صدق المغفور له الحسن الثاني عندما قال أن المغاربة لن يندمجوا في بلدان الاقامة
بوشعيب البازي
خلصت الدراسة التي قامت بها أخبارنا الجالية إلى أن أغلبية العرب والمسلمين في بلجيكا لهم ارتباط “وثيق” و”جيد” بالهوية الأصلية، أي هوية موطنهم الأول في الوطن العربي بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام.
كما أكدت الدراسة أن أغلب الوافدين الجدد في بلجيكا لهم إشكال في الاندماج. وتقول الدراسة أيضا إن أغلب المسلمين الذين يعيشون في بلجيكا هم متدّينون.
أما فيما يتعلق بالارتباط بالبلد الأصلي، فقد عبر 75 بالمائة من المستجوبين المسلمين (خاصة العرب منهم) عن احتفاظهم بالجنسيتين المغربية والبلجيكية، وهو ما يعزز الهوية لدى هؤلاء المواطنين، إذ عبّر ثمانية من أصل عشرة أشخاص مغاربة عن ارتباطهم “الجيد” و”الوثيق” ببلدانهم، حتى وإن كان أغلبهم يحس بأنه بلجيكي أكثر من كونه مغربي أو تركي (60 بالمئة لدى المغاربة و55 بالمئة لدى الأتراك)، مما يشكل ارتفاعا مقارنة مع الأرقام التي سجلتها استطلاعات الرأي التي أنجزت قبل خمس سنوات.
وفي هذا الإطار أبرزت الدراسة أن التواجد في سوق الشغل يؤثر بشكل إيجابي على الارتباط بالهوية البلجيكية، وأن الارتباط بهوية البلد الأصلي تم التعبير عنه بشكل كبير في منطقة فلاندريا الفلامانية مقارنة مع منطقتي والوني وبروكسيل.
ولكن يبقى هذا المعطى نسبيا نوعا ما رغم دقته، فالعديد من الشباب الذين انضموا إلى خلايا جهادية أو شكلوا جماعات متطرفة مثل جماعة “الشريعة فور بلجيوم” القريبة من القاعدة، تعود ظروفهم الاجتماعية إلى مرتبة مرفهة مقارنة بآخرين، لكنهم تبنوا أفكارا متطرفة بل إن بعضهم سافر إلى سوريا أو العراق أو أفغانستان وحتى ليبيا للقتال في صفوف الجماعات المسلحة، ومنهم حتى من شارك في عمليات في بلجيكا أو أوروبا ذاتها ضمن إستراتيجية جديدة للمتطرفين تسمّى بظاهرة “الذئاب المنفردة”.
فرص الولوج إلى سوق الشغل لها انعكاس هام على توازن الشخصية في بلجيكا
وبخصوص الجانب الديني، فقد كشفت الدراسة أن أزيد من 95 بالمئة من البلجيكيين من أصل مغربي و91 بالمئة من الأتراك يقولون بأنهم مسلمون، وأغلبهم يفتخر بديانته، كما أنهم يتبعون ممارسة شعائرهم الدينية وأغلبهم يتردد على المساجد حتى وإن كان بشكل غير مستمر، ويعطي الزكاة ويقتني المنتوجات الحلال ولا يتناول الكحول.
ولاحظت الدراسة، في هذا الشأن، أن ارتداء الحجاب يوجد بنسبة 52 بالمئة لدى البلجيكيات من أصل مغربي و37 في صفوف البلجيكيات من أصل تركي، في حين أن 23 بالمئة من النساء من أصل مغربي ينزعنه في أماكن عملهن.
وبالرغم من أهمية العامل الديني في صفوف هذه الفئة من المواطنين، إلا أن الباحثين لاحظوا وجود نسبة مهمة من البلجيكيين المسلمين الذين يعيشون حالة من “الترقيع”. ويقصد بذلك أنهم يصومون في رمضان ويشربون الكحول في الآن ذاته، كما أن السيّدات اللاتي يرتدين الحجاب لا يذهبن بالضرورة إلى المساجد.
وأثارت الدراسة الانتباه إلى تراجع تردد البلجيكيين المسلمين على المساجد. فبفقدان الإمام، خصوصا لمكانته كمرجع ديني في التكوين الروحي، ما جعل هؤلاء الأشخاص يظهرون مسافة مع المؤسسة الدينية وهي المسجد.
ومن المحاور الرئيسية التي ركزت عليها الدراسة السوسيولوجية هو محور “الاندماج”، لما يمثله الموضوع من حساسية وأهمية بالنسبة إلى السلطات والمشرعين والمؤسسات السياسية والسيادية، لأن إدماج الوافدين الجدد يعدّ الدرع الأول ضد الشعور بالكبت الديني أو الثقافي وبالتالي التحول إلى العنف والتطرف.
أغلب الوافدين الجدد إلى بلجيكا لهم عوائق في الاندماج وأغلبهم من المتدينين
وأكدت الدراسة أن الأشخاص الذين يتزايدون فوق التراب البلجيكي والمنحدرين من أصول مغربية أو تركية هم أقل اندماجا ومشاركة في المجتمع البلجيكي، وذلك يرجع بالأساس إلى كونهم يحصلون على فرص أقل في ولوج سوق الشغل وهو ما يتعارض مع القيم الديمقراطية ويجعلهم أقل اهتماما بالحياة السياسية وأكثر إحساسا بالتمييز مقارنة من البلجيكيين من أصل بلجيكي.
كما تعتبر هذه الفئة أكثر دراية بحقوقها مقارنة مع الأجيال السابقة وأكثر تشبثا بقيم المساواة ويتوفرون على مستوى تعليمي عال، وهو الأمر الذي يدفعهم إلى رفض وضعية البطالة أو فقدان بعض الحقوق الاجتماعية كالسكن أو المنح المالية، والمطالبة بالمساواة مع نظرائهم بلجيكيي الأصل.
وخلصت الدراسة أخيرا إلى تبني أغلب الأشخاص المنحدرين من أصل مغربي أو بلجيكي عددا من القيم مثل الديمقراطية والتفريق بين الكنيسة والسياسة وحرية التعبير والمساواة بين الجنسين.
ويعتقد 73 بالمئة من البلجيكيين من أصل مغربي و65 بالمئة من البلجيكيين من أصل تركي أنه عليهم التأقلم مع المجتمع البلجيكي، وهذا ما اعتبره القائمون على الدراسة مؤشرا جيّدا نظرا لرغبة هذه العيّنة الممثلة للمسلمين في بلجيكا بالتعايش والانفتاح السلمي والمتسامح بين الفئات والطوائف والأديان في البلاد.