إريك زمور يحجز مكان له في السياسة بالعنصرية

حجي

ترشح إيريك زمور رسميا، يجعل الانتخابات الرئاسية في فرنسا تُقلع قبل أوانها، ويُضفي عليها النكهة الجدلية والعنفية التي كانت في انتظارها.
إلى غاية الصيف الماضي كان زمور مجرد كاتب ومعلق تلفزيوني متعصب عاشق للجدل وباحث عن الشهرة. فجأة أصبح في قلب العملية الانتخابية الفرنسية، في إشارة على أن السياسة في هذا البلد لا تسير بالضرورة في الاتجاه السليم.
الانتخابات السابقة (2017) أخرجها ترشح إيمانويل ماكرون، ثم فوزه بها، من تقليديتها. وقبل السابقة أخرج جان ماري لوبان ثم ابنته مارين، مرشحا اليمين المتطرف، الانتخابات من تقليديتها. في 2022 جاء دور إيريك زمور ليُخرج الانتخابات من كساد سياسي يهددها.
بتعصبه سيُضفي زمور على الانتخابات لمسة جديدة تخرجها من ثنائية يمين/يمين متطرف التي رست عليها في العشرين سنة الأخيرة عندما أصبحت الجبهة القومية (التجمع الوطني لاحقا) رقما أساسيا في الانتخابات ينافس المرشح الرئيسي في دورتها الثانية.
ترشُّح زمور سيُربك كل المرشحين وسيجعل الانتخابات المقبلة منافسة بين يمين مسخ ويمين، ويمين اليمين ويمين على يمينهم جميعا. اليمين هو ما يمثله الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون وبقايا «الجمهوريين» والديغوليين. يمين اليمين تحمل لواءه مارين لوبان، وهو تيار سياسي أثبت مكانته في الخارطة الانتخابية والسياسية بأوروبا حيث أصبح لكل دولة «لوبانها». اليمين المسخ هو اليسار الذي لم يعد يعرف أين يقف، فلم يبق يسارا ولم يستطع أن يصبح يمينا (هذه مأساة اليسار الاجتماعي في أغلب الدول الأوروبية). وعلى يمين هؤلاء جميعا يقف يمين فوضوي موغل في الكراهية والتخبط، يمثله إيريك زمور.
زمور سيأخذ من الوعاء الانتخابي للجميع، من اليمين ومن يمين اليمين. لكن هذا لن يحل مشكلة فرنسا، بل سيعقّدها أكثر لأنه سيضعها أمام حقيقة اجتماعية تجنح أكثر نحو مزيد من التعصب والخطر.
أيًّا كان عدد الأصوات التي سينالها زمور في الانتخابات، فهي ستكون تعبيرا ثقافيا واجتماعيا إلى جانب كونه سياسيا. ذلك أن زمور لا يترشح على ضوء برنامج سياسي واقتصادي محدد ومغر، بل رافعا لواء قومية سامة ومؤذية لفرنسا قبل غيرها. قال زمور أنه يترشح لإنقاذ فرنسا، لكن فرنسا ستكون بحاجة إلى من ينقذها من زمور. هذا الرجل يجسّد التعصب الفرنسي في أقبح صوره، وهو الصوت الأعلى والأقوى لعنصرية مقيتة ومتجذِّرة لم يعد المجتمع الفرنسي يتحرج منها.

من الخطأ الاعتقاد أن اليمين السياسي عبر العالم الغربي مكوَّن حصريا من أناس أوروبيي العرق بيض البشرة. بالعكس، هناك الكثير من الملّونين القادمين من مختلف القارات والعرقيات يملأون الخزّان الانتخابي

يريد زمور أن يكون النسخة الأوروبية من ترامب. مبدئيا هو نسخة مشوَّهة بسبب الفرق بين الاثنين. مهما قيل عن ترامب، فهو ظاهرة طبيعية من صلب المجتمع الأمريكي. أما زمور فصنيعة إعلامية وظاهرة مفتعلة رغم وجوده في أرضية خصبة لبروز هذا النوع من الفكر والناس. ترامب لا يعاني من عقدة الجذور، بينما يبدو أن لزمور مشكلة ما مع ماضيه. ترامب لا يميز بين الذين يكرههم، لكن زمور يختارهم بعناية، فلا غرابة أن الأول يكره الكل وبنوع من العفوية (إن جاز هذا التعبير) والثاني يكره بناءً على مشاعر مبيّتة يحملها حيال أناس يشبهونه وجاؤوا من ذات الجغرافيا التي شهدت ولادته، وأيضا من ذات السياق التاريخي المؤلم الذي جاء منه هو وعائلته. بالنسبة لزمور، لا توجد جريمة في فرنسا ليس للمهاجرين الأفارقة والمغاربيين صلة بها. قد تكون أوساط المهاجرين أرضية خصبة للجريمة والانحراف، لكنها ليست أسوأ مما في الأوساط الفرنسية الأصلية. الفرق أن الجريمة والاغتصاب والمخدرات يقبلها زمور والذين يرعونه عندما تقع بين الفرنسيين الأصليين، ويعتبرونها خطرا اجتماعيا يهدد حاضر فرنسا ومستقبلها عندما تقع في أوساط المهاجرين.
هل هذا ما جعل صورة زمور تتبلور بالشكل المنحرف الذي انتهت إليه؟ من الخطأ الاعتقاد أن اليمين السياسي عبر العالم الغربي مكوَّن حصريا من أناس أوروبيي العرق بيض البشرة. بالعكس، هناك الكثير من الملّونين القادمين من مختلف القارات والعرقيات يملأون الخزّان الانتخابي والسياسي لهذا المعسكر الذي يكتسح المجتمعات الغربية. تكفي نظرة على التجمعات الشعبية التي ينظمها ترامب مثلا لاكتشاف أنها تغص بالملوَّنين واللاتينيين.
في فرنسا مثلا، لا يخلو معسكر اليمين من ناشطين بارزين ينحدرون من أصول مهاجرة. ولطالما أحاط جان ماري لوبان، وبعده ابنته مارين، نفسيهما بمساعدين منحدرين من أصول جزائرية ومغاربية. كان الأمر يبدو أقرب إلى زواج مصلحة: شباب طموحون يبحثون عن مكان في مسرح الشأن العام، وسياسيٌ متهم بالعنصرية يبحث عن إثبات أنه ليس كذلك، فاقترب هؤلاء من ذاك وتحقق الهدف. ولكي يثبت هؤلاء الشباب المغاربيو الأصل لسيّدهم مدى ولائهم وصلاحيتهم، لم يدّخروا أي جهد ليكونوا أكثر منه عنصرية وتعصبا ضد بني جلدتهم.
لا غرابة بعد هذا أن يبني زمور مستقبلا سياسيا على كراهية الذين يشبهونه وانتموا إلى ذات الجغرافيا والسياق اللذين قُدِّر له أن يأتي منهما.
هذه الحالة الإنسانية موجودة منذ القدم ولا تزال، وفي أكثر من مكان. قديما أثناء الثورة التحريرية كان الأهالي يخشون بطش الجزائريين العملاء الذين يرافقون دوريات الجيش الفرنسي أكثر من خوفهم من الجندي الفرنسي. غير بعيد عنا كانت «سي آي إيه» تستعين بمحققين عرب لاستنطاق مقاتلي تنظيم القاعدة الذين تعتقلهم أو تتسلمهم من دول حليفة. وكان المحققون الأمريكيون يُخيّرون السجناء بين الاعتراف أو إحالتهم على ضباط أردنيين أو إماراتيين يتقنون فنون انتزاع الاعترافات.
زمور ذهب بالانتخابات في فرنسا إلى مستوى آخر لم تألفه، مثل العنف في ندوة يوم الأحد. لكن المسألة أعمق من مجرد طموح سياسي. إنها بحاجة إلى تقييم نفسي وثقافي أولًا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: