قضية التجسس : فرنسا تسلط الضوء على محمد بلحرش رجل المخابرات المغربي و عن دوره في الشأن الديني.

بوشعيب البازي

تعتبر مديرية الأبحاث و المستندات المعروفة إختصارا ب (Adjed) أحد أكثر أجهزة المخابرات السريَّة غموضًا في العالم، وتحوطها السلطات المغربية بكتمانٍ شديدٍ، فهذا الجهاز يشكّل الخط الدفاعي الأول الذي يعول عليه المغرب في القيام بعمليات التجسُّس وجمع المعلومات عن مغاربة العالم و عن تحركاتهم في بلدان الإقامة .

و ينصبُّ الهدف الرئيسي لمديرية الأبحاث و المستندات على الدول الأوروبية والمنظمات التابعة لها والمنتشرة في أنحاء العالم، كما يتركَّز نشاط عملائها أيضًا في الشأن الديني بأوروبا.

و قد طردت الدول الأوروبية خلال الأربع سنوات الأخيرة عشرة من عملاء الاستخبارات المغربية بسبب أنشطتهم للتجسس على الجالية المغربية ونشطاء البوليساريو، وفق ربورتاج مفصل لجريدةالباييسالإسبانية.

و لاحقت فيما قبل النيابة العامة الألمانية عميل مغربي استقطبته المخابرات المغربية سنة 2007 لمراقبة نشاط الجالية المغربية والبوليساريو في ألمانيا إنتهى به المطاف في الاعتقال وحوكم بتهمة التجسس لصالح دولة أجنبية بحكم أنه يحمل الجنسية الألمانية.

و قامت الدول الأوروبية منذ 2008 حتى الآن باعتقال وطرد عشرة عملاء مغاربة يعملون للمخابراتالعسكرية التي يديرها ياسين المنصوري معتبرة اعتقال شرطي هولندي من أصل مغربي سنة 2008 في مدينة روتردام كان على اطلاع مباشر على ملفات الداخلية الهولندية وكان يسرب معلومات حساسة للمغاربة حتى لحظة اعتقاله والحكم عليه.

و من خلال تقارير صادرة عن المخابرات الإسبانية سنة 2011 جاء فيهاهدف المخابرات العسكرية المغربية هو تشديد السيطرة على الجالية المغربية في اسبانيا من خلال توظيف الدين الإسلامي عبر السفارة والقنصليات وعملاء تحت يافطة دبلوماسيين وأشخاص جرى استقطابهم‘. ومن ضمن الأمثلة الواردة في هذا الصدد، اجتماع ياسين المنصوري سنة 2008 في مدينة مراكش بعدد من الأئمة من إسبانيا وإيطاليا لتوجيههم في تسيير الشأن الديني، الأمر الذي اعتبرته إسبانيا تدخلا خطيرا في شؤونها الداخلية.

و يذكر أن المخابرات المغربية لم تتوقف لحد الآن في نشر عملائها داخل المجتمع الاوروبي و خصوصا في الشأن الديني الذي أصبح فضاءا لجمع المعلومات .

الخبر الذي فجرته جريدة Le point الفرنسية الذي نزل كالصاعقة المدوية على الاقل بالنسبة لصناع القرار عن رجل المخابرات المغربية محمد بلحرش المبحوث عنه من طرف السلطات الفرنسية عبر مذكرة بحث منذ 12 فبراير 2018 .

و حسب مصادر مطلعة فرجل المخابرات المغربية يعمل بديوان المدير العام لمديرية الأبحاث و المستندات كان موظفا عاديا بمدينة الرباط و بعد ذلك تمكن بفعل أصله وقرابته العائلية من أحد الضباط الساميين للمديرية ، من أن يصنع لنفسه مكانة في ملف تدبير الشان الديني لمغاربة المهجر ،  بمعالجة القضايا التي تؤرق الدولة المغربية على مستوى الأمن الخارجي، و محاربة الإرهاب و التضييق على الجماعات الإسلامية المحظورة ،على الأقل بالنسبة لأجندات الدولة و المناهضة لإمارة المؤمنين ، ولتحقيق ذات الهدف ،خصصت الدولة المغربية عبر هذه المديرية و تنسيقا مع مؤسسات أخرى عدة داعمة و ممولة كوزرارة الأوقاف و الشؤون الاسلامية الغنية بمداخيلها ، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ،والوزارة المكلفة بالجالية والهجرة ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي و غيرها من الوزارات و المؤسسات العمومية التي إنخرطت في مشروع كبير يقوده أشخاص تم إختيارهم من المهتمين بالشأن الديني في العديد من الدول الاوروبية التي تعرف تواجدا كبيرا للجالية المغربية .

و قد تابعت السلطات الفرنسية تحركات الرجل الأول المسؤول عن الشأن الديني بأوروبا و رصدت علاقاته المشبوهة مع بعض رجال الدين بفرنسا منذ سنة 2010 ، لغاية سنة 2018 حيث نشرت في حقه مذكرة بحث في التراب الفرنسي بتهم عديدة من بينها التخابر لصالح دول أجنبية ،علما أنه كان يتوفر على الاقامة الفرنسية منذ 2010 ، و بتهمة جمع معلومات و إرشاء موظف بمطار أورلي الدولي يعمل بجهاز الاستعلامات الفرنسية .

نفس الشيء تابعته السلطات الاسبانية حسب معطيات نشرتها صحيفة إلموندو الاسبانية في تحقيق، حول قضية معروفة بعنوان “الغطاء الأنثوي لتجارة الجواسيس المغاربة في إسبانيا”، قالت فيه إن مسؤولين مغاربة يواجهون اتهامات بتحويل أموال يقدمها المغرب لحساباتهم الخاصة عبر إنشاء شركات وهمية.

وقالت الصحيفة في إسبانيا إن محكمة إيغوالادا في برشلونة، تنظر في قضية تحويل أموال المديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد) إلى حسابات زوجات مسؤولين مغاربة.

وأضافت الصحيفة الإسبانية أن القضية تفجرت سنة 2015، عندما تولى ميمون جاليتش مهمة إدارة جمعية “اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية” بكاتالونيا، خلفا لمؤسسها نور الدين زياني، الذي رحلته السلطات الإسبانية بعدما اتهمته بالتجسس لصالح المديرية العامة للدراسات والتوثيق المغربية، وتهديد الأمن القومي الإسباني والترويج للفكر السلفي المتشدد و تشجيع الجالية المسلمة على مساندة مطالب الكطالانيين الإنفصالية، حيث اتضح حسب نفس المصدر بعد مراجعة حسابات الجمعية من سنتي 2012 إلى 2015، أن جميع الأموال التي تلقتها من المغرب لم تستخدم فلي الأغراض المنصوص عليها في قانون الجمعية، وبعد سنة وصلت هذه المعلومات إلى أيدي القضاء الإسباني، الذي فتح تحقيقا في الموضوع.

وبحسب ذات المصدر فقبل ثلاث سنوات من طرده من إسبانيا، وبالضبط في شهر فبراير من سنة 2010، أسس زياني جمعية “اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية”، وقام بالتنسيق مع 70 مسجدا في كطالونيا، ونظم العديد من الأنشطة باسم الجمعية، وكان يحصل كل سنة على أكثر من مليوني يورو من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، إلا أن هذه الأموال انتهت في العديد من الحسابات المصرفية المسجلة في اسم زوجته.

وأشارت الصحيفة الإسبانية إلى أنه في سنة 2013، تم افتتاح وكالة أسفار في مدينة برشلونة، تملكها نعيمة المعلمي زوجة محمد بلحرش المسؤول في جهاز لادجيد في الرباط، والذي يتحكم في المساجد والأئمة في دول مثل إسبانيا بحسب إلموندو.

وبحسب إلموندو فإن رجل المخابرات المغربية محمد بلحرش استخدم زوجته من أجل تحويل الأموال، عن طريق إنشاء شركات وهمية، حيث تنتهي الأموال التي تقدمها الدولة المغربية في حسابات في البنوك الإسبانية والمغربية، فيما يذهب جزء صغير منها إلى المخبرين الصغار الموزعين في جميع أنحاء كطالونيا وبقية التراب الإسباني، غير أن مركز كل شيء حسب المصدر نفسه هو وكالة الأسفار الموجودة في برشلونة.  

و لا نستتني بلجيكا كذلك من الاختراق الاستخباراتي التي أصبحت مركزا للعملاء و المخبرين المغاربة حيث وجهت هذه الأخيرة العديد من الاتهامات للمسؤولين عن الشأن الديني و للسفارة المغربية و للمديرية العامة للدراسات والمستندات بإستغلال المساجد في جمع المعلومات عن المواطنين المزدوجي الجنسية من خلال بعض العملاء بالحقل الديني منهم من عرض خدماته مجانا لإرسال تقارير مفصلة عن مغاربة العالم.

هذا وتكتسب الدراسة المتعلِّقة بتجنيد العملاء من قبل مديرية الابحاث و المستندات واستغلالهم والتخلِّي عن بعضهم أهميَّة خاصة في ظلِّ ماكشف النقاب عنه من اكتشاف لشبكات التجسُّس المغربية  في أوروبا خلال السنوات الأخيرة من خلال رفع مستوى الحسِّ الأمني لدىالقوى العسكريَّة والأمنيَّة، وذلك بمعرفة الأساليب التي يتَّبعها جهاز المخا المغربية في تجنيد العملاء، بالإضافة إلى إظهار خطورة جريمة التجسُّس على أمن الاتحاد الاوروبي والقوى العسكريَّة والأمنية، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة للجاسوسيَّة وتوضيح عواقبها علىالجاسوس نفسه.

هذا و قد قامت القوى العظمى، على مرّ التاريخ، بتوظيف الأقليات الدينيَّة والإثنيَّة في خدمتها، والمغاربة لم يشكِّلوا إستثناءً للقاعدة. فقد أدَّى انتشار مغاربة العالم في أرجاء العالم إلى قيام شبكة إتصالات مغربية، لا تقوم بتسهيل عمليَّة تبادل البضائع والأموال فحسب،وإنما تقوم أيضًا بنقل المعلومات، ويستخدم المغرب كل الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافه، ما يُعرِّض في كثير من الأحيان المغاربة المنتشرين في العالم للأخطار بسبب إستغلال مديربة الأبحاث و المستندات  للإمتيازات والحقوق التي يتمتَّعون بها في دول الإنتشار، مما أدَّى في كثيرٍ من الأحيان إلى نجاح مهماته من الناحية التكتيكية ، إلا أنها شكَّلت فشلاً إستراتيجيًا إنعكس سلبًا على مغاربة العالم في الآونة الأخيرة .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: