مقتل جزائري آخر داخل مركز الشرطة ببروكسيل …..هل أصبحت بلجيكا خطرا على المهاجرين؟
بوشعيب البازي
أثارت حادثة مقتل الجزائري محمد أمين بركان في مركز شرطة ببروكسل في الـ13 من دجنبر ، العديد من التساؤلات حول المعاملة التي يتلقاها المهاجرون الجزائريون في بلجيكا، بالنظر إلى أنها الحادثة الثالثة من نوعها في ظرف ستة أشهر بعاصمة الاتحاد الأوروبي، التي كانت سابقا تتّهم السلطات الجزائرية بالتخلّي عن مهاجريها في بروكسل.
ورغم مطالبة الجزائر في أكثر من مرّة بإعلامها بفحوى التحقيقات والظروف المتعلقة بمعاملة جاليتها في بلجيكا، إلا أن الحوادث المتعلّقة بمخالفة حقوق الإنسان ومعاملة المهاجرين، صارت من الظواهر المتكرّرة، والتي وصلت هذه المرّة حتّى القتل على أيدي الشرطة البلجيكية.
وفاة في مركز شرطة
في الـ 13 من دحنبر، نقلت مصادر مطلعة خبرًا يتعلق بوفاة الجزائري محمد أمين بركان (26 سنة)، المنحدر من ولاية تيبازا غرب البلاد، في مركز للشرطة بالعاصمة بروكسل.
ووفق نفس المصادر فإن محمد أمين يقيم بشكل غير قانوني ببروكسل، وصدر قرار بمغادرته البلاد، ولكن خلال اعتقاله بتهمة سرقته هاتف محمول ، تسبّب الحادثة في وفاته بمركز الشرطة البلجيكية.
وحسب النتائج الأولية التي أعلنت عنها المتحدثة باسم مكتب المدعي العام في بروكسل، بعد تشريح جثة إلياس من قبل طبيب شرعي، فإنه يبدو أنه لا يوجد تدخل من قبل طرف ثالث بعد الشرطة، كما لا يوجد أي أثر للعنف في جسده”.
ووفق مصادر للجريدة، فإن هذه المعلومات تبقى أولية، في انتظار نتائج تحاليل وجود سموم في جسد الجزائري المتوفى في زنزانة للشرطة من عدمها، والتي لا تزال جارية. ووصفت الخارجية الجزائرية ما وقع في مركز الشرطة البلجيكية بـ”المأساة” التي راح ضحيتها أحد رعاياها.
وجاء في بيان وزارة الخارجية “على إثر وفاة المواطن الجزائري اتصلت مصالح سفارة الجزائر وقنصليتها العامة ببروكسل بوزارة الشؤون الخارجية البلجيكية ومصالح وكيل الملك للمطالبة بتسليط الضوء واستجلاء كافة الظروف المحيطة بهذه المأساة.
وأضاف البيان نفسه “وقد طالب الجانب الجزائري على وجه الخصوص بموافاته بتقرير التحقيق الذي أجراه وكيل الملك، كما تتابع مصالح وزارة الشؤون الخارجية هذه القضية ببالغ الاهتمام”.
قتل متعمّد؟
وما زاد في طرح تساؤلات عديدة حول مقتل محمد أمين بركان، الذي كان معتقلًا من قبل الشرطة، أن الحادثة جاءت بعد ستة أشهر من موت الجزائري إلياس عبده و رضا عبد الرحمن قادري (29 عامًا) الملقب بـ”أكرم”، الذي توفي أيضًا في اليوم الـ 19 من شهر يوليوز الماضي، إثر اعتقاله من قبل الشرطة البلجيكية بمدينة أنفرس شمال البلاد.
ولقيت قضية أكرم وقتها اهتمامًا عالميًا، بعدما تم تداول فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، يصوّر عملية توقيف أكرم، فقد قارن كثيرون طريقة توقيفه ووفاته بتوقيف ووفاة جورج فلويد، المواطن الأمريكي الأسود، الذي قضى اختناقًا تحت ركبة شرطي أميركي أثناء توقيفه في أواخر ماي الماضي في الولايات المتحدة، في واقعة أثارت موجة احتجاجات عالمية ضدّ عنف الشرطة.
وقالت وقتها والدته زليخة زيتوني، وهي ناشطة معروفة في مجال الهجرة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في تصريحات صحافية، إنّ الشرطة البلجيكية قتلت أكرم بعد تعذيبه وإخفاء نتائج تشريح الجثة بعد نقله إلى المستشفى.
وزعم ستيفن لوميرت، المتحدّث باسم شرطة أنتويرب، أنّ أكرم وهو من سكّان بروكسل بطريقة قانونية، كان في أحد مقاهي المدينة يتصرّف بعدوانية فتدخّلت الشرطة لتوقيفه، مضيفاً بالقول “كان مضطربًا للغاية (…) كان يحاول ضرب الناس”.
وأردف أنّ عناصر الشرطة سيطروا عليه وثبّتوه أرضًا وكبّلوا يديه، واتصلوا بالإسعاف الطبّي الذي وصل بعد ذلك بعشر دقائق، غير أن أكرم كان قد توقّف عن الحركة فعمد المسعفون إلى إنعاشه ونقله بحالة حرجة إلى المستشفى حيث توفي. وشدّد ستيفن لوميرت على أنّ السلطات البلجيكية فتحت تحقيقًا لتحديد “الظروف الدقيقة لاعتقال ووفاة” المواطن الجزائري.
من جهتها، طالبت الجزائر بتسليط الضوء على ملف وفاة أكرم بمدينة أنفرس، وكشف كل الملابسات المحيطة بهذه الوفاة، وجاء في بيان لوزارة الخارجية أن الجزائر”عبر ممثليتيها الدبلوماسية والقنصلية ببلجيكا، تسهر على تسليط الضوء على هذا الملف وكشف كل الملابسات المحيطة به، من خلال الاتصال الدائم والمستمرّ بكل من عائلة الفقيد والسلطات الإدارية والشرطية والقضائية البلجيكية”.
وأكدت الخارجية أن ملف أكرم المتوفى “في ظروف يجري الكشف عنها”، يحظى بـ “اهتمام بالغ ومتابعة عن كثب من لدن السلطات العليا في الجزائر”.
خلافات قديمة
لا تشكّل معاملة السلطات البلجيكية للمهاجرين الجزائريين بطريقة تغيب عنها الإنسانية في بعض الأحيان بالسلوك الجديد، فالخلاف بين البلدين حول ملف الهجرة يعود إلى سنوات ماضية، كان محورها سابقا احتضان بروكسل لمن تصفهم السلطات الجزائرية بـ “المتطرفين”، الذين كانوا يدعمون أعمال العنف والتشدّد التي عاشتها الجزائر سنوات الإرهاب في تسعينات القرن الماضي، وظلّت حتى السنوات الأخيرة قاعدة خلفية للإرهاب، برأي كثير من المتابعين في الجزائر.
وفي السنوات الماضية، طفا الخلاف بين البلدين حول ملف الهجرة وتنقل الأشخاص إلى العلن، ففي سنة 2016، اتهم وزير الدولة البلجيكي لشؤون اللجوء والهجرة تيو فرانكن السلطات الجزائرية بـ”عدم الجدّية” في معالجة ملف الهجرة.
وأثارت بروكسل في ديسمبر 2016 ملف “الحراقة” الجزائريين خلال زيارة رئيس الحكومة البلجيكية شارل ميشال إلى الجزائر.
وقال آنذاك الوزير الأول عبد المالك سلال إنه “استنادًا إلى معطيات السلطات البلجيكية، يوجد 35 ألف جزائري في وضعية غير قانونية ببلجيكا، وهم عمومًا يتحلون بسلوك جيد”.
ودعت الجزائر وقتها إلى ضرورة أن يحترم أيّ تحرك في هذا المجال “كرامة هؤلاء الأشخاص، أما الباقي فسيتم في إطار القوانين المعمول بها”.
وشكّك السفير الجزائري السابق ببروكسل عمار بلاني، الذي ترك هذا المنصب منذ أشهر فقط، في عديد المرات في الأرقام التي تقدمها السلطات البلجيكية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين هناك.
وكشف بلاني أنه اتضح في كثير من المرات، عند تنتقل مصالح السفارة للتعرف على هؤلاء الحراقة أن من تتحدث عنهم بروكسل، تجدهم لا يحملون وثائق هوية، وهم مغربيون أو تونسيون ويدّعون أنهم جزائريون للتمويه ولتضليل السلطات البلجيكية.
وفي أكتوبر الماضي، هدد وزير الهجرة البلجيكي سامي مهدي، وهو ابن لاجئ عراقي، بترحيل طالبي اللجوء وتقليص عدد مراكز إيواء اللاجئين في البلاد.
ويعتقد مهدي أن عمليات الترحيل التي نفذت في بلجيكا لا تزال قليلة، رغم ترحيلها 18 بالمائة من طالبي اللجوء المرفوضين في بلجيكا، حيث تحدثت تقارير إعلامية عن وجود ما بين 120 إلى 150 ألف شخص من المهاجرين السريين في بلجيكا.