صناعة الصحافة في المغرب قطاع على حافة الاحتضار

مجدي فاطمة الزهراء

حذر المجلس الوطني للصحافة في المغرب من مستقبل قاتم لقطاع صناعة الصحافة المغربية، مؤكدا أن الأزمة التي بدأت منذ عام 2013 وفاقمتها الآثار السلبية لجائحة كورونا يتداخل فيها كل المعنيين بالقطاع.

توصل تقرير رسمي مغربي إلى أن “خطرا حقيقيا يتهدد الصحافة المغربية”، بعدما وصلت إلى وضعية غير مسبوقة وصفها بـ”الاحتضار”.

وشدد التقرير الذي أعدته لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة على أنه في ظل “الوباء الإعلامي” الذي تزامن مع جائحة كورونا، ظهرت في المغرب، كما في دول كثيرة، الحاجة إلى الصحافة المبنية على قواعد العمل المهني والأخلاقي، لكن هذه الصحافة “مهددة بشبح الإفلاس”.

وأشار يونس مجاهد رئيس المجلس الوطني للصحافة أن “هناك خطرا حقيقيا على الصحافة ولا يمكن تصور مجتمع دون صحافة متطورة وكفؤة. هناك من يعتبر بأن البديل هو الشبكات الاجتماعية وأشكال أخرى من التواصل، لكن وإلى حد الآن لم يثبت علميا أن هذا يشكل بديلا للصحافة”. وقال نورالدين مفتاح رئيس الفيدرالية المغرية لناشري الصحف المغاربة “كنا في الخطوط الأمامية والصحافيون خاطروا وغامروا بصحتهم وحياتهم، العمل تضاعف والحرب ضد الإشاعات والأخبار الزائفة كانت على أشدها وخاضتها الصحافة الاحترافية بشراسة ولكن المفارقة أنه كلما اشتد العمل كلما اشتدت أزمة الصحافة”.

أزمة بالألوان

يونس مجاهد: لا يمكن تصور مجتمع دون صحافة متطورة وكفؤة

ربط التقرير “الأزمة الوجودية” التي تواجهها الصحافة المغربية بتحديات يتداخل فيها كل المعنيين بالقطاع  التي تتمثل أساسا في “عامل التحول الرقمي ومحدودية سوق الإعلان، بالإضافة إلى أزمة الطباعة والتوزيع وتراجع جمهور القراء، والاختيارات الكبرى في التعامل مع الصحافة، كقطاع وطني استراتيجي”.

ويعاني قطاع صناعة الصحافة المغربية أزمة برزت ملامحها منذ سنة 2013 وقد فاقمتها الآثار السلبية التي أفرزتها جائحة كورونا.

وكانت عودة طباعة الصحف بعد الحجر الصحي “مؤشرا إيجابيا، بغض النظر عن نتائجها الرقمية”، إلا أن هذا الانطباع كان مجانبا للصواب إذ أن “الصحف لم تعد كلها للصدور في شكلها الورقي، كما اضطر بعضها الآخر إلى إعادة رسملة أسهمه، وتوقف بعضها الآخر عن الصدور بالنظر إلى الصعوبات التي واجهتها بفعل الوباء”.

وسجل التقرير أن مبيعات الصحف المغربية ما بعد أزمة التوقف بسبب وباء كورونا، تعتبر “أسوأ سيناريو ضمن كل السيناريوهات السيئة التي كانت منتظرة”، إذ انخفضت نسبة المبيعات الى 70 في المئة، وتشير المعطيات أنه كانت هناك 138 صحيفة يتم نشرها بانتظام، بينها يوميات وأغلبها أسبوعيات وشهريات، لكن لم يعد من هذه الصحف بعد رفع الحجر الصحي وعودة طباعتها إلا 56 جريدة منتظمة.

وقد أثر انخفاض المبيعات بشكل تلقائي على باقي مكونات سلسلة صناعة الصحف، وبدا أن التوزيع والطباعة ظلا قطاعين “مأزومين ظاهريا بشكل موضوعي”. ويعتبر التوزيع من ضمن الإشكالات الكبرى التي يعاني منها قطاع الصحافة، والتي يحتمل أن تكون سببا في المزيد من احتجاب بعض عناوينها وتراجع مبيعاتها إذ أقدمت شركة التوزيع على تنويع نشاطها وأولت اهتماما بتوزيع الصحف الأجنبية على حساب المغربية.

وعلاوة على ذلك فإن قطاع الطباعة لم يتلاءم تقنيا مع الحاجيات التي أبرزها الواقع الجديد للصحافة المغربية. وأصبحت بعض المطابع غير قادرة على الاستجابة للتحولات الجديدة فيما يخص حجم سحب الصحف وعدد صفحاتها الذي تقلص بفعل الأزمتين الظرفية والهيكلية. وهذه الإشكالات يمكن أن تكون سببا في انقراض الصحف ذات السحب الصغير، لعدم ملاءمة الطابعات الضخمة مع حاجيات السحب القليلة التي يحتاجها بعض الناشرين، كما يمكن أن تتسبب في “سكتة قلبية” تصيب طباعة الصحف المغربية خلال السنوات القليلة القادمة، وذلك بتوقف هذه المطابع الكبرى إذا لم يتم استبدالها بمطابع  رقمية حديثة ذات السحب الصغير والمتوسط، وهو نفس الاختيار الذي أقدم عليه الكثير من الصحف في أوروبا وكندا.

ويقول خبراء إن على قطاع الطباعة أن يلائم نفسه مع حاجيات السوق المغربية التي يجب أن تضمن للصحافة الورقية، ولو بكميات قليلة من السحب، مكانتها وموقعها.

سقوط حر

 سبق للمجلس الوطني للصحافة أن قدم حلولا ارتكزت أساسا حول دعم مقروئية الصحافة الوطنية

من جانب آخر نزلت الإعلانات التجارية خلال فترة الحجر الصحي بشكل رهيب. وسجلت الإعلانات التجارية تراجعا قدر بنسبة 65 في المئة، كما تعقدت مشاكل الصحافة الإلكترونية والتي لا تتوصل إلا بنسبة 25 في المئة فقط من المخصصات الإشهارية الرقمية، بسبب استحواذ شركات الويب العالمية العملاقة على 75 في المئة من الإشهار التجاري.

ويؤكد معنيون بقطاع الصحافة أن الأرقام تثبت أن تدهور الصحافة الورقية في المغرب ليس سببه الوحيد هو التحول الإلكتروني في الصحافة كما يردد الكثيرون، لأن هذا المكون بدوره مأزوم ويحتاج إلى هيكلة وتنظيم وتأهيل، ولكنه يعود أيضا، حسب بعض الفاعلين في القطاع، إلى عدم توفر الصحافة المغربية بشقيها الورقي والإلكتروني على نموذج اقتصادي ملائم لخصوصيتها ولواقع محيطها، إضافة إلى هشاشتها، ونقص رأس مالها، وقلة مواردها البشرية.

ويقول محمد الزواق  مدير صحيفة “يا بلادي” الإلكترونية “لنضع أنفسنا في المدار ونحاول التحرك نحو هذا المستقبل القريب الذي هو أكثر إشراقا، إنه الابتكار وكيفية مواكبة التطور التكنولوجي. لقد فات الصحافة الورقية الموعد التكنولوجي ونحن كصحافة رقمية في طريق الانحراف”.

قطاع استراتيجي

أكد أمين بن شكري رئيس مجموعة ”إيديتوسبريس” المختصة بتوزيع الصحف الورقية إنه “ليس هناك أيّ سبب لعدم بيع الصحافة الورقية في عالم رقمي ولكن يجب أن يكون المحتوى مغريا للقارئ وفي كل الأحوال يستحيل الإبقاء على النموذج الاقتصادي الخاسر لتوزيع الصحافة”.

وفي سياق آخر، تطرق التقرير أيضا إلى الدعم العمومي الاستثنائي الذي تم تخصيصه للصحافة المغربية، ونوه بحجمه غير المسبوق والذي وصل بمناسبة الجائحة إلى ما يقارب 40 مليار سنتيم. واعتبر أنه يعكس العناية التي تُولى لهذا القطاع، غير أنه وقف على ملاحظات كثيرة تتعلق بمعايير منح هذا الدعم الاستثنائي، والتفاوتات التي عرفها توزيعه، داعيا إلى بلورة تصور تتم فيه مراعاة الدور الذي تقوم به الصحافة وتأثيرها ويكون فيه الدعم العمومي للصحافة ضامنا للشفافية والتوازن والإنصاف.

قطاع صناعة الصحافة المغربية يعاني أزمة برزت ملامحها منذ سنة 2013 وقد فاقمتها الآثار السلبية التي أفرزتها جائحة كورونا

يذكر أن الدعم العمومي لا يشكل إلا 10 في المئة تقريبا من رقم المعاملات السنوية للصحافة المغربية، ورغم ذلك فهو يبقى موردا مهما ومحفزا أساسيا يساهم في حركية الكثير من المؤسسات الصحافية الصغرى والمتوسطة.

وسبق للمجلس الوطني للصحافة من خلال تقريره الأول المتعلق بآثار الجائحة على قطاع الصحافة أن قدم حلولا ارتكزت أساسا حول دعم مقروئية الصحافة الوطنية، وتنظيم سوق الإشهار، ووضع تحفيزات لخلق صناعة إعلامية تنافسية، وتقديم تعويض عن استغلال المضامين الإعلامية من طرف المتعهدين الوطنيين للاتصالات وإعادة النظر في تكوين وتأهيل الموارد البشرية والرفع من مستوى الدعم العمومي وإعطاء امتيازات ضريبية وتسهيلات إجرائية للمؤسسات الصحافية، لكنه أضاف في التقرير الجديد توصيات لإعادة الاعتبار للصحافة الوطنية “المحتضرة” التي تستمد مشروعيتها من كونها “ليست بضاعة تحكمها قواعد السوق فقط، بل تعتبر، إضافة إلى دورها الإخباري والتثقيفي والترفيهي، دعامة للدولة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: