قررت الحكومة الجزائرية تأميم شركات اقتصادية وخدماتية يملكها رجال أعمال يتواجدون منذ سنوات في السجن بتهم الفساد وتبديد المال العام، لتضع بذلك حدا لحالة الترقب والانتظار حول مصير تلك المؤسسات، لاسيما الفئة الشغيلة التي مازالت تزاول عملها فيها.
وكشف المدير العام للقطاع العمومي التجاري بوزارة الصناعة بن ضيف الحسين الأربعاء عن قرار الحكومة بالاستحواذ على الشركات الاقتصادية والخدماتية المملوكة لرجال الأعمال المسجونين، وتحويلها للقطاع العام مع الإبقاء على إمكانية خصخصتها في المستقبل إذا توفرت العروض وخطوط التمويل.
وأفاد بتحويل شركة طحكوت للنقل التي كانت تحتكر النقل الجامعي، إلى “الجامعية للنقل والخدمات”، وتحويل مجمعي معزوز أحمد وعلي حداد للأشغال العمومية والبنى التحتية إلى وصاية وزارة الأشغال العمومية، فضلا عن الاستحواذ على مشروع إنتاج الزيوت وأغذية الأنعام للإخوة كونيناف، لفائدة القطاع العام أيضا.
وجاء القرار الحكومي في أعقاب قرار قضائي استنفد فيه المعنيون كل سبل الاستئناف والطعن، وهو ما أكده المسؤول الحكومي في تصريحه لوسائل إعلام محلية الأربعاء، حيث ذكر بأن “كل الأملاك التي تمت مصادرتها بحكم قضائي نهائي سيتم تحويلها إلى القطاع العمومي”.
وتم سجن ملاك الشركات المذكورة في أعقاب اندلاع الحراك الشعبي في فبراير 2019، بإيعاز من القيادة السابقة للجيش التي تصدرت حينها المشهد العام في البلاد، خاصة خلال فترة الفراغ المؤسساتي غداة تنحي الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة في أبريل 2019.
وظل هؤلاء طيلة حكم الرئيس الراحل يمثلون الذراع المالية والاقتصادية للنظام السياسي القائم، حيث احتكروا مختلف القطاعات بتواطئ من محيط الرئيس بوتفليقة، كما تحولوا إلى مركز ثقل مالي وسياسي في البلاد طيلة العقدين الماضيين، حيث كان تنظيم ما يعرف بـ”منتدى رؤساء المؤسسات” هو الفاعل الأساسي في الكثير من القرارات السياسية، إذ تمت الهيمنة على عدة مؤسسات سيادية، وصارت مخرجات البرلمان والحكومة لن تتم دون المرور على التنظيم المذكور.
ولعب نفوذ رجال المال والأعمال المتواجدين في السجن حاليا دورا فعالا في توجيه القرار السياسي والاقتصادي للبلاد، خاصة في ما يتعلق بالاستحواذ على الاستثمارات الحكومية والقروض البنكية، وكان وراء إسقاط الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون من منصب رئيس الوزراء العام 2017، حيث لم يعمر في منصبه إلا أربعة أشهر، بعدما أبان حينها عن نوايا في تطهير القطاع ووضع حد لتمدد نفوذ هؤلاء.
ولا يستبعد متابعون للشأن السياسي في البلاد أن يكون قرار تأميم الشركات المذكورة خطوة أولى لتسوية بين الحكومة والمعنيين، وهو ما تجلى في عدة خطابات سياسية صريحة دعت إلى إيجاد تسوية ودية بين رجال المال والأعمال المسجونين وبين الحكومة، لإنهاء المسلسل المفتوح منذ العام 2019.
وفيما تضمن برنامج الحكومة المعروض على البرلمان أثناء الخريف الأخير بندا أورد مسألة “التسوية الودية”، رافع قادة أحزاب سياسية على غرار رئيس جبهة المستقبل بلعيد عبدالعزيز، ورئيس حزب صوت الشعب لمين عصماني، خلال حملة الانتخابات المحلية الأخيرة لصالح صيغة توافقية بين الطرفين تتيح للحكومة “استعادة حق الشعب المنهوب وتسمح للمساجين بالاستفادة من حرياتهم”.
وتندرج الخطوة المعلن عنها من طرف الحكومة في إطار مساعي السلطة الجزائرية لمحاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، وإذ تمكنت الحكومة لحد الآن من استعادة مبالغ مالية وعقارات وممتلكات قدرت بنحو مليار دولار، فإن أكبر تحدّ يبقى أمامها هو الأموال المهربة التي وصفت بـ”الضخمة”، وتضاربت بشأنها الأرقام حيث قدرتها بعض التقارير بـ200 مليون دولار، وهو رقم فلكي تتقلص حظوظ تحصيله تدريجيا بسبب التعقيدات التشريعية والدبلوماسية، الأمر الذي يضع عملية محاربة الفساد برمتها محل شك وخيبة لدى الشارع الجزائري لأن الأرقام المحلية لا تمثل شيئا بالنسبة إلى ما هرّب إلى الخارج.
وكان المسؤول الحكومي قد أكد في التصريح المذكور على محافظة الحكومة على مناصب شغل اليد العاملة الناشطة في الشركات المؤممة، حفاظا على حقوق العمال وضمانا للاستقرار الاجتماعي، لاسيما وأن الشركات المذكورة توظف حوالي 20 ألف عامل، وجدوا أنفسهم في وضعيات صعبة بعد سجن أرباب عملهم، قبل أن تتدخل الحكومة وتعين مسيرين مؤقتين لإدارة شؤون تلك الشركات.