الملكان المغربيان اللذان عاشا 20 عاماً في إسطنبول

قشلاقجي

تعود جذور العلاقات بين تركيا والمغرب إلى مئات السنين من التاريخ، وقد استمرت علاقاتهما السياسية والثقافية والاقتصادية لمئات السنين. وحتى لو كانت هناك انقطاعات في بعض الأحيان إلا أن حب الشعبين لبعضهما بعضا، مستمر اليوم كما الأمس بالوتيرة نفسها. تعتبر تركيا المغرب عضوا مهما في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا والبحر الأبيض المتوسط ​​والعالم الإسلامي، لذلك أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في التاريخ الحديث، ببيان مشترك صدر في اليوم نفسه عن حكومتي البلدين في 17 إبريل 1956، بعد استقلال المغرب.
عندما نلقي نظرة إلى التاريخ، نرى أن وجود سلطانين مغربيين عاشا في إسطنبول لمدة 20 عاما، وهما أبو مروان عبد الملك الأول (1576-1578)، وأحمد المنصور (1578-1603). جاء الشقيقان عبد الملك وأحمد إلى إسطنبول عام 1557 بعد حدوث نزاع مع شقيقهما الأكبر، السلطان المغربي مولاي عبد الله، لطلب المساعدة من السلطان سليمان القانوني، وقد عاشا في هذه المدينة لمدة عشرين عاما. وخلال هذه الفترة الطويلة، تعلم الشقيقان جيدا بنية البيروقراطية العثمانية ونظام الدولة والجيش العثماني، كما تعلما اللغة التركية جيدا، وحصلا أيضا على تعليم عسكري محكم.

يكن الأتراك احتراما كبيرا لسلاطين المغرب لأنهم ينحدرون من سلالة النبي

بعد عودتهما إلى وطنهما بعد 20 عاما، انخرط الأخوان في الصراع على السلطة هناك، ففي السنة التي عاد فيها عبدالملك إلى المغرب، شكل جيشا وأعلن سلطنته بتاريخ 31 مارس 1576، وألقى الخطبة نيابة عن السلطان العثماني مراد الثالث. ثم أطاح بمحمد الثاني، الذي كان في السلطة بين 1574 و1576، واستولى على مراكش، وبقي عبد الملك في السلطنة حتى عام 1578، ثم توفي في معركة القصر الكبير بسبب مرضه. تحدث المؤرخان الفرنسيان هنري تراس وشارل أندري جوليان، عن السلطان عبدالملك، بقولهما: «عبد الملك، الجندي البارز الذي استولى على السلطة، هو أحد أكثر الشخصيات إثارة للدهشة في سلالة السعديين. لقد تعلم الإسبانية والإيطالية خلال رحلاته خارج المغرب. تبنى بنية الدولة العثمانية وعادات الأتراك، وكان يحب التحدث باللغة التركية». من ناحية أخرى، كتب المؤرخ الفرنسي هنري تراس، أيضا عن أحمد المنصور، الذي كان سلطاناً بين عامي 1578 و1603 بعد عبد الملك، قائلًا: «هذا الجندي الشجاع أحمد الذي أصبح سلطانًا بلقب المنصور، على خلفية معركة الملوك الثلاثة، كان شخصا متحضرا وصاحب رؤية ثاقبة. ونجح في إنشاء أجهزة مشابهة للتي كانت موجودة لدى الإمبراطورية العثمانية، في بعض المجالات». يقول المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان، في حديثه عن أحمد المنصور: «كان الناس يحبونه. وكانت لديه حياة بسيطة. وعمل على ضمان تدفق الكنوز البرتغالية وفدية الأسرى إلى المغرب. بدأ الأمراء المسيحيون يكنون الاحترام لهذا السلطان القوي وأصبحوا يعتبرون الإمبراطورية المغربية دولة لا يستهان بها. لقد أرسلوا سفنهم إلى الموانئ المغربية، وسفراءَهم إلى مراكش، بل حاولوا الحصول على قروض من هذا الحاكم الثري جدًا، والمعروف باسم «الذهبي». أحمد المنصور، المنتمي إلى سلالة السعديين التي تعتبر من نسب الحسن بن علي رضي الله عنهما، أرسل في عام 1589 وفدا إلى السلطان العثماني مراد الثالث، رفقة السفراء الأتراك في المغرب. وأقام الوفد المغربي الذي قدم بهدايا رائعة، مدة 6 أشهر ونصف الشهر في إسطنبول، وتحديدا في حي بشيكتاش. وغادر الوفد إسطنبول في 11 يونيو 1590 رفقة اثنين من السفراء الأتراك، ووصل إلى مدينة تطوان المغربية يوم 9 نوفمبر 1950 ثم إلى مراكش يوم 6 يناير 1591. ألّف أبو الحسن علي بن محمد التمكروتي، رئيس الوفد المغربي الذي جاء إلى إسطنبول، كتابا عن رحلته هذه تحت عنوان «النفحة المسكية في السفارة التركية». فرد التمكروتي مساحة كبيرة في كتابه للحديث عن جمال إسطنبول وعادات الأتراك، ويقول: «كان في إسطنبول عدد لا محدود من الكتب. المكتبات والأسواق تفيض بالكتب. تتدفق الكتب إلى هذا المكان من جميع أنحاء العالم. وبإذن الله، تمكنا أيضا من شراء العديد من الكتب المفيدة بسهولة. ومن خلال مشاركتنا في محاضرات العلماء تعلمنا الكثير من الأشياء، حتى إننا حصلنا على «إجازة» من بعض العلماء».
خلاصة الكلام؛ تعود العلاقات التركية – المغربية إلى مراحل قديمة جدا. ويكن الأتراك احتراما كبيرا لسلاطين المغرب لأنهم ينحدرون من سلالة النبي. وهناك حب واحترام مستمر منذ القدم متبادل بين الشعبين التركي والمغربي. حتى أن بعض المصادر التاريخية، تشير إلى أن علاقات الأتراك مع المغاربة تعود إلى عصور أقدم بكثير، وأن الأتراك أرسلوا وحدات من الفرسان من أجل تقديم الدعم للمغاربة في حربهم ضد البرتغاليين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: