تقول تقارير مغربية إن الحكومة الألمانية الجديدة برئاسة أولاف شولتز تتجه إلى مراجعة موقف الحكومة السابقة الذي أدى إلى التوتر الدبلوماسي بين برلين والرباط، وإنها ساعية بجدية لطي صفحة الخلاف مع المغرب، وهو ما يثير تساؤلات عمّا إذا كانت الحكومة تنوي تغيير موقفها من قضية الصحراء المغربية، لاسيما وأن العاهل المغربي الملك محمد السادس سبق أن أكد أن بلاده تريد مواقف دولية أكثر جرأة بشأن الصحراء ما يعني أن المغرب لم يعد يقبل بالمواقف الضبابية.
ونقل عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية الألمانية تأكيده حرص برلين على “تجاوز سوء التفاهم والتوترات التي حصلت”، وأن “هذا يتطلب التواصل المبني على الشراكة والاحترام المتبادل”، نافية انحياز ألمانيا إلى الطرح الجزائري في قضية الصحراء.
وأضاف المصدر أن برلين تعتبر أن الرباط بذلت مجهودات من أجل إنهاء النزاع في الصحراء؛ وذلك من خلال تقديمها سنة 2007 “مساهمة مهمة تتمثل في مقترح الحكم الذاتي”.
ومن شأن هذه التوضيحات أن تذيب أسباب الخلاف بين الجانبين، والتي دفعت المغرب في مارس الماضي إلى استدعاء سفيرته لدى برلين زهور العلوي للتشاور حول موقف ألمانيا -الذي وصفه بـ”السلبي”- من اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء و”محاولة استبعاد الرباط من الاجتماعات الإقليمية حول ليبيا”.
ونشرت وسائل إعلام مغربية وقتها مراسلة من وزير الخارجية ناصر بوريطة موجهة إلى مختلف الوزارات المغربية تحث على “تعليق كل أشكال التواصل والتفاعل والتعاون في جميع الحالات وبأيّ شكل من الأشكال مع السفارة الألمانية وهيئات التعاون الألمانية والمؤسسات السياسية التابعة لها”.
وأوضح بوريطة في المراسلة أن وزارته اتّخذت قرارها بسبب “سوء تفاهمات عميقة حول ما يخصّ قضايا أساسية للمملكة المغربية”.
وعبرت المصادر في وزارة الخارجية الألمانية، وفق ما نقل عنها الموقع المغربي، عن أسف برلين لأن العلاقات الثنائية تخيم عليها الأزمة منذ مارس الماضي، وأن الأزمة “أثرت على العديد من مجالات تعاوننا”.
وقال المصدر الرسمي في الخارجية الألمانية إن الحكومة الألمانية تبدي رغبتها في التحادث مع الحكومة المغربية بشأن فتح صفحة جديدة بين البلدين، مضيفا أنه “يمكن للدبلوماسيين في هذا الصدد إجراء مثل هذه المحادثات، لذا فالدبلوماسية مطلوبة في هذا السياق”.
وبشأن موضوع الصحراء قال إن “مهمة الأمم المتحدة تقتضي إيجاد حل لقضية الصحراء. ولهذا قام الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا بتعيين ستيفان دي مستورا، وهو دبلوماسي متمرس، في منصب المبعوث الشخصي”.
وشدد على دعم برلين للمبعوث الشخصي للأمم المتحدة في مساعيه “لإيجاد حل سياسي عادل، دائم ومقبول من جميع الأطراف”، مشيرا إلى أن “موقف الحكومة الألمانية الفيدرالية لم يتغير بهذا الخصوص منذ عقود؛ وهو ما يتماشى مع القانون الدولي. وهذا أيضا هو الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي”.
وأكد هشام معتضد، الخبير المغربي في العلاقات الدولية المقيم في كندا، أن “استعادة نوعية العلاقات الثنائية مع المغرب بعد مرحلة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل ليست مرتبطة فقط بالرغبة السياسية لحكومة المستشار الجديد بقدر ما هي مرتبطة باستعداد ألمانيا كدولة لمراجعة موقفها من سيادة الدولة المغربية على أراضيها”.
وأضاف معتضد، في تصريح لـه، أن “المغرب ينتظر من برلين توجها دبلوماسيا واضحا تجاه وحدته الترابية”، مشددا على أنه “لا يمكن استئناف العلاقات الثنائية بين البلدين بعيدًا عن أي مراجعة ألمانية لموقفها تجاه قضية الصحراء المغربية”.
وتابع “هناك عامل آخر وهو المتعلق باحترام التعاون المؤسساتي بين البلدين، خاصة في شقه المتعلق بتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية، والذي أبانت برلين عن عدم احترامه، بالتحديد سرية المعلومات الأمنية التي تلقتها من الرباط في إطار التعاون الأمني المتبادل بين البلدين”.
الحكومة الألمانية الجديدة تتجه إلى مراجعة موقف الحكومة السابقة برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل الذي أدى إلى التوتر الدبلوماسي بين برلين والرباط
ووصف المصدر السابق في الخارجية الألمانية المملكة المغربية بـ”الشريك المهم لألمانيا”.
وأضاف “يمكن لكلا البلدين النظر إلى 65 عاما من العلاقات الثنائية الوثيقة والودية. وبروح هذه الصداقة استجابت ألمانيا -في بداية الوباء العالمي- بسرعة وبشكل غير بيروقراطي لطلب مغربي للمساعدة؛ وذلك بحزمة مساعدات طارئة وموسعة النطاق لمواجهة كورونا”.
وشدد على أن ألمانيا “دعمت المغرب في مسار التحديث بشكل مستمر وبالتزام كبير؛ وذلك من خلال التعاون الإنمائي الثنائي” من قبيل تأمين إمدادات الكهرباء والماء، وكذلك تطوير وتوسيع توليد الطاقة المتجددة وتعزيز النجاعة الطاقية. كما أشار إلى التعاون بين البلدين في مجال “المياه وفي النمو الاقتصادي المستدام، لاسيما من خلال تشجيع المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة والتدريب المهني”.
وركز التصريح الرسمي على لغة التعاون بدل لغة الخلاف التي كانت سائدة، إذ تطرق إلى الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وألمانيا التي دشنها البلدان في صيف 2020 والتي تتعلق بشراكة تعزيز الهيدروجين الأخضر. وأكد استعداد الحكومة الألمانية “لمواصلة التعاون لصالح الطرفين، حيث قدمت تعهدات لهذه الغاية في عام 2020 بمبلغ يقارب 1.2 مليار يورو”.