أحالت حادثة وفاة مهاجرين عبر بحر المانش مؤخرا إلى قضية حساسة، وهي شبكات التهريب المتنافسة سواء في فرنسا أو غيرها.
ويقول القاضي الفرنسي باسكال ماركوفيل من مدينة دويه بشمال البلاد إن “المهربين ينظمون أنفسهم في العديد من الشبكات الإجرامية”، التي تتنافس في ما بينها وذلك بعد أيام من المأساة التي شهدتها قناة المانش والتي أودت بحياة 27 مهاجرا.
وأضاف ماركوفيل “حصلت موجتا هجرة رئيسيتان منذ عام 2015: الأولى من سوريا والعراق، والثانية من منطقة القرن الأفريقي، أي إريتريا والسودان والصومال وإثيوبيا”.
وأوضح أن “بعض المهربين ينبثقون من هذه المجتمعات لاسيما الأكراد العراقيين الذين استوطنوا تاريخيا الساحل البلجيكي ودنكيرك (شمال فرنسا). وهم يوسعون نفوذهم في كل أنحاء الساحل. وهناك الشبكات الأفغانية التي وصلت خلال موجة أقدم في العام 2001 وبسطت نفوذها على كاليه. وهي أقل نشاطا اليوم، لكنني أعتقد أنه مع عودة طالبان إلى السلطة، سنراها تعاود الظهور. والأفارقة، وهم مجموعات فقيرة جدا، يحاولون في معظم الأحيان العبور بمفردهم وبالتالي يتضامنون لشراء زوارق. لكننا نرى مجموعات إريترية تحاول إيجاد مكان لها”.
المنافسة بين المهربين قد تؤدي إلى تسوية حسابات، خصوصا في فرنسا حيث يتم استعمال الأسلحة البيضاء في ذلك
ويرى القاضي الفرنسي أن المنافسة القوية والمتصاعدة بين شبكات التهريب قد تؤدي إلى تسوية حسابات، خصوصا في فرنسا حيث عادة ما تكون الأطراف المعنية في وضع غير نظامي، لكنها تحدث بشكل خاص في بلدان المنشأ.
وفي الكثير من الأحيان، تُسوّى الحسابات باستخدام سلاح أبيض والعصي، كما أن المجتمع الكردستاني العراقي يملك مسدسات.
ويحتاج رؤساء الشبكات المرتكزة في بلدان المنشأ إلى خلايا لا تعرف بعضها بعضا. كل واحد منهم يعرف اسما أو اثنين، الشخص الذي طلب منه مرافقة مجموعة، أو تأمين زورق.
وقال ماركوفيل إن “رحلة المهاجر اليوم تقسم إلى خطوات عدة. قبل نحو عشر سنوات، كانت شبكات المهربين تضمن عبورا من بلد المنشأ إلى المملكة المتحدة، من خلال الدفع لمجموعة واحدة. لكن اليوم الحدود مغلقة، لذلك ينبغي على المهاجرين التعامل مع مجموعات فرعية متخصصة في عبور نقطة معينة، مثل قناة المانش”.
وأكد أنه “عموما، يكون المهاجر على اتصال بشبكة معينة منذ البداية. يتقاضى وسيط المال عن الأسرة ويعطي ‘الموافقة’ (في كل مرحلة)”.
وشدد القاضي الفرنسي على أن “الشخص يعبر الحدود متنقلا من شبكة إلى أخرى وكلها مترابطة. في بعض الأحيان، كلما اقترب من الهدف، ازدادت الكلفة”.
ويكلّف عبور عبر المانش في زورق صغير يكون هشا، ثلاثة أو أربعة آلاف يورو. وقد يصل ما يطلق عليه العبور المضمون إلى 10 آلاف يورو، على متن زورق أفضل وليس محملا فوق طاقته بحسب ماركوفيل.
وقال “إذا كان ‘الزبائن’، وفقا لتعبيرهم، أتوا سابقا من مجتمع المهربين، فإن مأساة الرابع والعشرين من نوفمبر توضح ما هي عليه الحال اليوم: جنسيات متعددة. بالنسبة إلى المهربين، إنهم مجرد شحن”.
وأشار مؤخرا متابعون إلى وجود تعاون مع أشخاص وشبكات في ألمانيا من قبل شبكات تهريب في فرنسا وإنجلترا.
وأكد القاضي الفرنسي “أن المحققين لاحظوا عمليات شراء كبيرة للزوارق المطاطية ذات النوعية الرديئة من شركات صينية، عادة عبر وسطاء أتراك، من قبل أشخاص يعيشون في ألمانيا. ثم تباع لشبكات مختلفة تنقلها بدورها إلى شواطئنا”.
وأردف “لكن لكي يتعاون زملاؤنا الألمان معنا، يجب أن نثبت لهم (أن الجريمة الجنائية) تشكل عنصرا من عناصر جريمة تهمهم. حتى اللحظة، ما زالوا يقولون لنا إن شراء زورق وإعادة بيعه هو أمر غير محظور”.
وتابع ماركوفيل “عقدنا اجتماعا الثلاثاء في إطار الاجتماعات الدولية التي بدأتها محكمة الاستئناف، لتحديد أساليب العمل المشتركة. أعتقد أننا سنتغلب على هذه العقبة، عبر الالتفاف بذكاء حول النصوص القابلة للتطبيق”.
ويأتي ذلك في وقت لم تنجح فيه فرنسا وبريطانيا في التوصل إلى اتفاق يحدّ من نشاط هؤلاء المهربين.
باسكال ماركوفيل: المهربون ينظمون أنفسهم في العديد من الشبكات الإجرامية”، التي تتنافس في ما بينها
ورفض مؤخرا رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس في رسالة وجهها إلى نظيره البريطاني بوريس جونسون اقتراح الأخير “تسيير دوريات مشتركة” على الأراضي الفرنسية من أجل منع إبحار المهاجرين نحو بريطانيا.
وكتب كاستيكس في الرسالة “قبلنا دائما دراسة ومناقشة المقترحات البريطانية لتعزيز التعاون بحسن نية. لقد قبلنا بعضها، ورفضنا البعض الآخر”.
وأضاف “لا يمكننا أن نقبل، على سبيل المثال، قيام شرطة أو جنود بريطانيين بدوريات في سواحلنا. فهذا ينتقص من سيادتنا”.
وقدم جونسون هذا الاقتراح خلال محادثة هاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الخامس والعشرين من نوفمبر، غداة الحادث المأسوي في المانش.
وقال مصدر من رئاسة الحكومة طلب عدم الكشف عن هويته إن “إعادة المهاجرين ليست خيارا بالنسبة إلينا، فهي ليست طريقة جادة أو مسؤولة للتعامل مع هذه القضية”.
وأشار كاستيكس في رسالته إلى أن “أكثر من 700 من عناصر الشرطة والدرك يقومون بمسح ساحل أوبال (شمال) يوميا، لمنع قوارب متداعية من الإبحار” باتجاه إنجلترا.