تهديد الاختناق بغاز التدفئة يتزايد لدى العائلات الفقيرة في الجزائر

بليدي

تسجّل الجزائر في كل فصل شتاء حوادث اختناق بغاز التدفئة تذهب ضحيتها أسر بأكملها. ويرجع المتابعون ذلك إلى إغراق السوق الجزائرية بأجهزة تدفئة تفتقد إلى المعايير الآمنة من جهة، وإلى غياب الرقابة من جهة ثانية، ما يؤثر سلبا على العائلات الفقيرة التي لا تجد بديلا عن هذه الأجهزة لمجابهة برد الشتاء.

تحول فصل الشتاء في الجزائر إلى موسم لتداول أخبار المآتم الفردية والجماعية، بسبب الاختناق بالغاز أحادي الكربون، الناجم عن سوء استعمال وسائل التدفئة، أو نوعيتها الرديئة التي تسببت في كوارث حقيقية، حيث تم العام الماضي إحصاء نحو 300 حالة وفاة بسبب الاختناق، من مختلف الأعمار ومن الجنسين بينهم أزواج جدد.

ورغم الأصوات المتعالية المنادية بتوعية الأسر بكيفيات الاستعمال وتشديد الرقابة على البضائع المستوردة، إلا أن الفصل الحالي أعلن منذ دخوله بداية فصول الدراما.

تقبل الكثير من العائلات الجزائرية مع حلول فصل الشتاء على اقتناء أجهزة التدفئة بما فيها أنابيب توصيل وتركيب الغاز، حيث يحرص البعض على تغييرها وتجديدها كل سنة، لكن عادة ما يصطدم هؤلاء بأجهزة مقلدة الصنع تكون بمثابة قنابل موقوتة تهدد حياة الكثير.

مصطفى زبدي: الأجهزة الموجودة بالأسواق مغشوشة وغير مطابقة لمعايير الأمان

وأمام تراجع القدرة الشرائية للطبقات الاجتماعية العريضة، يتم القبول أو اللجوء إلى أجهزة التدفئة منخفضة الثمن، رغم ما تشكله من خطر حقيقي على الحياة برمتها، فالمدفأة ذات السعر الزهيد عادة ما تتحول بين عشية وضحاها إلى خطر يتربص بحياة العائلات، بالنظر إلى كونها مقلدة الصنع أو مصنوعة من مواد مغشوشة لا تراعى فيها أدنى الشروط أو المقاييس المعمول بها عالميا.

واستغلت لوبيات الاستيراد الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسر الجزائرية بشكل عام، لإغراق الأسواق المحلية بمختلف المواد الاستهلاكية ذات المنشأ الصيني، ورغم سمعتها السيئة إلا أنها تشهد إقبالا واسعا من طرف الجزائريين، الذين يغامرون بحياتهم تحت ضغط القدرة الشرائية المتراجعة.

وقال مصطفى زبدي، رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك “إن وجود أجهزة مغشوشة وغير مطابقة لمعايير الأمان بالأسواق، وحتى وجود قطع غيار لهذه الأجهزة مقلدة ومغشوشة، إضافة إلى غياب أجهزة الرقابة والتقنيات التي تسمح بالتأكد التام من سلامة الأجهزة، وأيضا افتقاد معايير الرقابة المخبرية التي تسمح بغربلة ما يدخل إلى الأسواق من أجهزة التدفئة، كلها عوامل تبقي على أخطار مأساوية تهدد حياة الأسر وتطلعنا يوميا بأخبار الوفيات نتيجة الاختناق”.

وأمام غياب آليات حماية وتحكم جيّد في الاستعمال، لم يبق حسب زبدي، إلا نصح العائلات بالتوجه إلى المنتج الوطني، لأن أجهزة التدفئة التي يصنعها المتعاملون الاقتصاديون المحليون تكون آمنة، وذلك لأن المصنع يكون معروفا وحريصا على جودة منتجاته وعلى سمعة منتوجه، عكس المواد المستوردة التي لا يهم غالبية المتاجرين بها إلا تحقيق العائد، حتى ولو كان على حساب أمن وسلامة المستهلك.

ومع حلول كل فصل شتاء تنطلق إدارة الحماية المدنية (الدفاع المدني)، في حملات توعية قاعدية مع العائلات وأطفال المدارس، من أجل تفادي وقوع حالات اختناق نتيجة تسرب الغاز، لكن مفعول تلك الحملات يبقى محدودا لتداخل العديد من العوامل الأخرى، كغياب حرفيين مؤهلين، وتداول مدافئ وتجهيزات مغشوشة.

وأحصت المديرية المذكورة تسبب تسرب الغاز أحادي الكربون في وفاة نحو 300 شخص خلال الموسم الماضي، والملاحظ أن حالات الوفيات في ازدياد مطرد خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن تسجيل ارتفاع لحالات التدخل من أجل الإنقاذ، وهو مؤشر على أن عدة عوامل تتداخل في المآسي الشتوية التي تعيشها مختلف المدن والأرياف.

وحذر البروفيسور سليم نافثي، من مخاطر الاستعمال غير السليم لأجهزة التدفئة في فصل الشتاء، لأن ذلك تسبب في حصد أرواح عائلات بأكملها، بسبب سوء الاستعمال من جهة، وعدم مطابقة الأجهزة لمعايير السلامة من جهة أخرى.

وضع أسري هش

وقال نافثي إن الأجهزة التي تستعمل المازوت أو الغاز، تمتص الأوكسجين من البيت، أو تسرب مادة أحادي أوكسيد الكربون، وحينما يحدث هذا في منزل مغلق تنعدم فيه منافذ التهوية يواجه الشخص مخاطر التسمم بالغاز والموت في صمت، لأنه لن يشعر حتى بما يحدث له.

وأضاف أن أعراض التسمم تبدأ بالشعور بالدوخة ثم الدخول في غيبوبة وبعدها الوفاة، وأسوء ما في الأمر أن هذه الأجهزة لا تتسرب منها رائحة، وبالتالي لا يكتشف خطرها إلا بعد فوات الأوان.

وأشار إلى أن النهاية مأساوية وعادة ما يكون ضحاياها من العائلات والأفراد الفقراء والمعوزين.

ولفت إلى أنه حتى إذا لم تحدث الوفاة بسبب عدم كثافة نسبة التسريب، فإن الشخص يتعرض لمخاطر صحية أخرى على المدى الطويل، على غرار أمراض الدم، حيث يؤثر أكسيد الكربون سلبا على الكريات الحمراء ويسبب الأنيميا واضطراب نبضات القلب.

مفعول حملات التوعية القاعدية للعائلات وأطفال المدارس من أجل تفادي وقوع حالات اختناق بتسرب الغاز يبقى محدودا

وشدد نافثي على ضرورة فرض الجهات الوصية رقابة صارمة للحد من دخول هذه الأجهزة المغشوشة، والتي تنعدم فيها المعايير العالمية، إلى السوق الجزائرية، كما دعا وسائل الإعلام والمجتمع المدني إلى توسيع حملات التوعية لإرشاد المستهلكين حول اختيار أجهزة التدفئة المطابقة لمعايير السلامة المتعارف عليها عالميا، وذلك لأن الجهاز المغشوش يسرب الغاز الفحمي ويمتص الأوكسجين، خاصة في حال غلق منافذ التهوية.

وبين الإهمال ومسؤولية أجهزة الرقابة، يبقى الشارع الجزائري يعيش كل شتاء على وقع كوارث جماعية وفردية، تسبب فيها “القاتل الصامت”، فالكثير من العائلات أبيدت جماعيا نتيجة سوء تقدير للعواقب أو جراء جهاز تدفئة مغشوش، والأدهى من ذلك أن الحالات تسجل في خانة ضحايا الاختناق، ويستمر الوضع على حاله رغم الأرقام المتصاعدة.

وعادة ما تلقى المسؤولية على الإهمال أو الجهل بخطورة الاستعمال الخاطئ، ذلك أن  تسرب القليل من الغاز وفي ساعات فقط يؤدي إلى عواقب وخيمة. ورغم الحملات التوعوية التي تقوم بها مختلف الأجهزة من الحماية المدنية والدرك .. وغيرهما، إلا أن أخبار الموت بالغاز تعود مع بداية كل فصل شتاء، باختناق عائلات بأكملها أو انفجارات في منازل نتيجة تسرب الغاز الذي يغفل الكثير عن مراقبته كل ليلة قبل النوم.

ويلقي البعض باللائمة على وسائل التدفئة المسوقة، كونها لا تخضع للمقاييس أو المراقبة الدورية، فضلا على أن الكثير من المساكن تفتقد إلى نظام التهوية، مما يعرض أصحابها إلى خطر استنشاق غاز أوكسيد الكربون السام، ويحمل البعض الآخر الأجهزة الرقابية وحتى سوق الحرفيين الفوضوية المسؤولية عن الحوادث التي تسببها أجهزة التدفئة المغشوشة، ففيما تفرض لوبيات الاستيراد منطقها على المستهلكين، لا يخضع الحرفيون لأي معايير أو اعتماد رسمي، وهو ما يسبب من حين إلى آخر حوادث تراجيدية تذهب ضحيتها عائلات بأكملها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: