسية وتوجهاتها لا تختلف كثيرا عن مواقف الرئيس الحالي وتوجهاته، ولأنه بات شبه مؤكد أن هذا الأخير سيخسر كثيرا من أصوات ناخبي اليسار الذين ساندوه في انتخابات عام 2017 لعدة أسباب منها صورة ماكرون السيئة وحالة الوهن والتشتت التي تمر بها أحزاب اليسار اليوم.

الولايات المتحدة وبريطانيا والجزائر

على الرغم من المساعي التي بذلتها الدبلوماسية الفرنسية لجعل فرنسا تشع في العالم خلال العام 2021 إلا أنها شهدت انتكاسة في ما يخص العلاقة مع عدة دول مهمة، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والجزائر. فقد اضطرت باريس في 17 ايلول/سبتمبر إلى سحب سفيرها من الولايات المتحدة الأمريكية ومن أستراليا بعد أن ألغت كانبرا عقداً كانت قد أبرمته عام 2016 للحصول على غواصات فرنسية تتحرك في مياه المحيط الهادئ لمواجهة الصين. واستُبدلت الصفقة بأخرى مع الولايات المتحدة بمباركة بريطانية. ويحاول الفرنسيون اليوم، بشكل غير مباشر، تعويض هذه الصفقة الضخمة مع الأستراليين والتي كانت تقدر بنحو خمسين مليار دولار، بصفقة طائرات الرافال الأخيرة مع دولة الإمارات العربية. ولكن ما حز كثيرا في أنفسهم أن إلغاء الصفقة مع أستراليا جاء بمثابة الطعنة الكبرى من الخلف قام بها الأمريكيون والأستراليون والبريطانيون ضد حليف وشريك تاريخي. وصب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان جام غضبه على واشنطن وأدلى بتصريحات نارية ضد الإدارة الأمريكية الحالية تجاوزت بكثير حدود لياقة اللغة الدبلوماسية. ورغم حصول مصالحة بين باريس وواشنطن لتهدئة الوضع وإعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي، فإن الأزمة التي حصلت بين البلدين لم يُر لها مثيل في تاريخ العلاقات الفرنسية الأمريكية وستترك بصماتها على العلاقات بين البلدين لمدة طويلة، وفق العديد من المراقبين.
أما الأزمة مع لندن فإنها مهيأة للتصعيد لعدة أسباب، منها تضييق الخناق على الصيادين الفرنسيين في المياه الإقليمية البريطانية والخلافات بين لندن وباريس بشأن ملف المهاجرين غير النظامين الراغبين في الوصول إلى إنكلترا عبر الحدود الفرنسية. وقد فرض هذا الملف نفسه على الأحداث الفرنسية خلال تشرين الثاني/نوفمبر حيث لقي على الأقل 27 من هؤلاء المهاجرين حتفهم في بحر المانش في مسعى للوصول إلى إنكلترا انطلاقا من الأراضي الفرنسية. وسيسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الضغط على المملكة المتحدة عبر منهجية أوروبية يريد التوصل إليها طوال الأشهر الستة المقبلة التي ستتولى خلالها فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية.
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فقد خسرت فرنسا كثيرا خلال عام 2021 الصورة التي كانت تريد الظهور عبرها في منطقة الساحل الأفريقي باعتبارها حربة التصدي للإرهاب في المنطقة، فاضطر الرئيس ماكرون إلى إعادة النظر في تموضع القوات الفرنسية في هذه المنطقة التي أصبح الكثير من سكانها يرون فيها قوات احتلال لا صديقة. وقد أُحرجت فرنسا كثيرا عندما منعتها السلطات الجزائرية من التحليق في أجوائها لإيصال قواتها إلى منطقة الساحل ودعت سفيرها في باريس للعودة إلى الجزائر بسبب تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي وقال فيها إن الرئيس الجزائري «رهين نظام سياسي عسكري قاس». وقد أثارت تصريحات ماكرون بشأن الجزائر بلبلة في صفوف الطبقة السياسية الجزائرية ولدى الرأي العام الفرنسي، مما جعله يوفد وزير خارجيته جان إيف لودريان إلى الجزائر لمحاولة تهدئة التوتر بين البلدين والذي أصبح شبه طبيعي ومنتظم في العلاقات بين البلدين منذ استقلال الجزائر عن فرنسا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: